لم تستطع السلطات الأمنية في إقليمالعرائش المغربي أن تكتم صرخات الاحتجاج التي ارتفعت مع اعتقال العياشي الرياحي ، تلك الصرخات التي كان يرسلها المدعو " كمال " من مخفر الدرك وسط المدينة ، حيث كان يظهر للمارة من أعلى بوابة المركز يسب الجميع وينعتهم بالانتهازيين الظالمين ، واصفا منسوبي الأمن ب : " أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد " . هذا وكانت مؤسسات الأمن في الإقليم الفلاحي المغربي في تلك الليلة الساخنة ، قد تحولت إلى مراكز مستنفرة مفتوحة في وجه السالب والموجب من السلوكات الثائرة المعبرة عن السخط العارم . فلأول مرة في تاريخ المغرب الحديث ، نرى مواطنون يحتلون مبنى أمنيا ليعتصموا في باحته طيلة ليلة كاملة . ولأول مرة أيضا ، يلاحظ الرأي العام المغربي والدولي ، كيف تنازل رجال" قمع الشغب" عن أسلوبهم الانفعالي والاندفاعي ليقفوا شبه جامدين ينظرون وينتظرون تعليمات الوكيل العام للملك للتدخل لإيقاف المتظاهرين في دوار " الشليحات " ، الذين احتجوا رافضين ما وصفوه ب " ظلم شركة إسبانية في بلدتهم الفقيرة .. " . إن تداعيات قضية قرية " الشليحات " بإقليمالعرائش ، بدأت مع حصار سكانها لشركة RIVERRA D' AROZ الإسبانية المستثمرة في زراعة الأرز وتصديره إلى الأسواق الداخلية والخارجية ، بمواصفات صناعية وصفتها مصادر تجارية ، بالتي تحكمها الجودة المطلوبة في السوق ، لكنها بنظر السكان المحليين تعتبر جودة تقدس الآلة الميكانيكية وتدل اليد العاملة المحلية وتهمشها : " لقد كنا أسياد هذه المنطقة ، نعمل بسواعدنا وعرق جبيننا ، أما اليوم الماكينات سيطرت على كل شيء .. " ، بهذا صرح ل ( أندلس برس ) ذلك الشيخ الذي حضر إلى مركز الدرك الملكي مطالبا بإطلاق سراح ابنه الموقوف بتهمة إحداث الشغب ومحاولة الهجوم على ملك خاص في ملكية أجانب ، والذي حسب تصريحات والده ، فإن السلطات المغربية رفضت تسريحه متشبثة بإعمال القانون وتقديم المتهم إلى العدالة ، التي وحدها لها الكلمة الفصل في القضية . وبنبرة ملئها التأوهات ، صرحت لنا تلك السيدة القروية ، التي أخفت ملامح وجهها في خمار مزكرش بألوان زاهية ، والتي أبدت احتجاجها على مخلفات الشركة الإسبانية على البيئة في المنطقة ، مشددة على ما تجنيه تلك الشركة من ملايير اليورو ، مخلفة " الرائحة والباعوض الذي يلدغنا كالعقارب " . وتضيف السيدة في تصريح ل " أندلس برس " ، إن جمعية حقوق الإنسان في مدينة العرائش ومعها منظمة الأوفياء لحقوق الإنسان وهيئة المحامين ، وغيرها ممن وصفتهم السيدة ب " الحقوقيين التقدميين " ، قدموا دعما حقوقيا ودفاعيا عن مصالح منطقتها ، منوهة بها كهيئات حقوقية جادة في دفاعها عن مصالح السكان المظلومين ب " الناموس ومخلفات معمل ميكانيكي لا تستفيد من خدماته المنطقة " . وأضافت نفس السيدة ، التي رفضت ذكر اسمها لأسباب احترازية ، أن مناضلا حقوقيا زار قريتها ؛ " دوار الشليحات " ، ونظم اجتماعا أعلن فيه لأهالي قريتها " أن لا تخافوا من أحد ، والخوف اليوم في البلاد لا يكون إلا من القانون الذي يقف كل المواطنين أمامه سواسية .. " ، معلقا ، تضيف تلك السيدة ، " إن الشركة الإسبانية المنتجة والمصنعة للأرز قامت بانتهاك حقوق البيئة وحقوق الإنسان في المنطقة ، وأن الأراضي التي توجد عليها تلك الشركة هي أراضي " سلالية " ملكيتها تعود للسكان المحليين .. ". وقضية الأراضي " السلالية " ، تعتبرها مصادر رسمية ادعاء ومزايدة سياسية ، فتلك الأرض التي تقيم عليها الشركة الإسبانية " معاملها الإنتاجية المساهمة في الاقتصاد الوطني بشكل جيد ، هي أرض ملك للأملاك المخزنية التابعة للدولة " ، " مكتراة وفق شروط مسطرية قانونية لا غبار عليها .. " . ونتيجة ذلك الادعاء ، يُعلق أحد المصادر الرسمية في العرائش رفضت ذكر اسمها ، تم اعتقال المسمى العياشي الرياحي ، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والكاتب الإقليمي لحزب الطليعة ، بتهمة تحريض المواطنين على العصيان وتنظيم اجتماع بدون ترخيص ؛ يضيف نفس المصدر .
