هل كانت الموناليزا مصابة بأحد الأمراض الجنسية؟.. إذاً لماذا اشترت ماء الحلزون بعد عشر سنوات من رسم صورتها الشهيرة؟!.. وما سر الضوء الأخضر في اللوحة الغامضة؟.. أم تراها بالفعل كانت من "مصاصي الدماء". أسئلة كثيرة حول اللوحة التي ما زالت لغزاً بعد أكثر من 5 قرون من رسمها، يثيرها الكاتب والناقد الفني البريطاني جوناثان جونز، الذي ظهر في المسلسل الوثائقي "Private Life of a Masterpiece"، كما كان عضواً بلجنة التحكيم الخاصة بمَنحِ جائزة تيرنر في عام 2009. وفي مقاله المنشور بصحيفة الغارديان البريطانية الإثنين 6 فبراير/شباط 2017 يحاول جونز الربط بين هذه المعطيات لإلقاء المزيد من الضوء على تحفة العبقري ليوناردو دافنشي الغامضة. فإلى نص المقال ما السر وراء لوحة الموناليزا؟ إنها تبتسم ابتسامة مُحيِّرة للغاية تحت حجابٍ حريري وشفافٍ، لكنه غير مرئي، يغطي شعرها بالكامل، وتُدير عينيها البُنِّيتَين وكأنّها تنظر إلى شخصٍ ما دخل في مجال رؤيتها. دائماً ما ارتبط سحر وشهرة هذه اللوحة، التي بدأ الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي في رسمها عام 1503، بالشَّخصيةِ الغامضة المرسومة عليها. فقد زَعَم الفنان الإيطالي جورجيو فاساري في القرن السادس عشر أنَّ ليوناردو استعان ببعض الموسيقيين والمُهرِّجين ليجعلوا الموناليزا تبتسم. وظَنَّ الكاتب البريطاني والتر بيتر في العصر الفيكتوري أنَّ الموناليزا تُشبه "مصاصي الدماء". أمّا بعض الآراء المعاصرة، فتَرى أنَّ وجهَها يحمل ملامح ثنائية الجنس، وأول من لاحظ هذا الأمر هو الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب، وفقاً لما جاء في صحيفة الغارديان البريطانية. أمّا أنا فعندي نظرية جديدة. ربما كانت الموناليزا مُصابة بمرض الزهري. تبدو هذه اللوحة وكأنّها صورةٌ خيالية، مشهدٌ غير واقعي، ولكنّها لوحةٌ لإحدى الشخصيات الحقيقية. كانت ليزا غيرارديني زوجةً لتاجرٍ فلورنسي اسمه فرانشيسكو ديل جيوكوندو. وهناك مصادر يعود تاريخها لتلك الفترة، من بينها ملاحظةٌ كتبها أحد الموظَّفين في الحكومة الفلورنسية بقصر فيكيو عام 1503، لم تدع مجالاً للشك في أنّ الموناليزا كانت إحدى عارضات ليوناردو (وليست، كما اعتاد مؤرخو الفنون أن يزعموا أنها واحدةٌ من نساءِ الطبقة الراقية). إذن، كانت الموناليزا زوجةً لتاجرٍ يعيش في فلورنسا، وعاصَرَت مكيافيلي، ومايكل أنجلو، والمُستكشف فسبوتشي. هل يمكننا معرفة شيء آخر عنها؟ ذهبت المعلومات عن حياة النساء في عصر النهضة الإيطالية أدراج الرياح، ولا تظهر على السطح عن نساء فلورنسا في تلك الفترة إلا لوحات ليوناردو وقليل من الأعمال الفنية الأخرى عن نساء فلورنسا. حتى الآن، كما هو الحال، لم يتبقَ سوى وثائق قليلة لا تُقدِّم إلا لمحاتٍ عن حياة الموناليزا. على سبيل المثال، سُجِّل اسم الموناليزا في دفتر بأحد الأديرة في فلورنسا وهي تشتري مياه الحلزون من صيدلية الدير. مياه الحلزون؟ تذكرت أن هذه الكلمة أضحكتني حين قرأتها لأول مرة. والأكثر من ذلك، أنني صدَّقت طرحاً ساذجاً بأنَّ هذه المياه كانت تستخدم في التجميل، أو لعُسر الهضم. في الحقيقة، هذا غير منطقي. لأنَّ الاستخدام الأساسي لمياه الحلزون في الطب القديم -وهذا ما اكتشفته مؤخراً- كان يتمثل في علاج الأمراض المنقولة جنسياً، ومن بينها الزهري. ربما كانت الطبيعة المُقززة والعقابية لهذا الخليط هي التي جعلته يبدو علاجاً لاذعاً. ظلَّت مياه الحلزون تُستخدَم حتى القرن الثامن عشر، وأوردت الكتب التي أُلِّفَت في هذه الفترة نصوصاً مُحددة جداً في الإشارة إلى الفائدة الطبية لمياه الحلزون. ويَعرِض دستور الأدوية الذي كُتب عام 1718 هذه الوصفة: "تناوَل 6 غالونات من حلزون الحدائق بعد تنظيفه وطحنه، و3 غالونات من ديدان الأرض بعد غسلها وطحنها، وتناوَل رطلاً ونصف رطل من الشيح، ورطلاً ونصف رطل من لبلاب