على مستوى المغرب، كثر الجدل حول القول ب"الإكراه الاقتصادي" أثناء حكومة التناوب الاشتراكية لعبد الرحمن اليوسفي سنة 1998 التي أتت في وضع خاص، فيما يرى محللون أن هذا الجدل سبق وأن برز في المغرب خلال ثمانينيات القرن الماضي مع سياسة التقويم الهيكلي، تمثل في إخضاع ما هو سياسي إلى ما هو اقتصادي، وسيادة السوق على المبادرات السياسية. ويفرق الباحث في علم الاقتصاد في جامعة محمد الأول في مدينة وجدة عبد القادر العذري بين نوعين من الإكراهات الأولى موضوعية والثانية داخلية بحتة. وقال الباحث ل" إيلاف": "هناك الإكراهات الموضوعية التي تتعلق بتأثير الاقتصاد العالمي، ثم عمل القطاع الزراعي الذي يؤثر كثيرا على نسبة النمو في الاقتصاد الوطني المغربي، وهناك الأحداث التي تكون مفاجئة مثلا رفض البرلمان الأوروبي تجديد التوقيع على الصيد البحري مع المغرب وهذا سيكون له تأثير على الميزانية الوطنية ويمكن للحكومة أن تأخذه كمبرر". والجدير ذكره أن القطاع الزراعي في المغرب يستوعب ما يقارب نسبة 40% من السكان كما يساهم ب17% من الناتج المحلي إلا أنه لا زال قطاعاً رهيناً بما تجود به الأمطار وهو ما يشكل إحدى العوائق الطارئة التي تبقى دائما مترقبة. واستدرك الباحث الاقتصادي بالقول: "إن هناك عاملان اثنان لا يعطيان الحكومة الحق في أن تستغل عامل الإكراهات". ويوضح الباحث ل"إيلاف": "العامل الأول هو أن الحكومة التي يقودها عبد الإله بنكيران جاءت عبر صناديق الاقتراع، وبناء على برامج دافعت عنها خلال حملتها الانتخابية، وبالتالي لا يمكن لها أن تقول بأنها ليست على دراية بالأمور وكل الوعود التي قدمتها ما هي إلا أحلام أو أوهام، فهذا عامل أساس." واستدرك الباحث: "لا يجب أن ننسى عاملا آخر، وهو المتعلق بطبيعة تكوين الحكومة التي تتكون من أربعة فرقاء/أحزاب، ثلاثة منها سبق وأن شاركت في الحكومات المتعاقبة خلال الأربعة عشر سنة الماضية، أي منذ حكومة التناوب التي قادها الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، فهي من داخل البيت وتعرف كل "الخفايا". ويعتقد الباحث أن الحكومة المغربية الحالية لن يكون بمقدورها استعمال هذا المفهوم لتبرير عجزها عن حل بعض المشاكل التي قد تصادفها أثناء عملها الحكومي. وأشار العذري ل"إيلاف" بأن الحاجة الأساسية المطلوبة والتي كانت دائما غائبة لدى الحكومات السابقة، هي الشفافية في العمل والتواصل. وقال الباحث: "ما كان يؤخذ على حكومة عبد الرحمن اليوسفي، رغم أنها حققت منجزات، أنه لم يتم تسويقها بالشكل المطلوب، فالمطلوب من حكومة بنكيران أن تكون شفافة وتتواصل مع المواطنين". وأضاف: "كلنا يعلم بالظروف التي جاءت فيها حكومة عبد الرحمن اليوسفي، إلا أن المعطيات الآن أصبحت واضحة، وحين يتقدم الحزب أمام الشعب ببرنامجه ويدافع عنه خلال حملته الانتخابية، يعني إن ثمة دراية بهذه الإكراهات، وبالتالي من المفروض عليه أن يأخذها بعين الاعتبار في البرنامج المقدم وفي الوعود المقدمة، حتى لا يلجأ إلى ركوب مطية هذا التبرير". من جهة أخرى، اعتبر المتخصص في القانون الدولي الاقتصادي بجامعة ابن طفيل في القنيطرة جمال مشروح أن ما يسترعي الانتباه حاليا عند دراسة ومشاهدة الحقل السياسي المغربي