بعد الضجة التي أثارها مقال "أخبار اليوم" حول واقعة حلق شعر رؤوس 9 طلبة اعتقلوا في الأحداث الأخيرة في المواجهات بين الأمن والطلبة بفاس، قررت المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إعفاء مدير سجن "بوركايز" من مهامه، حيث مثل يوم أمس الأربعاء أمام المجلس التأديبي للمديرية بالرباط، بحسب ما كشف عنه مصدر قريب من الموضوع ل"أخبار اليوم". وأضافت نفس المصادر أن قرار إعفاء البشير المساوي مدير سجن "بوركايز" بضواحي فاس، تلقته إدارة هذا السجن بعد ظهر أول أمس الثلاثاء، عقب اجتماع طارئ احتضنته المديرية العامة لإدارة السجون بالرباط، ترأسه مديرها العام محمد صالح التامك، وحضره ممثلون عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمرصد المغربي للسجون، حيث شدد التامك على أن "سلب حرية السجناء لا يجب أن تتعدى إلى سلب كرامتهم وشعورهم بالمواطنة"، حيث تزامن ذلك مع احتفال مجلس اليازمي خلال هذا الأسبوع باليوم العالمي الإفريقي للاعتقال الاحتياطي، فيما عينت المديرية العامة للسجون بوعزة البشير، مدير سجن آيت ملول، مسؤولا جديدا عن سجن "بوركايز" بفاس.
حلاقة من نوع خاص قضية حلق شعر طلبة فاس المعتقلين في أحداث المواجهات بين الطلبة والأمن جرت أطوارها في ال13 من ابريل الجاري، بموازاة محاكمة طالبين قاعدين برأتهما جنايات فاس من دم طالب منظمة التجديد الطلابي عبد الرحيم الحسناوي، أعادت إلى الأذهان ما قام به منذ ثلاث سنوات من الآن، "طارق حجار"، القائد السابق لمقاطعة سيدي بطاش بالدار البيضاء (نجل الجنرال السابق للقوات المساعدة)، حيث حلق شعر شاب خلال حملة محاربة السلطات لموضة "المشرملين" منتصف سنة 2014، مما دفع الشاب إلى الانتحار لشعوره بالإهانة و"الحكرة"، وهو نفس الشعور الذي انتاب الطلبة المعتقلين في هذه القضية المثيرة. حادث حلق شعر رؤوس الطلبة وقع، بحسب دفاع المتهمين، عقب إيداعهم سجن "بوركايز" بضواحي فاس مساء يوم الأحد 16 أبريل الجاري، رهن الاعتقال الاحتياطي بقرار من وكيل الملك، والذي أمر خلال مثولهم أمامه بعد أن قضوا عقب اعتقالهم في أحداث الخميس 13 أبريل، 72 ساعة رهن الحراسة النظرية لدى شرطة ولاية أمن فاس، بمتابعتهم في حالة اعتقال، حيث استقبلتهم إدارة السجن استقبالا حارا على طريقتها، وأجبرتهم تحت الإكراه، بحسب تصريحاتهم للمحققين، على الجلوس على ركابهم بصالون الحلاقة بالسجن قبل أن يقوم سجناء من الحق العام بحلاقة شعر رؤوسهم، في سابقة لم يجد لها المتهمون ودفاعهم أي مبرر أخلاقي أو قانوني. حلاقة أعقبتها ضجة خلفت قضية حلق شعر رؤوس الطلبة المعتقلين بفاس، ردود فعل غاضبة من دفاعهم وعائلاتهم الذين عاينوا رؤوسهم خلال أول جلسة من محاكمتهم الاثنين ما قبل الماضي، وعبروا عن رفضهم وتنديدهم بالمظهر المهين الذي بدا عليه المتهمون أمام المحكمة وهم حليقو الشعر، وما خلفه ذلك من أضرار جسدية ونفسية، تواصلت تداعياتها خلال الجلسة الثانية من محاكمتهم يوم الاثنين الأخير، تابعها جمهور غفير وحضرها ممثلون عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بفرعه الجهوي بجهة "فاس- مكناس" وجمعيات حقوقية. غضب عائلات الطلبة المعتقلين ودفاعهم، دفعهم إلى مطالبة المحكمة بجلسة الاثنين الأخير، إجراء محضر معاينة لرؤوسهم الحليقة، لتقديم شكاية مباشرة في مواجهة رئيس سجن بوركايز البشير المساوي، والذي اتهموه بتعريض الطلبة المعتقلين لما وصفه دفاعهم في مرافعاتهم أمام المحكمة، "تعذيبا" ومشهدا من مشاهد سنوات مغرب الرصاص. ولم يقف تصعيد العائلات والدفاع عند هذا الحد، بل بادروا إلى وضع