يتفاعل في الصحف البريطانية جدل حول شرعية الكشف عن هوية شخص ارتكب جريمة عندما كان حدثا، ثم عاد إلى ارتكاب مخالفات خطيرة عندما بلغ سن الرشد. وتعكس هذه الصحف كذلك معارك ما قبل الحملة الانتخابية في بريطانيا، لكن الإندبندنت أون صنداي، خرجت نوعا ما عن العرف، وأعارت صفحتها الأولى لأصوات بعض من النساء الفاعلات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وذلك بمناسبة حلول الذكرى المئة لسن يوم عالمي للمرأة. أين بلغت المسيرة؟ في مقدمة الملف الذي خصصته الصحيفة لتغطية هذه المناسبة كتبت إميلي دوغان متسائلة عما حققته النساء منذ ذلك الاجتماع الذي ضم في كوبنهاجن قبل مئة عام وفودا نسائية من 17 عشر بلدا، وحيث سن تقليد تخليد يوم عالمي للمرأة. وترى الكاتبة أن ما نشر من إحصائيات مؤخرا تدل على أن المسيرة قد تباطأت إذا لم تكن قد نكصت. ففي بريطانيا مثلا لم تصل نسبة مقاعد النساء في البرلمان إلى 20 في المائة، مما جعل بريطانيا في المرتبة التاسعة والستين في قائمة البلدان التي لها نساء برلمانيات، أي بعد أفغانستان والإمارات العربية المتحدة وباكستان. وتستشهد الكاتبة بتقرير جمعية فاوست الذي سينشر غدا الاثنين بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، والذي جاء فيه إن بريطانيا ستحتاج إلى 200 سنة من أجل أن تحقق المساواة البرلمانية بين النساء والرجال. وأسفل السلم الاجتماعي –حسب تعبير الكاتبة- يبلغ معدل النساء ممن زج بهن في السجن بسبب مخالفات غير عنيفة، الثلثين، بينما لا تتعدى هذه النسبة 45 في المئة لدى الرجال. وإذا ما كانت نسبة الرجال من نزلاء السجون في بريطانيا قد ارتفعت ب28 في المئة منذ عام 1979، فقد ارتفعت لدى النساء ب60 في المئة. أضف إلى ذلك، تقول الكاتبة، ثلاثة ملايين امرأة في بريطانيا يتعرضن لشتى أنواع العنف من الاغتصاب إلى الزواج بالإكراه. ومما قد يكرس هذا الوضع المتدني للمرأة في بريطانيا، “التمييز” الاقتصادي الذي تتعرض له. ف5 ملايين امرأة تعيش حياة توصف بالفقر، كما أن النساء أكثر عرضة للفاقة من الرجال بنسبة أربعين في المئة بسبب الفوارق في الأجور والتي تتراوح ما بين 16 في المئة بالنسبة للموظفات المنتظمات و35 في المئة بالنسبة للموظفات العرضيات. هذا في بريطانيا فماذا عن باقي مناطق العالم؟ تستشهد دوغان بالكاتبة إيلي ليفينسون التي تقول: “لازالت النساء تُحرمن من حقوقهم الإنسانية الأساسية، عندما يختن مثلا أو عندما يمنعن من الخروج بمفردهن، أو عندما يحرمن من جواز السفر، أو تُحظر عليهن السياقة.” و في هذا الصدد تقول فوبي أسيو المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة في كينيا، والتي صارت سفيرة نوايا حسنة لصندوق الأممالمتحدة للتنمية: “إن النساء أكثر عرضة إلى المجاعة من الرجال بسبب التمييز الجنسي. وإنه من غير المقبول أن تنتج المرأة الفقيرة الكمية الأكبر من الغذاء، وأن تكون أغلبية الجوعى نساء.” نجاح نسبي وترى الأوبزيرفر في الافتتاحية التي خصصتها للموضوع أن الحركة النسائية قد حققت بعض النجاح، ولكنه نجاح نسبي وهش. وتستخلص الصحيفة من المناظرة بين أجيال مختلفة من النساء والتي نشرتها على صفحات أحد ملحقاتها أن الكثير من نساء جيل الستينات والسبعينات ينكرن ما آلت إليه أوضاع بناتهن أو حفيداتهن، بسبب ما تصفه الصحيفة “بالخنوع”. وتعتبر الصحيفة أن السبب في هذا الخنوع يعود إلى الطابع الاستهلاكي الذي يسم بعض المجتمات الغربية. وتقول الافتتاحية في هذا الصدد أن السوق استحوذ على الأذهان وبز الكتاب والفلاسفة والساسة في السباق نحو التعريف بما ينبغي أن تكونه المرأة العصرية المستقلة. والنتيجة حسب الصحيفة أن التعريف الذي يتمخض عن مكاتب مهندسي التسويق – سواء كانوا من الرجال أو من النساء- تثير استنكار المعنيات بحقوق المرأة، إذ يعتبرون هذه الهوية استسلام للمادة واستيحاء لأفلام الدعارة. كلمة حق أريد بها غير ذلك تعكس الصحف البريطانية في هذه الآونة حملة انتخابية موازية لا تكشف عن اسمها. فبالإضافة إلى تغطية قضية “التهرب” الضريبي الذي يتهم به اللورد أشكروفت أحد ممولي حزب المحافظين، والتعليق على تبعاتها، هناك التحقيق في ظروف إعلان الحرب على العراق قبل سبع سنوات، الذي تجريه لجنة تشيلكوت، وقد مثل رئيس الوزراء جوردون براون أمامها مؤخرا. رئيس الحكومة البريطانية سافر بعد ذلك إلى أفغانستان لإبداء دعمه للقوات البريطانية المنتشرة في مناطق البلاد الجنوبية في إطار قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو). وقد ربطت صحيفتا الصنداي تايمز، والصنداي تلجراف بين الإدلاء بالشهادة أمام لجنة التحقيق والرحلة الأفغانية، فخلصتا في افتتاحيتيهما إلى أن رئيس الوزراء البريطاني لا يفوت الفرصة لأخذ صور وسط غبار الميدان لتلميع صورته السياسية، كما حدث عام 2007 عندما زار العراق، والسنة الماضية عندما زار أفغانستان. ولكن زيارته هذه المرة تتسم بطابع الدفاع عن النفس ورفع شبهة “خذلان” الجنود البريطانيين. وتقول الصحيفتان إن تعزيز القوات البريطانية ومدها بما تحتاج إليه من أموال للتجهيز، لم تكن أولوية الأولويات عندما كان بروان وزيرا للاقتصاد. من هذه الزاوية ينبغي قراءة شهادته أمام لجنة تشيلكوت. فرئيس الوزراء البريطاني لم يكذب في شهادته، تقول الصحيفتان، لكنه تلاعب بالألفاظ، مما دفع بقائدين من قادة الجيش البريطاني السابقين، إلى نعته بالمخادع. لقد وفر براون التمويل لعمليات محدودة وطارئة في العراق، حسب تفسير الجنرال دانات قائد القوات المسلحة البريطانية سابقا، لكن مثل هذا التمويل ظرفي ولا يعني دعما منتظما ومستمرا. لقد أدى “هذا الإهمال” إلى إزهاق أرواح جنود بريطانيين. وبعض المسؤولية عن ذلك يتحملها رئيس الوزراء البريطاني في رأي الصنداي تايمز. ويبدو أن براون قد حفظ الدرس، ترد الصنداي تلجراف، والدليل على ذلك تغيير بعض الآليات العسكرية التي تستخدمها القوات البريطانية في أفغانستان، بما هو أكثر فاعلية، واقل خطرا على أرواح الجنود.