، حيث يثير الغزو الروسي لأوكرانيا مخاوف اندلاع حرب عالمية ثالثة قد تنهي الوجود البشري على الأرض. ولتجنب هذا الخطر العظيم يراهن كثيرون على إضعاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وانتهاءه بالسقوط بعد الفشل في تحقيق أهدافه من الغزو. ويحرص المراهنين على سيناريو سقوط بوتين على رصد مختلف المؤشرات التي تعززه، غير أن كاتبا عمود سياسي في بصحيفة نيويورك تايمز (New York Times) الأميركية ينبه إلى أن الأمر ليس بتلك البساطة، وقدم تحليلا قارن فيه بين الحرب العالمية الثانية وما يجري اليوم على الأراضي الأكرانية، منبها إلى أن بوتين يملك وضع العالم أمام خيار يعتبر ورقته الأخيرة، وهو أن يكون أو الحرب العالمية الثالثة. وحسب "الجزيرة نت"، حذر الكاتب "بريت ستيفنس" من أن التوقعات المتفائلة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتقدم شيئا فشيئا نحو خسارة حربه على أوكرانيا مبكرة للغاية، إذ إن من يريد أن يعرف كيف ستبدأ الحرب العالمية الثالثة عليه أن يراجع كيف بدأت الحرب العالمية الثانية. وقال بريت ستيفنس إن التاريخ المعتمد لبداية الحرب العالمية الثانية هو الأول من سبتمبر/أيلول 1939، أي عندما غزا الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر بولندا بعد توقيع معاهدة مولوتوف ريبنتروب. لكنه لفت إلى أن ذلك لم يكن سوى مجرد حدث واحد في سلسلة من الأحداث التي بدت آنذاك منفصلة عن بعضها. وعدد ستيفنس من ذلك: غزو اليابان لمنشوريا عام 1931، والغزو الإيطالي للحبشة عام 1935، وإعادة تسليح راينلاند عام 1936، والحرب الأهلية الإسبانية التي بدأت في العام نفسه، وضم النمسا وأزمة سوديتن عام 1938، وما تلا ذلك من غزو سوفياتي لبولندا بعد أسابيع من الغزو الألماني وعملية بربروسا وبيرل هاربور عام 1941. وقارن الكاتب بين بداية تلك الحرب وارتفاع منسوب المياه قبل أن تغمر سدا ما، قائلا إنما يعيشه عالمنا الحالي منذ سنوات هو نوع من ارتفاع منسوب المياه، مشيرا إلى أن ذلك ظل مبهما لدى الكثيرين إلى أن شنت روسيا حربها على أوكرانيا. وأوضح ستيفنس أن هذه الحرب سبقها غزو روسي لجورجيا والقرم وشرق أوكرانيا، كما سبقها القصف الروسي البساطي لتسوية حلب بالأرض، واستخدام العوامل المشعة والكيميائية الغريبة ضد المنشقين الروس على الأراضي البريطانية، والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، والقرصنة الهائلة لشبكات الحواسيب بالولايات المتحدة واغتيال المعارض بوريس نيمتسوف، وتسميم المعارض أليكسي نافالني وسجنه. وتساءل: "هل قوبلت أي من هذه الانتهاكات للسيادة والانتهاكات القانونية وانتهاكات المعاهدات، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بردّ قوي وموحد وعقابي رادع يجعلنا نتجنب الجولة التالية من الاعتداءات؟ وهل كانت ردود الفعل الغربية على الانتهاكات الأخرى للأعراف العالمية -استخدام سوريا الأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين، واستئصال بكين الحكم الذاتي لهونغ كونغ، وحرب إيران بالوكالة ضد جيرانها- قوية بما فيه الكفاية لجعل بوتين يرعوي؟". وباختصار، هل كان لدى بوتين أي سبب -قبل 24 فبراير/شباط الماضي، أنه لن يكون قادرًا على الإفلات إن هو هاجم أوكرانيا؟