بعد عقود من الحكم الفردي، يتوق ملايين من العرب إلى إعطاء الإسلام تعبيراً أشمل وأوسع في حياتهم وحكوماتهم. لكن تلك الرغبة تثير قلق غير المؤمنين بالنزاعات الدينية، وعدداً كبيراً من العلمانيين والمسلمين المعتدلين الذين يشكلون نسبة 30-40% من المواطنين في بعض الأقطار، وهم يبحثون عن ضمانات لحقوقهم في العام المقبل الذي تكتب به الدساتير الجديدة. في تونس، التي أدهشت العالم بأسلوب اللاعنف والصراحة، فاز حزب النهضة بنسبة 41% من الأصوات، ويبقى السؤال: هل يدل ذلك على تشكيل حكومة دينية الصبغة؟ وفيما يدخل الربيع العربي مرحلة جديدة، يبدو كأن هناك عنصراً مفقوداً من أجل تحديده بشيء اكبر من سلسلة من الانتفاضات. وهذا العنصر المفقود، كما يقول عدد من المفكرين العرب، هو "حقوق الانسان"، التي تثبت ما أراده المحتجون والثائرون في الشوارع. في هذا السياق، نقلت صحيفة ال "كريستيان ساينس مونيتور" عن سمير عيتا، عضو المعارضة السورية، ورئيس الجمعية العربية الاقتصادية، قوله: "نحن نقاتل من اجل القيم من خلال الانتفاضة، وإن كان النضال من القيم فعلينا ان نكتبه. الربيع العربي في حاجة إلى تأكيد حقيقة الثورة ويتخلص ذلك بالإعلان عن حقوق المواطن، كما حدث إبان الثورة الفرنسية". حماية حقوق النساء والأقليات وأصبحت الحاجة ملحة اليوم لحماية حقوق الاقليات في الشرق الاوسط، خاصة بعد الاحداث الطائفية في مصر. فمن الناحية السياسية، هناك اتفاق في تونس والقاهرة وغيرها من العواصم، على التأكيد على "الديمقراطية"، لكن هذا الامر ينطبق فقط على التصويت. فهل ستتبنى تلك الدول ديمقراطية بسيطة وهو "حكم الاغلبية" أم نظام الحقوق بصورة أشمل؟ وأشارت الصحيفة إلى الكثير من التساؤلات الرئيسة التي لا تجد أجوبة لها: هل سيسمح للمرأة باستلام المراكز القيادية؟ هل يسمح بالمشاركة الكاملة لغير المسلمين في السياسة، وهل سيكون القضاء مضموناً؟ ماذا سيحصل إن حدث التغيير في دول مثل سوريا، حيث يوجد اقليات طائفية وانقسام بين المسلمين (سنة وعلويين)، هل ستمنح كافة الطوائف الحقوق الكاملة؟ اما في ليبيا ما بعد القذافي، فقد اعلن القادة الجدد تبني الشريعة كمصدر رئيس للتشريع، وهي صيغة مشتركة لدى الحكومات العربية. وكجزء من ذلك، أعلن القائد الليبي الجديد مصطفى عبد الجليل، ان قوانين الزواج ستتغير لتسمح بتعدد الزوجات. ويعلق ماريز نادورس، من جامعة سوسيكس – بريطانيا، أن الإسلاميين يقولون انهم يريدون دولة مدنية، ولكن تلك الدولة لن تكون مدنية، فإن ترسخت الشريعة، سنرى مجموعات نخبوية لها امتيازات خاصة في وضع القوانين، لكنهم سيقولون انها الديمقراطية". مقارنة بثورات أوروبا الشرقية ووصف الربيع العربي، كحدث تاريخي، بما حدث عام 1989 اثر سقوط جدار برلين. ومع ذلك فإن سقوط الاتحاد السوفياتي قد جاء بعد اعوام من المعارضة المنظمة للمنشقين أو بعد تصدع الاقتصاد. على العكس من ذلك، بدأ الربيع العربي بسهولة إلى حد ما، فأحداث 1989 بدأ في دول مثل بولندا أو ألمانياالشرقية بفعل أعوام من النشاط الفكري والسياسي. وفي هذا السياق، يقول الشاعر آدم زاكاجفسكي: "اعتمدنا في بولندا على تأسيس نظام قوي لنشر الصحف والأخبار والدعوات بشكل سري. لكن الربيع العربي مختلف، فقد جاء مثل انفجار من اللامكان. وهذا الأمر يدفعني الى السؤال، ما هي أسس ذلك؟" ويبدو أن هذا الرأي يلقى صدى واسعاً بين الكثير من المثقفين العرب والمغتربين، والمجموعات المعارضة، والكتاب المصريين والحلقات المحيطة بالمرشح للرئاسة محمد البرادعي، وغيرهم من الفنانين والأكاديميين الذين يريدون دستوراً حديثاً يؤكد حقوقهم، من دون أن يبدو ذلك افكاراً تم فرضها من الغرب. وفي هذا السياق، نقلت ال "كريستيان ساينس مونيتور" عن كريم إميل بيطار، قوله إن النصر الذي حققه حزب النهضة في تونس، قد يبدو نداء للعلمانية الصامتة ومؤيدي الحقوق المدنية في الدول العربية، ليدفعهم للتوحد. أما في سوريا، فجرى اتفاق بين مجموعتين من المعارضة السورية حول القضايا الاساسية، حيث أكد مجلس التنسيق من اجل التغيير الديمقراطية في دمشق على اعلان الحقوق ومن بينها الفصل بين الدين والدولة والتأكيد على حقوق اخرى رئيسة، وذلك قبل سقوط النظام. كما استخدم المجلس شعاراً سورياً قديماً يقول: "الله للجميع والوطن للجميع". لكن هذا الاتفاق جوبه بالرفض من قبل أعضاء من "الاخوان المسلمين" في مجلس وطني آخر، يضم مجموعة من المغتربين تؤيدهم الولاياتالمتحدة وتركيا وأوروبا، فهم يرفضون فكرة الفصل، ويقولون إن لائحة الحقوق ستكتب فيما بعد. لميس فرحات