هو "بروز اتجاه عام يتمثل في ربط الإخفاقات في تدبير الشأن العام بمبررات اقتصادية وتجارية، هذا المنحى العام لا يقتصر على حكومات الدول النامية، بل يمتد ليشمل الكثير الحكومات في الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا". وأوضح الباحث ل"إيلاف": أن الأزمات الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا يتم إرجاعها بشكل ممنهج إلى عوامل وإكراهات اقتصادية عالمية، مع التغاضي كلياً عن الإخفاقات السياسية للحكومات الوطنية". وأضاف مشروح: "بل أكثر من ذلك أن هذه الحكومات، بدل البحث عن الأساليب والحلول الملائمة لمعالجة الأزمة، تتنصل من واجباتها وتلقي بكامل المسؤولية على المواطن العادي من خلال مطالبته بتحملها بشكل كبير في إطار برامج للتقشف الاقتصادي، مثلما هو الأمر في اليونان وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا". وعاد الباحث إلى ذاكرة الجدل حول الإكراهات على مستوى المغرب، وقال ل"إيلاف": "برزت الإكراهات خلال الحكومة الاشتراكية لعبد الرحمن اليوسفي، بل حتى قبل ذلك، أثناء شروع المغرب في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بإيعاز من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وقال أنه يمثل تطبيقاً لهذه الرؤية التي تتمثل في إخضاع ما هو سياسي إلى ما هو اقتصادي، أو بعبارة أخرى سيادة السوق على المبادرات السياسية الخلاقة للحكومات الوطنية". ومع صعود الإسلاميين إلى الحكم في المغرب، برز هذا الجدل حول القول بالإكراهات وحديث البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية حول تحقيق نسبة نمو 7%. وأضاف الباحث: "لاحظنا أن هناك اتجاها عاما لدى السياسيين، وحتى الاقتصاديين، بعدم إمكانية تحقيق هذا الرقم، على اعتبار أن الأوضاع الاقتصادية الدولية والوطنية الصعبة لا تسمح بذلك". واستدرك المختص في القانون الدولي الاقتصادي: "لكننا علينا أن نذكر أمرا أساسيا، ألا وهو أن دور الحكومة، كيفما كان لونها السياسي، لا يقتصر فقط على ما هو ممكن، بل على الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال حلول مبتكرة واستشراف آفاق جديدة، وأيضا البحث عن برامج اقتصادية خلاقة لتجاوز الإكراهات والمعضلات الاقتصادية". واعتبر الباحث أن وظيفة الحكومة، "لا ينبغي اختزالها في الإدارة وفي تدبير شؤون المواطنين وفق الإمكانيات المتاحة، بل أن الحكومة مطالبة بوضع وتحقيق البرامج والخطط الكفيلة بتجاوز ما هو ممكن وتحقيق التنمية والرفاه الاقتصادي للشعب". للإشارة، فإن الناتج الداخلي المغربي الخام بلغ ب89 مليار دولار سنة 2008، أي بمعدل 3000 دولار للفرد، أما الناتج القومي الخام فقد بلغ خلال نفس السنة 154 مليار دولار بمعدل 5400 دولار للفرد. وكانت قد أعاقت عدة عوامل الإصلاح الاقتصادي في المغرب كالمعدل المرتفع للزيادة السكانية والبطالة وضخامة القطاع العام وتعرض الإنتاج الزراعي لموجات الجفاف التي دامت لأكثر من ثلاثة عقود وأيضا اعتماد المغرب الزائد على تصدير سلعة واحدة هي الفوسفات والاعتماد على الطاقة المستوردة من الخارج. كما يعاني الميزان التجاري المغربي من عجز مزمن بلغ 19,3 مليار دولار عام 2010. يحيى بن الطاهر عن موقع إيلاف