ينسابُ الماء رقراقا من أعالي جبل “كندر”، بسلسلة جبال الأطلس المتوسط، وتتدفق شالالاته العذبة بمدينة إيموزار (تعني الشلالات باللغة الأمازيغية) على ارتفاع 1350 مترا عن سطح البحر، بهدير صاخب يكسرُ سُكون الغابات المجاورة. تلمع ينابيع الماء المُنبثقة من تجاويف الصخور براقة في انحدار سيلها في اتجاه السفُوح، فلا تنضُبُ صيفا أو شتاء، فيما يتقاطر على ”عين السلطان”، أشهر عيون المدينة، على مدار السنة زوار مغاربة وأجانب، والذين يُقَدَّرُون بمئات الآلاف سنويا، للاستمتاع بأجوائها العليلة وظلال أشجار الأرز والصنوبر الوارفة. على جنبات “عين السلطان” تتوافد النساء من أجل غسل ملابس أسرهن، وتنظيف أواني بيوتهن، فيما ترعى مواشي القرويين قرب ضفاف سيلها وترتوي من مياهه الدافقة، بينما يستمتع زوار المنطقة بهذه المناظر الآسرة التي تجردهم من صخب مدنهم، ودوامة الحياة المعاصرة الراكضة بها، ويقبلون عليها خاصة في فصلي الربيع والصيف، لخضرة طبيعتها، فيما تستحيل شتاء إلى عين تنساب من جوف أرض غارقة في بياض الثلوج التي تهطل بكثافة على المنطقة خلال تلك الفترة من السنة. والمنطقة بالنظر لجمالها وطبيعتها الساحرة، هي قبلة للسائحين المغاربة ومتنفس لساكنة مدينة ايموزار والمدن المجاورة، وعلى خلاف منتزهات مدينة افران وبحيرة “ضاية عوا”، تبقى عين السلطان ذات شهرة محلية، على الرغم أن بعض السياح الاجانب يقصدون المنطقة، في إطار جولاتهم في منطقة الأطلس المتوسط المعروفة بوفرة مياهها وعلو جبالها وكثرة ينابيعها وعيونها. أحمد سويلة (46 سنة) مواطن مغربي يقيم بالإمارات واعتاد زيارة المغرب سنويا، قال وهو يتأمل أسراب البط السابحة في أحد السيول المُجاورة ل”عين السلطان”، وهي تندفع في مجرى المياه اللامع بفعل أشعة الشمس الربيع الدافئة في الأطلس، ”كل عام أزور المغرب عائدا من الإمارات العربية، حيث أقطن رفقة عائلتي، وأقصد عين السلطان لأقتنص لحظات صفاء خاصة، فصوت خرير المياه، وخضرة الطبيعة ربيعا وصيفا، تبعث على السكينة والهدوء”. الجولة ب”عين السلطان” لمُحبي السياحة في الجبال ربيعا، تقُودهم أيضا إلى بُحيرات وغابات وعيُون مجاورة، لا تقل طبيعتُها بهاء عن “عين السلطان”، حيث تغُص المنطقة الواقعة بين مدينتي ”إفران” و”إيموزار” بالسياح والرحلات المدرسية والعائلات المُصطافة خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتُقام مقاهي ويركن إليها الزائرون لتناول وجبات تقليدية محلية منها و”أطباق الشواء” مرفُوقا بكؤوس الشاي المغربي المُنعنع. أما محمد الوزاني (55 سنة) أحد زوار منتزه عين “السلطان” بمدينة إيمواز، يمد كفيه ليغرف رشفة من مياه العين المنعش، قائلا للأناضول إن ”المنتزه بحاجة للمزيد من العناية، وإقامة مواقع للترفيه والاصطياف بالقرب منه “. وأضاف “اتيحت لي الفرصة لزيارة عدد من المواقع الطبيعية خارج المغرب، لكن لم يبهرني جمال أحدها كما أبهرتني طبيعة ”عين سلطان” الخلابة، ومياه العيون المُنسابة من أعالي الجبال”. وتعني “إيمواز” باللغة الأمازيغية (الشلالات)، وتشتهر المنطقة المعروفة بمُرتفعاتها وغاباتها المُمتدة على مساحات شاسعة، بالكهوف والمغارات العديدة المنتشرة على امتداد جبالها، والتي كان السكان الأوائل للمنطقة يتخدون منها مساكن وحظائر لقطعان ماشيتهم، بحسب حفريات أركيولوجية أقيمت بالمنطقة، حيث تعد “إيموزار” إحدى أقدم البلدات في المغرب، وموطنا عبرته قبائل واستوطنته به مجموعات بشرية متنوعة، من يهود ومسلمين وعرب وأمازيغ. وكان السلطان العلوي “مولاي إسماعيل” قد أقامة قصبة (قلعة عسكرية) سنة 1090 بالقرب من المدينة من أجل تعزيز سلطاته على المناطق الجبلية وضبط تحركات قبائلها، ومراقبة تحركاتهم خاصة في اتجاه مدينة مكناس (عاصمة ملكه). وتشتهر مدينة إيموزار بتعدد عُيونها ووفرة مياهها، فبالإضافة لعين “السلطان” التي أقيم بالقرب منها مصنع لإنتاج مياه الشرب، المستقاة من العين، يتم توزيعه على المستوى الوطني، توجد عيون أخرى لا تقل جنباتها وضفاف سيولها جمالا عن “عين السلطان” ك”عين الشفاء” و”عين أجراح” وعين سيدي ميمون” و”عين الركادة” و”عين أدبيس” وغيرها، كما تحيط المناطق المجاورة لها بعدد من البحيرات المائية ك”ضاية عوا” وبحيرة “ أيفرح” وبحيرة “حشلاف”. ورغم وجود مصنع كبير للمياه الطبيعية يحمل اسم “عين السلطان” توزع في مختلف انحاء المغرب، ووجود مؤهلات طبيعية متنوعة بالمنطقة ، وبعض مراكز للاصطياف ، الا أن الاهتمام بالبنيات التحية لمنتزه عين السلطان تبقى متواضعة، ولا توجد بالقرب منها مراكز للترفيه واستقبال السياح، مما يضعف وضع المنطقة على صعيد السياحة الدولية.