وصل قلق مدريد على مستقبل السيادة الإسبانية على سبتة ومليلية إلى أقصى درجاته، وهو الأمر الذي دفع أجهزتها إلى العمل على تجديد الاستراتيجية الأمنية الخاصة بحدود المدينتين في مواجهة "التهديدات" القادمة من المغرب، الأمر الذي أكدته وثيقة استخباراتية مستندة إلى خارطة الطريقة التي أعدتها عدة مؤسسات أمنية إسبانية والتي شددت على ضرورة توفر المنطقتين على "نظام للردع موثوق به". والوثيقة التي نشر مضامينها موقع "أوكي دياريو"، وفق ما كتبته "الصحيفة"، هي في الأصل خطة أعدها قسم الأمن القومي برئاسة الحكومة الإسبانية والمركز الوطني للمخابرات، إلى جانب العديد من الوزارات ذات الصلة بالأمن القومي لإسبانيا، وتهم التهديدات الاستراتيجية المختلفة التي يرى المسؤولون الأمنيون أنها تواجه البلاد والتي تحتاج لبرنامج عمل مستعجل، ونصت في إحدى جوانبها على ضرورة إعداد "خطة شاملة لأمن سبتة ومليلية". وأشارت الوثيقة التي جرى اعتمادها في 28 دجنبر 2021 وفق "الصحيفة" دائما، إلى أن الوضع الخاص للمدينتين المتمتعتين بالحكم الذاتي "بسبب موقعها الجغرافي في القارة الإفريقية وخصوصية حدودهما الإسبانية الأوروبية، يتطلب اهتماما خاصة من الدولة لضمان سلامة مواطنيها"، وإلى جانب الخطر الذي يُحدق بالمدينتين بسبب موجات الهجرة السرية، تشير الوثيقة إلى "التوتر الاستراتيجي الإقليمي"، وتحديدا "موجات التسلح الجديدة والتوترات التي تعاني منها بعض البلدان والتي قد تؤثر على إسبانيا، في إشارة إلى المغرب ونزاعها مع الجزائر. وتشير الوثيقة إلى وجود "هشاشة وفجوات مؤسساتية في بعض المناطق المجاورة"، متحدثة عن إمكانية حدوث سيناريوهات من "عدم الاستقرار" قد تكون لها انعكاسات مباشرة على الأراضي الإسبانية، كما تتحدث عن احتمال حدوث "صراعات بين الدول على المستوى الإقليمي"، مبرزة أن "بعض الفاعلين (في المنطقة) ينفذون خططا لإعادة التسلح لتعزيز تطلعاتهم الاستراتيجية"، لتخلص إلى أن هذا الأمر يتطلب من إسبانيا "أنظمة ردع موثوقا بها وفعالة وذات قدرة دفاعية مستقلة ضد جميع أشكال العدوان، سواء الاستراتيجيات الهجينة أو الصراع التقليدي". ورغم أن الوثيقة تقول "الصحيفة"، تفادت ذكر المغرب بشكل مباشر عند حديثها عن "الخطر المحيط بسبتة ومليلية إلا أنها ستعود بعد ذلك لتؤكد ضمنيا أن الأمر يتعلق بالمملكة عندما تحدثت عن أن أولوية إسبانيا في المنطقة المغاربية هي تعزيز فضاء الأمن والاستقرار السياسي والتنمية ومواجهة التحديات المشتركة مثل الجريمة المنظمة والإرهاب"، مركزة على التعامل مع الأصدقاء التقليديين لإسبانيا، مبرزة أن علاقة هذه الأخيرة بالمغرب والجزائر تقوم على "الصداقة والتعاون والاحترام المتبادل للحدود". وأصبح وضع سبتة ومليلية يثير قلق الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية في إسبانيا، إذ أوقفت الرباط نشاط التهريب المعيشي على حدودهما وأغلقت معهما حدودها البرية، ثم عادت، عبر رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، إلى وصفهما علنا بأنهما مدينتان محتلتان، وفي ماي الماضي، وتزامنا مع الأزمة التي تلت دخول زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية إلى الأراضي الإسبانية سرا، رفعت السلطات المغربية مراقبتها لحدود سبتة لمدة يومين، ما أدى إلى وصول الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إليها.