تغيير غير مسبوق في تاريخ علاقة المغربي بالإدارة العمومية، أعلنت حكومة سعد الدين العثماني نيتها الإقدام عليه، يتمثّل في تخليص المرتفقين من عبء التردّد الدائم على مكاتب الجماعات المحلية من أجل المصادقة على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها، والإشهاد على صحة الإمضاءات (légalisation). واحدة من بين ثمان خطوات تعتزم الحكومة القيام بها في مجال علاقة الإدارة بالمرتفقين، تتمثل في إصدار مرسوم جديد سيحدث تغييرا غير مسبوق في تاريخ المغرب، يحوّل عملية المصادقة على صحة النسخ والتوقيعات، إلى إجراء بسيط يمكن إجراؤه في جميع الإدارات والمؤسسات المعنية به، دون الحاجة إلى التنقل إلى "المقاطعات"، وما يعنيه ذلك من عناء وضياع للوقت. الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية، محمد بنعبدالقادر، أكد أن الخطة الإصلاحية للحكومة تستهدف إعادة الثقة بين الإدارة والمواطن، كمدخل إصلاحي أساسي، على اعتبار أن جميع الإصلاحات السابقة كانت متمركزة حول بنية الإدارة وتجديد هياكلها، وإدماج مؤسسات الحكامة، والعمل على إدماج التكنولوجيات الحديثة، في حين، أغفلت الجانب المتعلق بالإدارة في علاقتها بالمواطن، باعتباره محور إصلاح هذا المجال وموطن خلله العميق. ووضع الوزير ثلاث ركائز اعتبرها عمود الإصلاح المتوخى، تتمثل في "تدوين جميع المساطر والخدمات الإدارية، فالإعلان عنها، ثم إلزام جميع الموظفين بالعمل بها، وجعلهم تحت طائلة القانون في حالة مخالفتها، إذ لا يمكن للموظف أن يطلب ما شاء من الوثائق، وفق هواه، متخذا الإطار القانوني وراء ظهره". مشروع المرسوم الذي انتهت وزارة محمد بنعبدالقادر، المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، ينص على منح صلاحية الإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها لجميع الإدارات العمومية التي تطلب هذه المطابقة كشرط للحصول على خدماتها، "دون أن يلغي ذلك اختصاص الجماعات الترابية في تقديم هذه الخدمة"، يقول التقديم المرفق بمشروع المرسوم، كما تم توزيعه على الوزراء. ويحصر المشروع قيام الإدارات العمومية بالإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها، في نطاق المسؤولية الموكولة إليها، والوثائق التي تتطلبها خدماتها. كما يمنح المشروع لجميع الإدارات العمومية، صلاحية الإشهاد على صحة التوقيعات، والتي تتطلّب بدورها الانتقال إلى مقرات الجماعات المحلية والوقوف في صفوف انتظار طويلة وتبديد وقت يكون ثمينا أحيانا. المشروع ينصّ على تولي رئيس المرفق الإداري عملية تعيين الموظفين والأعوان الذين يتولون مهمة المصادقة على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها، وكذا الموظفين والأعوان المكلفين بالإشهاد على صحة الإمضاءات. وسيصبح هؤلاء الموظفون والأعوان هم المخولون بالتأكد في عين المكان من مطابقة النسخ لأصولها، ومن صحة التوقيعات، والإشهاد على ذلك بشكل فوري من خلال وضع طابع يحمل صيغة "نسخة مطابقة للأصل"، وطابع المصلحة المختصة بتقديم هذه الخدمة وتاريخ عملية الإشهاد، إضافة إلى الاسم الكامل للموظف الذي قام بهذه العملية وتوقيعه. ويشترط المرسوم الإدلاء بوثيقة تعريف شخصية، سواء بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر أو رخصة السياقة، من أجل الحصول على خدمة الإشهاد على صحة الإمضاء داخل الإدارة التي يحتاج إلى خدماتها. وينصّ المشروع على وضع الإدارات العمومية لسجل خاص، على غرار ما هو معمول به في المصالح التابعة للجماعات المحلية حاليا، يحتفظ بتاريخ عمليات الإشهاد على صحة الإمضاء التي جرت فيها، مع إعطائها رقما ترتيبيا وتضمينها رقم وثيقة التعريف التي تم الإدلاء بها وهوية الموظف أو العون الذي أنج العملية. مشروع المرسوم الذي ينتظر أن يصادق عليه أحد مجالس الحكومة المقبلة، يستثني من الوثائق التي يمكن تصحيح إمضائها في أي إدارة عمومية، كلا من العقود الخاصة بالمعاملات العقارية، وإمضاء الغائب أو العاجز عن الحضور، أو في حالة وجود شك في صحة وثيقة التعريف المدلى بها، أو في حالة كان المعني بالوثيقة قد قام بإيداع نموذج لتوقيعه في أحد مكاتب الجماعات المحلية، وحالات المنع التي ينص عليها القانون. ويقضي مشروع المرسوم باستمرار العمل باستخلاص الرسوم القانونية المعمول بها في تصحيح الإمضاءات حاليا لدى مكاتب الجماعات المحلية، كما يمهل الإدارات العمومية فترة 3 أشهر بعد نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، من أجل الشروع في العمل بمقتضياته الجديدة.