يشهد سوق التجارة الالكترونية بالمغرب نموا مستمرا، لا سيما مع شيوع ثقافة الشراء عبر الإنترنت، لكن مخاوف المستهلكين بسبب وسائل الأمان ما تزال تلاقي بظلال سلبية على هذه الوسيلة، التي تحتاج لمزيد من الإنعاش لمواكبة التطور الملحوظ في المنطقة العربية. وتعد التجارة الإلكترونية، مصطلح جديد في عالم الاقتصاد ظهر مع انتشار الإنترنت في بدايات التسعينات من القرن العشرين، وترتكز على بيع أو شراء أو تبادل المنتجات والخدمات والمعلومات باستخدام شبكة انترنت داخلية أو خارجية. "كريدي سويس"، ثاني أكبر المصارف السويسرية، يتوقع أن تواصل التجارة الإلكترونية نموها في الأسواق الناشئة ليتجاوز إنفاقها في أسواق التجزئة عبر الإنترنت من تريليون دولار في 2016 إلى 2.5 تريليون دولار بحلول 2025. نمو واضح وأكد مسؤولون وخبراء، في أحاديث لهم، إن هناك نمو ملحوظ في سوق التجارة الإلكترونية بالمغرب في ظل تنامي إنفاق المستهلكين في أسواق التجزئة عبر الإنترنت لتلبية احتياجاتهم مقارنة بالأعوام السابقة. ووصل حجم التجارة الالكترونية في المغرب نحو 1.2 مليار درهم (120 مليون دولار) في العام الماضي، مقابل نحو 893.2 مليون درهم (90 مليون دولار) في العام 2015، بزيادة قدرها 33.3%، بحسب وزارة التجارة والصناعة المغربية. ليتجاوز عدد المشتركين المغاربة في خدمة "الانترنت ال17 مليون مشترك في العام 2016، وهو ما يمثل نموا سنويا بنحو 18% مقارنة بالعام السابق عليه، وفق الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (حكومية). نصب واحتيال وجاء في حديث ذات المسؤولون والخبراء، إن هناك عدة تحديات تواجه التجارة الالكترونية، خصوصا فيما يتعلق بوسائل الأمان وحالات النصب والاحتيال والانتهاكات التي يتعرض لها بعض المستهلكون، وهو ما يتطلب سرعة التدخل من جانب الجهات المختصة عبر وضع القوانين والقواعد المنظمة. وبحسب وزارة التجارة والصناعة المغربية، كان غياب "ترجمة الشروط التعاقدية للبيع إلى اللغة العربية" أبرز المخالفات المتعلقة بقطاع التجارة الإلكترونية خلال العام الماضي بنسبة 98%. ووفق معطيات أدلت بها وزارة الصناعة والتجارة، غابت المعلومات حول حق الزبون في التراجع عن الشراء عبر الإنترنت بنسبة 74%، كما غابت أيضاً المعلومات حول هوية المورد، والمعطيات التي تمكن من التواصل معه، بنسبة 35%. وفي العام الماضي، أنجزت مصلحة مراقبة المواقع الإلكترونية التجارية (حكومية)، ما مجموعه 103 عملية مراقبة، أسفرت عن توجيه 93 رسالة إنذارية لأصحاب المواقع التجارية، التي تم ضبط بعض المخالفات بها. تأهيل القطاع وأكدت لطيفة الشهابي، الكاتبة العامة لوزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي بالمغرب، إن الوزارة تعمل حالياً على استراتيجية جديدة لتطوير الاقتصاد الرقمي، تتضمن تأهيل قطاع التجارة الإلكترونية. وواصلت الشهابي، في حديث لها، نستهدف تسريع التحول الرقمي في المغرب، واتخذت الحكومة العديد من الإجراءات القانونية والتنظيمية، من أجل تعزيز قطاع التجارة الرقمية، والنهوض بالقطاع وتجاوز المعوقات". وقامت الشيهابي، بالمطالبة بضرورة صدور قرار وزاري، يتعلق بحصول منظمات حماية المستهلك على الإذن الخاص بالتقاضي، دفاعاً عن مصالح المستهلكين. وأكملت قائلة: "هناك جمعيات نعمل معها حالياً بهدف توعية المستهلك ومواكبته، وهي صوته بهدف تقوية حمايته والدفاع عن مصالحه". ويتوفر المغرب، على قانون لحماية المستهلكين، والذي أعلنت وزارة التجارة والصناعة قبل أيام عن بدء مراجعته، ليتلاءم مع المعايير الدولية. وينص القانون على تأهيل الباحثين المنتدبين للقيام بعمليات البحث عن المخالفات وإثباتها، وكذا اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق بعض مقتضيات القانون. سوق افتراضية وجاء في قول بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك (منظمة غير حكومية)، إن هناك تخوف ملحوظ للمستهلكين المغاربة من عمليات الشراء عبر الإنترنت، على الرغم من تزايد عدد مستعملي السوق الافتراضية. وزاد الخراطي، موضحا في حديث له: "أعتقد أن التجربة لم تنطلق كما يجب في البلد، والمشكلة تكمن في وجود حالات نصب واحتيال كانت سبّاقة إلى سوق التجارة الإلكترونية". وأضاف: "تصلنا عشرات الشكاوي عبر شبابيك حماية المستهلك.. وهناك مواقع تجارية تشهر سلع معينة، لكن عندما يقتنيها المستهلك يجدها مختلفة عما تم إشهاره". وشدد المتحدث "عدم احترام الشروط التقاعدية وخاصة بالنسبة للمواقع الإلكترونية المتواجدة خارج أرض الوطن". أولويات الإصلاح من ناحيته، قال شمس الدين عبدتي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك: "آن الأوان لإصلاح شامل وعميق للمنظومة القانونية المتعلقة بحماية المستهلك بالبلد". وواصل شمس الدين: "يجب إعادة النظر في القانون برمته، لأنه لا يشمل المعاملات التجارية عن بعد، بالشكل المطلوب". وأضاف قائلاً: "نحن نطالب بمدونة شاملة لا تقتصر فقط على الإجراءات، أعتقد أن الرهان يتجلى أيضاً في إنشاء محاكم متخصصة في تجارة البيع عبر الانترنت". تعاون دولي وأعطى الاتحاد الدولي، قبل عامين، الانطلاقة لمشروع توأمة مع المغرب بهدف حماية المستهلك بتكلفة تصل إلى 11 مليون درهم (1.1 مليون دولار) وتمتد لعامين بهدف إعداد خطة عمل استراتيجية لفترة 5 سنوات، من أجل تعزيز حماية المستهلك المغربي، مع ضمان إنعاش ثقافة الاستهلاك بالبلد. كما قام المغرب والصين قبل أيام، بتوقيع مذكرة تفاهم في مجال حماية المستهلك، تنص على "دعم تبادل التجارب والخبرات وتطوير التعاون الثنائي في مجال حماية المستهلك، وتشجيع التطبيق الفعلي للقوانين والأنظمة المتعلقة بحماية المستهلك في كلا البلدين".