ورغم اعتقال المسمى الرياحي وغيره من الموصوفين ب " الثائرين ضد التعسف واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة وقهر المواطنين والسطو على حقوقهم .." في إقليمالعرائش ، يبق من حسنات مغرب العهد الجديد ، إيمان حكوماته ، ومنذ حكومة التناوب برئاسة المعارض الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي ، بالشراكة المنسجمة بين المجتمع المدني والمؤسسات العمومية ، وهذا ما سيلعب دورا كبيرا في محاولات الفصل في عدد من القضايا الشائكة بين المواطنين وعدد من المؤسسات الخاصة والعامة وامتصاص الغضب والغضب المضاد ، والمثال على ذلك قضية " قرية الشليحات " التي ثار أهلها ضد ما وصفوه ب " استغلال الشركة الاسبانية لخيرات منطقتهم دون مردودية اقتصادية أو عدالة اجتماعية .. " ، ولذلك سيدخل على الخط الساخن المجتمع المدني بكل ثقله في الإقليم الفلاحي ، محاولا رأب الصدع وفض النزاع بين السكان المحليين والشركة الإسبانيةRIVERRA D' AROZ ، حيث ستصدر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، فرع العرائش ، بيانا استنكاريا رصدت فيه تجاوزات ، وصفتها بالعنيفة ، من طرف قوة قمع الشغب الأمنية ، ضد مجموعة من المناضلين في جمعيات المجتمع المدني ، منها : • الضرب المبرح للصحفي خالد ديمال وتجريده من أدواته المهنية • اعتقال شخصين من الدوار . • استعمال القنابل المسيلة للدموع منتهية الصلاحية . • اعتقال خمس أعضاء القافلة التضامنية على الساعة السابعة مساء في منطقة العوامرة من طرف رجال الدرك . • التدخل العنيف للقوات السيمي في حق فعاليات المجتمع المدني التي حضرت إلى مقر الدرك لاستفسار عن مصير المعتقلين الخمس في الساعة العاشرة ليلا اسفرت عن إصابات بليغة . • منتصف لليل إطلاق صراح أربعة معتقلين أعضاء في القافلة (ياسين العماري,حسن لابد.الكلاف,القنبوعي,والاحتفاظ بالرفيق العياشي قصد تقديمه للمحاكمة • حرق بعض المحاصيل الزراعية وقتل بقرة . وفي غمرة الاحتجاجات والشد والجذب بين المجتمع المدني ومسئولي الشركة الإسبانية والمؤسسات الأمنية الوقائية ، تصرح لنا مصادر أمنية ، رفضت ذكر اسمها ، أن تدخلها في دوار الشليحات مسطري وقانوني منطلقه حماية مصالح مستثمرين أجانب في الإقليم ، وأنها أشرفت على تنظيم عدد من اجتماعات وحوارات مفتوحة بين ممثلي أهالي المنطقة ومسئولي الشركة المذكورة ، حيث خرج الجميع بقرارات توافقية تضمن المصالح المشتركة بين الشركة ومحيطها الاجتماعي ، واعترف المسئولون الإسبانيون بواجب التعاون والتضامن مع السكان المحليين المتاخمين لمعاملهم بمساعدتهم على زراعة الخضروات والفواكه وقصب السكر ، للرفع من مستوى العيش ودعم معامل السكر في المنطقة ، هذا بالإضافة إلى حث السلطات للسكان بالتنظيم داخل تعاونيات سوسيو- اقتصادية لدر الدخل للسكان الذين كان أغلبهم ، خصوصا النساء ، عاملات مياومات في مزارع الطماطم التي طالها الكساد ولم تعد مجدية كما كانت في الماضي مع معامل اللوكوس المصنعة للطماطم ومسحوق الفلفل الأحمر ومن تداعيات دوار الشليحات أيضا ، محاكمة " العياشي الرياحي " ، المنعوت بين المواطنين في منطقة النزاع ب " الرفيق المناضل " ، الذي وجهت إليه المحكمة ، الثلاثاء الماضي ، تهمة التحريض على العنف ، ليكون رد المحامون الأربعة عشر ، الذين آزروه ، في الصميم حين طلبهم من هيئة المحكمة الكشف عن الاتصالات الإخبارية التي قام بها الرياحي مع كل من وكيل العام للملك بالعرائش ونظيره بالقصر الكبير و مندوب وزارة الصحة والوقاية المدنية و مجموعة من الاتصالات بالسلطات المختصة لوقف العنف بدوار الشليحات ، كل ذلك قام به العياشي من موقعه كرئيس لجمعية حقوقية و إطار سياسي في إقليمالعرائش ، لكن المتهم ، و بعد تعذر محاولات اتصاله ، حسب رأي دفاعه ، و انسداد الأبواب في وجه مناداته السلمية ، اضطر للنزول إلى الميدان من أجل تقصي الحقائق .. ، وفي ختام مرافعاته المحامون ، ورغم ما بذلوه من مجهود تقني ليستفيد العياشي الرياحي من السراح المؤقت ، إلا أن القاضي رئيس الجلسة رفض الطلب وحدد يوم الثالث من يوليو القادم موعدا للمحاكمة .//.