أكد العلماء المشاركون في ندوة “الفتوى بين الضوابط الشرعية والتحديات المعاصرة” بالرباط، على أن ارتباط الفتوى بالواقع ومعاصرتها لزمانها ومكانها “يقتضي تحيينا مواكبا واجتهادا مضطردا في فقه تنزيل الأحكام الشرعية، بما يضمن توجيه حياة المجتمع وتأطير حركته ضمن ثوابت الشرع”. وشدد العلماء في التقرير العام لهذه الندوة، التي نظمها المجلس العلمي الأعلى على مدى يومين (15-16 ماي الجاري)، على “ضرورة استيعاب الفتوى للأولويات واعتبارها للمآلات، في علاقتها بالواقع والمتغيرات أثناء التنزيل وبعده”، واضطلاعها بمهمة الملائمة مع قضايا الشأن العام الكبرى في علاقتها بالاجتهاد. وأبرزوا الدور الذي تضطلع به الفتوى باعتبارها “وسيلة تحصين وصيانة لثوابت الأمة والدفاع عن وحدتها ولحمتها، وحماية قيمها من مظاهر الاستلاب العقدي والفكري”، داعين في هذا الصدد إلى الاهتمام بفتاوى الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وخصوصياتها في البلدان الأجنبية، وكذا بفتاوى الأسرة وقضايا المرأة ومشكلاتها المختلفة والتحديات التي تواجهها بما يحفظ لهذه النواة كيانها الذاتي ودورها في بناء المجتمع، مؤكدين على أهمية الفتوى الجماعية “لما تتيحه من فرص التشاور والاستنارة بالتخصصات المختلفة ومن قوة وحجية الدليل والعمل المؤسسي المنظم والضابط لها عبر التاريخ”. وبعدما أشاروا إلى أن الإفتاء يعد في الأصل “ضربا من الاجتهاد، وعقدا بين العالم والأمة في إطار النصح والتوجيه والإرشاد”، نبه العلماء إلى مخاطر الإفتاء العام من خلال المنابر الإعلامية، الذي لا يراعي خصوصيات في الأعمال والأعراف والبلدان المختلفة. وفي كلمة له خلال الجلسة الختامية لهذه الندوة، أكد الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى السيد محمد يسف، على المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء في “حل معضلات العصر ومشكلاته والبحث عن أجوبة لكل نازلة من أجل أن تواكب الشريعة كل العصور”، مبرزا أن ذلك كان “القصد الأهم والكبير الذي قصده مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أيده الله عندما أعاد هيكلة المؤسسة العلمية وأعطى هذا الانتشار الواسع للمجالس العلمية التي أصبحت تغطي سائر أقاليم المملكة وعمالاتها”. وتميزت الجلسة الختامية لهذه الندوة بتلاوة الفاتحة ترحما على روح الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، الذي وافته المنية يوم الأحد المنصرم، قبل أن يقترح السيد يسف إطلاق اسم الراحل ، الذي كان “رجلا من رجالات الوطن وخادما من خدام المملكة، ومستشارا لأمير المؤمنين”، على قاعة الندوات بمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين التي احتضنت أشغال الندوة. وتمت بالمناسبة تلاوة برقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من السيد محمد يسف أصالة عن نفسه ونيابة عن علماء المملكة الشريفة أعضاء المجلس العلمي الأعلى. تجدر الإشارة إلى أن محاور هذه الندوة، التي شارك فيها علماء وأساتذة باحثون من مختلف جهات المملكة، تطرقت لعدد من المواضيع ذات الصلة بقضية الفتوى تتعلق أساسا ب”الفتوى والضوابط الشرعية” و”تنظيم الفتوى والاجتهاد المؤسسي” و”الفتوى وحركة التمدن والمتغيرات الاجتماعية” و”الفتوى في مجال الأسرة والأقليات المسلمة”.