شكاية ضد مدير السجن على مكتب مصطفى الرميد وزير حقوق الإنسان، يطلبون فيها من الوزارة في أول ملف حقوقي يحال عليها عقب إحداثها مؤخرا عند تعيين الملك لحكومة سعد الدين العثماني، التدخل وفتح تحقيق فيما تعرض له الطلبة المعتقلون بدون إذن أو موافقة منهم، من إهانة وتعذيب جسدي ونفسي تمثل في حلق شعر رؤوسهم تحت الإكراه، وما ترتب عن ذلك من شعورهم ب"الحكرة" و"الإهانة"، وما خلفه الحادث من تبعات قانونية تجرم ما أقدم عليه مدير السجن المعفي من مهامه، طبقا لمفهوم المادتين 224 و231 من القانون الجنائي المغربي، والذي يجرم "كل فعل ينتج عنه ألم جسدي أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي في حق شخص لتخويفه"، وكذا مقتضيات الفصل 22 من الدستور، والذي منع المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، كما لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية، كما جاء في شكاية دفاع الطلبة الموجهة إلى مصطفى الرميد وزير حقوق الإنسان. رواية مدير السجن مقال "أخبار اليوم" (عدد يوم الأربعاء 19 أبريل)، والذي أخرج واقعة حلق شعر رؤوس طلبة فاس المعتقلين إلى العلن، دفع مدير سجن "بوركايز" البشير المساوي إلى الخروج عن صمته للرد، حيث قال في بيانه التوضيحي الذي وجهه إلى الجريدة، إن موظفيه مكنوا الطلبة المعتقلين عند استقبالهم بالسجن من الاستحمام، ووضعوا رهن إشارتهم صالونا للحلاقة، وحلقوا رؤوسهم فيه بصورة اختيارية، كما سلمت لهم، يقول مدير السجن، حقيبة يدوية تحتوي على مختلف مواد النظافة الشخصية، إلى جانب استفادتهم من كشف طبي بمجرد ولوجهم إلى المؤسسة، بحسب تصريح مدير سجن "بوركايز" في بيانه التوضيحي. تصريحات مدير السجن البشير المساوي نقلتها الجريدة إلى دفاع الطلبة المعتقلين للرد والتعليق عليها، حيث بادر محامو الطلبة إلى تكليف أحد من زملائهم بهيئة الدفاع عن الطلبة لتنظيم زيارة لهم بسجن "بوركايز" والتأكد من تصريحات إدارة السجن، وهذا ما تم بالفعل يوم الجمعة من الأسبوع الماضي. رد الطلبة المعنيين على كلام مدير السجن، نقله ل"أخبار اليوم" المحامي عبد اللطيف احساين بهيئة فاس، والذي قام بزيارة المعتقلين بسجن "بوركايز"، حيث كشف بأن "الطالب المعتقل المهدي الحطاب، والذي سمحت له إدارة السجن بزيارته، صرح له بأنه ورفاقه ال8 حين تم نقلهم إلى السجن بعد اعتقالهم في الأحداث، استقبلهم موظفو السجن بالسب والشتم والإهانة، قبل أن يجبروهم على ولوج صالون للحلاقة بالسجن، وكلفوا سجناء من الحق العام يشتغلون بالصالون لحلق شعر رؤوسهم بطريقة تشبه الحلاقة التي كان يخضع لها الشبان منذ السبعينات في حملة التجنيد الإجباري أو الخدمة العسكرية الإلزامية، بحسب ما نقله المحامي عن الطلبة ضحايا واقعة حلق شعر رؤوسهم. من جهته، أعلن نائب وكيل الملك منعم الأزمي، شقيق عمدة فاس من البيجدي إدريس الازمي، والذي حضر جلسة محاكمة الطلبة ليوم الاثنين الأخير، ممثلا للحق العام، أن النيابة العامة راسلت مدير سجن "بوركايز" بفاس تستفسره حول ما جاء في مقال "أخبار اليوم"، حيث كشف للمحكمة وعائلات الطلبة ودفاعهم بأن وكيل الملك أمر بفتح بحث في واقعة حلق شعر رؤوس طلبة فاس المعتقلين، بغرض تحديد المسؤوليات واتخاذ المتعين عند ظهور نتائج البحث القضائي الذي فتحته النيابة العامة، حيث لم ينتظر، على ما يبدو، محمد صالح التامك نتائج أبحاث وكيل الملك بفاس، وسارع إلى إعفاء مديره بسجن "بوركايز" وإحالته على المجلس التأديبي، ردا منه على جسامة المخالفة المهنية المرتكبة من قبل موظف إدارة السجون في حق طلبة فاس المعتقلين.