أقدم المغرب على خطوة جريئة مؤخرًا بتوقيع اتفاقية بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الصحة، تهدف إلى "تخفيف التمييز والمحافظة على حقوق الفئات السكانية الأكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز"، وكذلك تلك المتسمة ب"الهشاشة" و"المتعايشين" مع الفيروس المسبب للمرض. وتضم هذه الفئات أساسًا العاملات في الجنس، والمثليين المصابين، إلى جانب المتعاطين للمخدرات التي تؤخذ عبر الحقن. خطوة جريئة تعتزم وزارة الصحة توفير خدمات متنوعة من أجل تفعيل هذه الخطوة والوصول إلى "الفئات الأكثر هشاشة". وتأتي في مقدمة هذه الخدمات توزيع أدوات الحقن، ووسائل الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا (عوازل طبية)، وإطلاق حملات إعلامية تحسيسية ترمي إلى الحد من التمييز والوصم تجاه المصابين بمرض "الإيدز"، حسب ما أعلنه وزير الصحة، الحسين الوردي، خلال حفل توقيع الاتفاقية، بمقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الرباط يوم الإثنين. وفي هذا الإطار، قال محمد رشيد الشريعي، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن "هذه الخطوة تأتي، من جهة، في إطار تطبيق مضامين الدستور، ومن جهة أخرى، في إطار تفعيل المواثيق الدولية التي تضمن العديد من الحقوق من بينها الحق في الصحة لجميع المواطنين". وأكد محمد رشيد الشريعي في تصريح ل"إيلاف"، أن "هذه الخطوة الجريئة ستمكن من الحد من هذه النظرة الدونية التي يرمق بها المجتمع هؤلاء المرضى"، مشيراً إلى أن "هذا ناجم عن غياب الوعي عند المواطنين". وأوضح القيادي الحقوقي أن "هذه النظرة تزيد من مرض المصاب بالداء وتصعب فترة العلاج"، مؤكداً أنّ خطوة اليوم "تستحق التصفيق، لكن يجب على وزارة الصحة، بمعية الجهات المختصة، أن تعمل على تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية للتعريف بهذا المرض وكيفية انتقال العدوى من شخص مصاب إلى آخر سليم". وأضاف: "نأمل أن تعقب هذه الخطوات في المستقبل خطوات أخرى مماثلة حتى ينعم المواطن المغربي بكافة حقوقه". تفاعل حذر رغم الأهمية الكبيرة لهذه الاتفاقية، إلا أن المتبعين تلمّسوا توجساً في الأوساط المحافظة. ولاحت أولى مؤشرات هذا التوجّس أثناء توقيع الاتفاقية، إذ قالت بثينة قروري، الرئيسة السابقة لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية، الجمعية المقربة من العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحاكم)، في كلمة نقلتها وسائل الإعلام المحلية: "أكيد أن من الواجب ضمان حق جميع الفئات في الصحة والعلاج، لكن يجب أيضًا ضمان حماية المجتمع من انتشار أمراض اجتماعية مثل الدعارة أو المثلية أو المخدرات". عبد العزيز أفتاتي، أحد أبرز قياديي الحزب، لا يوافق قروري الرأي، إذ قال في تصريح ل "إيلاف": "لا يذهب للعلاج إلا المحتاج. لهذا يجب أن نتكلم الآن عن العلاج ولا يجب أن يكون هناك خلط". وأضاف عبد العزيز أفتاتي: "ليس بالضرورة ارتباط عدد من الأمراض بالتعاطي للفساد أو غيره، فهناك أسباب أخرى لانتقال العدوى... هذه قضية علاج ويجب التكلم في هذا السياق العلاجي وليس تجاوزه لأشياء أخرى". وأكد القيادي في الحزب الحاكم أن "هذه ليست المناسبة للدخول في جدل ليس وقته، والحديث عمّا يمكن أن يكون للخطوة من مضاعفات من قبيل تشجيع الدعارة إلى ما غير ذلك. هناك نوع من المرضى يعانون، ولا يمكن حرمان الإنسان من العلاج". وأضاف: "أن هذا لا يعد خلافًا لا ثقافيًا، ولا دينيًا، ولا حقوقياً، ولا سياسيًا، ولا غيره. وقت العلاج ليس مناسبة لإثارة أمور أخرى. وأنا أعتبر أن هذه المسألة عادية". مقاربة حقوقية يشار إلى أن هذه الاستراتيجية الوطنية حول حقوق الإنسان والتصدي لفيروس نقص المناعة البشرية (السيدا)، التي أعطيت انطلاقتها، أمس الاثنين، تهدف إلى النهوض بحقوق الإنسان المرتبطة بهذا الداء للتوافق مع رؤية انعدام الاصابات الجديدة بالفيروس، وانعدام التمييز، وانعدام الوفيات الناتجة عن هذا الفيروس بالمغرب. وتتوخى الاستراتيجية، التي جرى إعدادها في إطار مقاربة تشاركية، أيضًا، وضع إطار متسق للعمل والبرمجة يعتمد على مقاربة حقوقية من أجل الحصول على استجابة فعالة للوباء، يتم من خلالها تخفيف التمييز والوصم والمحافظة على حقوق الفئات السكانية الأكثر عرضة لخطر الإصابة والفئات في وضعية هشة والمتعايشين مع فيروس "الإيدز".