لفت انتباهي توصلي بصفحة يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها تدخل في باب “سري للغاية”، قيل إنها مقتطفة من مشروع قانون رقم 22.20 تم تسريبه يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة. وتفاديا للسقوط في دوامة الشائعات، بحثتُ عن نص مشروع القانون المذكور بموقع الأمانة العامة للحكومة باعتباره المصدر الرسمي للحصول على مشاريع نصوص التشريعية والتنظيمية الموزعة على أعضاء الحكومة، لكنني لم أجد أثرا له لا في لائحة هذه النصوص ولا في أرشيف الموقع على عكس ما جرت عليه العادة، باستثناء الإشارة إلى تدارسه ضمن جدول أعمال مجلس الحكومة ليوم الخميس24 من رجب1441(19مارس2020) والإشارة إلى المصادقة عليه في بيان هذا المجلس بعد انعقاده. الصفحة المتداولة تتضمن مواد مستفِزّة، منها مواد تحمل عقوبات حبسية وغرامات لمستعملي شبكات التواصل الاجتماعي الذين يدعون لمقاطعة بعض المنتوجات أو تحريضهم لسحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات؛ وقد بدا أن هناك سباقا محموما بين بعض الجرائد الإلكترونية للحصول على نسخة من هذا المشروع قبل أن يتبين أن هناك “نسخة مسربة” لا نعلم مدى صحة مضامينها مادامت لم تنشر بشكل رسمي. وعلى ضوء ذلك، وبعد الاطلاع على جدول أعمال الحكومة ليومي الخميس 19مارس2020 والأحد 22مارس2020، يمكن إثارة ملاحظات واستنتاجات وتساؤلات أولية قد تساهم في إغناء النقاش الدائر اليوم: على افتراض أن ما يتم تداوله بشكل غير رسمي (النسخة المسربة) هو مشروع القانون نفسه رقم22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة والذي صادق عليه مجلس الحكومة يوم الخميس 19مارس2020، فإن عددا من مقتضيات هذه النسخة، إن أخذ بها المشرع المغربي مستقبلا، لا يمكنها إلا أن تضيق من مساحة حرية الرأي والتعبير في الفضاء العمومي الافتراضي على نحو يشكل ارتدادا عن مكتسبات دستور2011؛ إن عدم نشر نص مشروع القانون بشكل رسمي، كاف ليضع نية الحكومة وديوان أمانتها العامة موضع تشكيك واتهام، ويسائلهما عن أحد أهم ركائز قواعد الانفتاح والشفافية وضمان المصداقية في تدبير الشأن العام، حيث تكون بسلوكها هذا قد خرقت الفصل27من الدستور المؤسس لحق المواطن في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، فضلا عن خرقها أحد التدابير الأساسية للنشر الاستباقي للمعلومات التي أوجبتها المادة10 من القانون31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات الذي صدر ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 مارس 2018 ودخل حيز التنفيذ بشكل كلي ابتداء من 12مارس 2020، أي قبل أسبوع فقط من انعقاد مجلس الحكومة الذي بُرمجت فيه دراسة مشروع القانون المذكور؛ إن عدم نشر الأمانة العامة للحكومة لنص المشروع سواء خلال عرضه على الحكومة أو بعد مصادقة الحكومة عليه (إلى حدود كتابة هذه الأسطر)، قد يفهم منه أن هناك رغبة في التكتم على مضامينه، مما يجعل سلوكها هذا المنحى مبررا لانتشار الإشاعات وتعزيز التجاذبات في غياب المعلومة الصحيحة، خصوصا بعد تداول وسائل التواصل الاجتماعي لنسخة غير رسمية مسربة من مشروع القانون المذكور؛ يزداد الأمر تشكيكا في نية من أعد مشروع القانون رقم22.20، حين ننتبه إلى أن ديوان الأمانة العامة للحكومة قام ببرمجة عرضه على مجلس الحكومة لدراسته قبل يوم واحد فقط من تاريخ انعقاد مجلس حكومي سبق وضع جدول أعماله منذ أسبوع، فلم يكن مشروع القانون المذكور مدرجا في النسخة الأولى من جدول الأعمال الذي سبق لديوان الأمانة العامة للحكومة أن برمجه ليوم الخميس 19مارس2020، وذلك منذ 13مارس2020، إذ لم تتم إضافة المشروع المذكور على جدول الأعمال إلا في يوم 18مارس2020، أي يوم واحد فقط قبل موعد انعقاد مجلس الحكومة ليوم الخميس؛ فقبل إضافة مشروع القانون رقم 22.20، كان جدول الأعمال يتضمن فقط برمجة مشروعين للتدارس وهما مشروع قانون رقم46.19 يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ومشروع قانون رقم93.17 يقضي بإحداث وتنظيم مؤسسة النهوض بالأعمال الاجتماعية لفائدة الموظفين والأعوان العاملين بالقطاع الوزاري المكلف بالصيد البحري، فضلا عن مقترحات تعيين في مناصب عليا؛ وهنا يصبح التساؤل مشروعا حول توقيت وأسباب هذا الاستدراك: ما الذي يمنع من برمجة دراسته والمصادقة عليه في جدول أعمال مجلس حكومي لاحق؟ يزداد الأمر إثارة حين نعلم أن جدول أعمال الحكومة الموالي(الأحد22مارس2020) كان مخصصا لتدارس ثلاث مشاريع والمصادقة عليها: منها مشروع مرسوم بقانون رقم2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومشروع مرسوم رقم 2.20.293 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19؛ وبالتالي يحق التساؤل: لماذا تمت برمجة المصادقة على مشروع القانون رقم22.20 دون الكشف على مضامينه للعموم في ذروة ظرف استثنائي يتركز فيه النقاش العمومي على جائحة فيروس كوفيد19 المستجد والتدابير والتي ينبغي اتخاذها لمحاصرته؟ ولماذا قبل ثلاثة أيام فقط من إعلان مصادقة الحكومة على مشروع مرسومين يتعلقان بحالة الطوارئ الصحية؟ يبدو أن جدالا ما قد رافق تدارس مشروع القانون22..20 داخل مجلس الحكومة، وربما هناك من أعضاء الحكومة من عارضه أو على الأقل عارض بعض مضامينه، على نحو جعل تدارس هذا المشروع يأخذ الحيز الأكبر من زمن اجتماع مجلس الحكومة على حساب باقي نقاط جدول الأعمال التي كانت مخصصة أصلا لهذا الاجتماع، ويمكن استنتاج ذلك من خلال بيان مجلس الحكومة الصادر في19مارس2019، حيث ذكر أنه تم تدارس مشاريع قوانين ثلاث كانت مبرمجة، إلا أنه أجّل دراسة مشروعي القانونين رقم46.19 ورقم93.17، في حين أكد المصادقة على مشروع قانون22.20 مع إشارته إلى “الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه التي سيتم دراستها من قبل اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المشكلتين لهذا الغرض”؛ إن عبارة “مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه التي سيتم دراستها من قبل اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المشكلتين لهذا الغرض” التي ذيّل بها بيان مجلس الحكومة الإعلان عن مصادقته على مشروع القانون المذكور، تحيل إلى أن الصياغة النهائية لم يتم الحسم فيها بالنظر إلى غياب التوافق بين أعضاء مجلس الحكومة؛ وبالتالي قد تكون هناك نسخة ثانية وثالثة أو أكثر قبل تبني الصيغة النهائية للمشروع؛ قد يبدو للبعض أن هناك تأثيرا قويا لجماعة ضغط ترتبط بالحقل الاقتصادي تسعى لتحصين مصالحها الاقتصادية من خلال الدفع في اتجاه تمرير بعض المقتضيات القانونية الزجرية رغم الظرفية الاستثنائية التي أرغمت الكل على الانشغال بالجائحة، وقد يكون ما حصل أرضية نموذجية لدرس أو بحث أكاديمي في العلوم السياسية حول دور اللوبيات الاقتصادية في صناعة القوانين والقرارات بالمغرب؛ وقد يظهر كذلك أن هناك ارتفاعا في منسوب جرأة غير محسوبة العواقب لدى من صاغ نص المشروع حين لم يتوقع إمكانية معارضته من داخل المجلس الحكومي وحين لم يأخذ بعين الاعتبار إمكانية تسريبه إلى الفضاء العمومي قبل الخروج من حالة الطوارئ الصحية أو على الأقل قبل وضعه بالبرلمان. على سبيل الختم إن إقدام الحكومة، إن صحت التكهنات، على محاولة تمرير مقتضيات قانونية حساسة من شأنها أن تخنق منسوب الحرية بالفضاء العمومي الافتراضي في مقابل يقظة واضحة لمستعملي وسائل التواصل الاجتماعي في نقد هذه المقتضيات بعد تسريبها، يجعلنا نستحضر نقاشا فلسفيا قديما متجددا طَبَعَ الفكر السياسي الغربي، حول القانون ووظيفته داخل المجتمع، فبيْن شيشرون مثلا وبين حاضرنا مسافة زمنية كبيرة، لكن تصوره حول القانون الوضعي تكاد تنطبق على ما يجري اليوم، فإذا كان هذا الفيلسوف الروماني يعرف القانون كما عرّفه الفلاسفة الرواقيون على أنه “التفكير الصحيح المتفق مع الطبيعة” فقد أكد في المقابل على أن القوانين الوضعية يمكن أن تكون ظالمة أو غير محققة للعدالة وأنه من الخطأ الاعتقاد أن كل ما تنظمه مؤسسات الدولة أو قوانين الشعوب هو بالضرورة عادل، مشيرا إلى أن لدى العقل الإنساني بعض المعرفة المتعلقة بالقانون الطبيعي والتي اكتسبها بالتجربة وهو يملك إن اقتضى الأمر نقد تلك القوانين الوضعية.