، يتساءل الكاتب. وأجاب ستيفنس موضحا أنه على عكس الادعاء بأن سلوك بوتين هو نتيجة الاستفزاز الغربي، مثل رفض الدول الغربية استبعاد أوكرانيا نهائيًا من عضوية الناتو، فقد أمضت هذه الدول 22 عامًا في استرضاء بوتين.. وما الدمار الذي لحق بأوكرانيا إلا ثمرة لهذه المهادنة، على حد قوله. أوهام الكارثية ويتساءل ستيفنس: الآن ها هي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجد نفسها أمام هذه الدوامة، فهل تحاول إيقافها أم الاستمرار فيها؟ وللرد على ذلك، يقول الكاتب إن المسألة ضبابية، إذ إن العقوبات أضرت فعلا بالاقتصاد الروسي، وساعدت شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا على إبطاء التقدم الروسي، كما وحدت "وحشية روسيا" دولَ حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن الإدارة الأميركية -وفقا للكاتب- تواصل العمل في ظل سلسلة من "الأوهام الكارثية المحتملة". ولتوضيح ما يريد قوله، شدد ستيفنس على أن العقوبات قد تدمر روسيا على المدى البعيد، لكن الصراع الحالي في أوكرانيا قصير الأمد، كما أن إمداد كييف بصواريخ جافلين وستينغر قد يتسبب في إيلام الجيش الروسي وإحراجه. لكن ما يمكن أن يغير قواعد اللعبة، بحسب الكاتب، هو تزويد كييف بطائرات مقاتلة من طراز "ميغ-29′′ (MIG-29) وأنظمة أسلحة أخرى، و"إن رفض القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى إطالة معاناة أوكرانيا". وأكد الكاتب هنا أن الإيحاءات المتكررة بأن بوتين قد خسر الحرب بالفعل، أو أنه لا يمكن أن ينتصر ما دام الأوكرانيون متحدين في رفضهم له، ربما يتبين أنها صحيحة لكنها الآن سابقة لأوانها بشكل صارخ. فالحرب ما زالت في أسبوعها الثالث، وقد استغرق النازيون وقتًا أطول لغزو بولندا، أما القدرة على إخضاع السكان فتتأتى أساسًا من الألم الذي يرغب المحتل في إلحاقه بهم، وما فعله بوتين بغروزني في سنته الأولى في المنصب عبرة لمن يعتبر. استخدام الكيمياوي والنووي وعبّر الكاتب عن تفهمه لرفض فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا، إذ إن مثل ذلك الإجراء يتجاوز المخاطر التي يبدو أن دول الناتو على استعداد لتحملها، لكن فكرة أنها قد تؤدي لحرب عالمية ثالثة تتجاهل أحداثا تاريخية لا تقل أهمية عن ذلك، ولم تتسبب في مثل تلك الحرب كإسقاط الأميركيين طائرات سوفياتية كانت تساعد الصينيين والكوريين الشماليين في الحرب الكورية. ولفت الكاتب إلى أن هناك الآن خطرا جديا يتمثل في أن هذه الأوهام يمكن أن تنهار فجأة، إذ لا يوجد ما يدل حتى الآن على أن بوتين حريص على تقليص خسائره، بل على العكس من ذلك، فإن تراجعه الآن -بعد أن تكبد الثمن الاقتصادي للعقوبات ومن دون تحقيق نصر واضح- من شأنه أن يعرض قبضته على السلطة للخطر، بحسب الكاتب. وتوقع ستيفنس -بدلا من ذلك- أن يضاعف بوتين تحديه، قائلا: هل سيخسر الرئيس الروسي شيئا لو استخدام الأسلحة الكيمياوية، كما فعل بشار الأسد في سوريا، أو لو استخدم سلاحًا نوويًا في ساحة المعركة، تماشياً مع العقيدة العسكرية الروسية القديمة؟". وأجاب، قائلا إن السؤال يجيب نفسه، إذ إن بوتين يسعى للانتصار بسرعة، إنه بذلك يرعب الغرب ويقوي سلطته ويدرك أنه قد يعاني من عواقب أكثر خطورة بشكل هامشي فقط من تلك التي تم إلحاقها به بالفعل، ولن يفوت ذلك على رفاقه في بكين وطهران وبيونغ يانغ، بحسب قوله. وختم الكاتب بالسؤال: كيف ستبدأ الحرب العالمية الثالثة؟ ليجيب: "بنفس الطريقة التي بدأت بها الحرب الماضية".