احتضن فضاء بيت الصحافة بمدينة طنجة مؤخرا ندوة علمية خصص لها موضوع " تطبيق المواثيق الحقوقية الدولية في العمل القضائي المغربي رهانات وعوائق "، وهي الندوة التي كانت من تنظيم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدائرة الإستئنافية بطنجة، بشراكة مع الجمعية الأمريكية للمحامين والقضاة فرع طنجة. وقد تميزت الندوة بحضور نخبة من الفاعلين الحقوقيين والمختصين في المجال القانوني، حيث أطرها كل من الدكتورة وداد العيدوني منسقة ماستر المهن القانونية والقضائية بكلية الحقوق بطنجة، والأستاذ مصطفى بونجة محامي بهيئة المحامين بطنجة والأستاذ الزائر بكلية الحقوق بنفس المدينة، فضلا عن الأستاذ أنس سعدون عضو المرصد الوطني لإستقلالية السلطة القضائية، بالإضافة إلى الأستاذ محمد حمياني عضو المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب، والأستاذ ياسين العمراني الكاتب العام لنادي قضاة المغرب، والتي كانت من تسيير الأستاذة خديجة البخاري نائبة رئيس المحكمة الإبتدائية بمكناس. وبعد أن تم افتتاح مراسيم الندوة العلمية بأيات بينات من الذكر الحكيم، كان الحضور الغفير الذي غزا قاعة الندوة على موعد مع كلمة رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب عصام بن علال، الذي ألقى عبارات شكر وترحيب بالضيوف والحضور معا قبل أن يسلم الكلمة لممثلة الجمعية الأمريكية للمحامين والقضاة التي أعربت عن سعادتها الغامرة في تنظيم هذه الندوة العلمية متمنية للحضور أكبر قدر من الإستفادة. وكانت البداية مع الدكتورة وداد العيدوني التي تناولت في كلمتها دور القضاء العادي في تطبيق المواثيق الحقوقية الدولية، وذلك بحماية حرية التعاقد باعتبارها صورة معبرة للحرية الشخصية، وضمانة حماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإتفاقيات الدولية والدستور، وكذا ممارسة المحاكم للرقابة القضائية من أجل حماية الحريات العامة فضلا عن إلزام الجهات المحدثة للضرر بوقف الإعتداء فيما يتعلق بالقضاء الإستعجالي. وأكدت وداد العيدوني على أن القضاء المغربي كان سباقا للإنخرط في الصرح الحقوقي الدولي وسباقا لتنزليه على أرض الواقع، خصوصا قسم قضاء الأسرة بمدينة طنجة حيث استشهدت بحكمين قضائيين اعتمدا بالأساس المواثيق والإتفاقيات الدولية وهما الحكمين المتعلقين باقتسام الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، وثبوت بنوة مولود من علاقة غير شرعية. وعلى نفس الخطى عرج الكاتب العام لنادي القضاة بالمغرب الأستاذ ياسين العمراني برصده مستويات تفعيل الإتفاقيات الدولية في المجال القضائي، والتي قسمها إلى مستوى وطني يتوافق وأحكام الإتفاقيات الدولية والذي لا يطرح عديد الإشكالات حسب قوله، ومستوى ثان تتعارض فيه أحكام الإتفاقيات الدولية والتشريع الوطني، حيث تعطى الأولوية والأفضلية للإتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، وهو ما جاء صريحا في قانون الجنسية المادة ،1 وقانون حماية حقوق المؤلف في المادة ،60 فضلا عن المادة 5 من قانون المسطرة المدنية. واختار المحامي بهيئة طنجة الأستاذ مصطفى بونجة أن ينحوا منحى مغايرا عن مداخلات سابقيه، حيث تناول في كلمته تنفيذ الأحكام التحكيمية بالمغرب بين القانون الوطني والإتفاقيات الدولية من خلال تشخيص الهندسة والفلسفة التشريعية التي اختارها المشرع المغربي في هذا الشأن، والمتمثلة في قانون 08.05 الخاص بالتحكيم الداخلي والوساطة الإتفاقية، واعتبر بونجة بأن تطبيق الأحكام التحكيمية الوطنية أرحم بكثير من تطبيق الأحكام التحكيمية للإتفاقية الدولية، مركزا في حديثه على اتفاقية نيويورك سنة 1958 المتعلقة بالإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين القضائيين التي اعتبرها خطأ أن الأوان للتخلي عنه من قبل المشرع المغربي. وساهم بدوره الأستاذ أنس سعدون عضو المرصد الوطني لإستقلالية السلطة القضائية بمداخلة قيمة وضع لها عنوان " إدماج الإتفاقيات الدولية في مناهج تكوين القضاة "، وقال سعدون بأن عملية إدماج الإتفاقيات الدولية في مناهج تكوين القضاة هي عملية تقنية بالأساس تحتاج مجهودا فكريا ونظريا كبيرين، معتبرا أن منهج النقد هو المنهج الذي اختاره نادي القضاة بالمغرب من أجل الوصول إلى النجاعة المطلوبة. واعتمادا على منهج نقذي بناء وجه الأستاذ أنس سعدون انتقادات طالت المعهد العالي للقضاء والتي أجملها في كون أن المعهد يعمد على تدريس الإتفاقيات بمعزل عن واقع المحاكم، وعدم اعتماده لمعايير شفافة وواضحة لإختيار المكونيين، فضلا عن تغييبه التام للكفاءات الأكاديمية وضعف البنية اللوجيستيكية. واختتم سعدون كلمته بتوصيات من أجل تطوير مناهج تكوين القضاة، كالإعتماد على تكوين مستمر بجانب التكوين التخصصي للقضاة، وتعزيز المعهد بكفاءات باعتماد معايير شفافة، وإعداد برنامج سنوي للتكوين المستمر والجمع بين التكوين الوطني والتكوين الجهوي وإمكانية فتح المعهد لفروع جهوية. وكختام مسك للمداخلات العلمية قام الأستاذ محمد حمياني عضو المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بإبراز دور المحكمة الإبتدائية بطنجة في إعمال الإتفاقيات والمواثيق الدولية، حيث قام بجرد العديد من الأحكام التي إعتمدت بالأساس على الإتفاقيات الدولية والتي تعود للمحكمة الإبتدائية قسم قضاء الأسرة بمدينة طنجة، كالحكم المتعلق بموضوع اقتسام الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، والحكم الذي خص باب البنوة من مدونة الأسرة الصادر حديثا والمتعلق بثبوت بنوة مولود من علاقة غير شرعية.