الأرض، ورطلاً ونصف رطل من نبات اللُّسّان…". تُضاف المزيد من الأعشاب لتُعطي هذا المشروب الكريه مذاقاً أفضل، ويُنسب الفضل في ذلك إلى الطبيب ريتشارد ميد، الذي عمل في مستشفى سانت توماس بلندن. وهناك وصفاتٌ أخرى من القرن الثامن عشر أجمَعت على استخدام مياه الحلزون في علاج مثل هذه الأمراض، ويمكنك مشاهدة ذلك بنفسك في متحف غرفة العمليات القديمة وحجرة الأعشاب الموجودة به، حيث تُعرض هناك أمثلة على الوصفة الطبية واستخدامها لعلاج الأمراض التناسلية. هل احتاجت الموناليزا إلى مياه الحلزون من أجل هذا الغرض؟ إذا كان ذلك صحيحاً، فربما اشترتها لتعطيها إلى شخصٍ ما غيرها. على كل حال، جاء تسجيل اسمها في دفتر الشراء بعد أكثر من عِقدٍ من وقوفها أمام ليوناردو. ولكن لنفترض أنها كانت مُصابة بالفعل بأحد الأمراض المنقولة جنسياً في عام 1503، بِمَ سيُخبرُنا ذلك عن أشهر لوحة رسمها ليوناردو؟ عندما وقفت الموناليزا أمام ليوناردو في عام 1503، كان مرض الزهري مستفحلاً في أوروبا حتى النخاع. وقال البعض إنَّ هذا المرض الجديد انتقل إلى أوروبا عن طريق أحد البحَّارة الذين عملوا تحت قيادة كولومبوس في عام 1492. وانتشر المرض كالنارِ في الهشيم. هل يمكن أن تكون هناك إشارة إلى هذا المرض في اللوحة الأكثر شهرةً لدافنشي؟ تظهر الموناليزا في اللوحة أمام منظر طبيعي تسوده التلال التي تتخللها طُرقٌ ملتوية تظهر في نهايتها مياه وجبال. ربما تُشير الجبال البعيدة عبر المياه الواسعة والزرقاء إلى العالِم الجديد – مصدر سر الموناليزا. عندما قارن والتر بيتر الموناليزا بمصّاصي الدماء، كان يُلمِّح إلى شيء مُخيف ومَرَضي في تُحفة ليوناردو الفنية، وهو ارتباط الجنس بالموت. ربما لم يكن ذلك مجرد خيالٍ فيكتوري مُبالغ فيه من والتر، إذ كانت هناك ظلال حقيقية للموت في اللوحة. حين رسم الفنان الأميركي أندي وارهول نسخة من الموناليزا باللونين الأبيض والأسود في عام 1963، اكتشف المقدار الكبير للون الأسود الذي استخدمه ليوناردو تحت اللونين الذهبي والبُنّي، واستَخدمه كذلك في تحديدهما بلوحتِه المُعقَّدة. تُزيد تُجمُّعات الظِلال الداكنة والمنتشرة على وجه الموناليزا من جمالها، ولكنّها تُشير كذلك إلى حزنٍ دفينٍ وراء ابتسامتها غير المكتملة. وتبدو الهالات الداكنة المُحيطة حول عينيها غير صحية. وقد يشير الضوء الغريب المائل إلى الأخضر الذي يحيط بها إلى جوٍّ خانقٍ من المرض. إذا كانت لوحة الموناليزا تُمثِّل إحدى الشخصيات المُصابة بمرضٍ منقول جنسياً، ستتحول هذه التلميحات الخاصة بالمرض والموت إلى تلميحاتٍ منطقية فجأةً. وبالنسبة لابتسامتها غير المكتملة، فستُصبح اعترافاً ساخراً بأن الجنس قد يصيبك بالمرض. تتفق هذه الرسالة المُخيفة مع تحليل عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد لشخصية ليوناردو. إذ ذَكَر فرويد في كتابه "ليوناردو دافنشي وذاكرة طفولته"، في عام 1910، أن الباحث المُثقف، ليوناردو، الذي لم يكن يرسم فقط، بل ملأ دفاترَه بدِراساته العلمية كذلك، كان يشمئز من العلاقات الجنسية. كان ليوناردو مِثلياً، على حد قول فرويد، ولكنّه كان يخاف من إقامة العلاقات الجنسية مع الرجال أو النساء. بل "ترفَّع" عن نشاطه الجنسي واستبدله بإجراء الأبحاث. بالتأكيد كان فرويد سيجد فكرة إصابة الموناليزا بمرض الزهري مثيرة للاهتمام. وبالطبع ارتكب فرويد العديد من الأخطاء في كتابه عن ليوناردو. قد يصرف ما أقوله الانتباه عن الفكرة الأساسية كذلك. ومع ذلك، هناك شيء غير صحي بالتأكيد في الانجذاب المهووس الذي يجتذب العديد من الأشخاص إلى هذه الحسناء خلف اللوح الزجاجي. مهما يكن المعنى الحقيقي للوحة الموناليزا، فهناك شيء غير أخلاقي نوعاً ما خلف هذه التحفة الفنية. ولا تبدو الأساطير التي انتشرت في أواخر ذلك القرن حول مصّاصي الدماء الذين ينشرون مرض الزهري بعيدةً عن التصديق.