وسط دروب مراكش العتيقة ازداد شعبان عبد الرزاق، ليتحول من طفل صغير يساعد والدته في اختيار أنواع النباتات للتداوي الشعبي، إلى صانع عطور تقصده أميرات القصر، ودول الخليج لاختيار عطورهن من تشكيلة تحرص أنامل عبد الرزاق لتجعلها متفردة. "مساء مراكش"، و"ليمون بالقرفة"، و"حدائق شهرزاد"… ولائحة أسماء العطور طويلة، التي استلهمها عبد الرزاق من جو مراكش الدافئ، دفء مسيرته المهنية، التي بصمت اسمه في خانة العطارين العالميين. في هذا الحوار نتقرب من شخصية العطار المغربي العالمي، شعبان عبد الرزاق، الصديق المقرب ل"إيف سان لوران" صاحب حدائق الماجوريل في مراكش. بداية، كيف تقدم نفسك للقراء، الذين يتعرفون عليك لأول مرة؟ أنا مغربي شغوف بمعطيات الطبيعة، التي تتوفر عليها بلادنا، والتي استعملت منذ القدم في مجالات كثيرة من الحياة اليومية للمغاربة، الذين أبدعوا وتفننوا فيها، خصوصا النساء منهم، اللائي استعملنها في فن الطبخ، والطب، والتجميل، والحمام، والعطور. أعتبر شخصيا هذا إرثا طبيعيا، وثقافيا، وجماليا يجب المحافظة عليه، وتوسيع رقعة إشعاعه، ولهذا السبب اهتممت بمجال النباتات، واستعمالاتها الكثيرة في الحياة اليومية للمغاربة، ومن هنا جاء فتح متحف خاص بهذا الموضوع في مراكش. متى بدأ حبك للعطور والنباتات؟ ومن أين تغذي أفكارك لإصدار عطر جديد؟ ترجع علاقتي بالعطور إلى طفولتي، ونشأتي في أسرة مراكشية كانت كباقي الأسر المغربية تقوم سنويا بعملية تقطير زهرة الليمون خلال شهر مارس، والورد البلدي خلال شهر أبريل. هذا إضافة إلى أن والدتي كانت مسيرة لحمام عمومي كان في ملك الأسرة. تعلمت من خلال مرافقتي لها خلال مزاولة عملها سر جمال المرأة المغربية، وإتقانها استعمال النباتات في التجميل، والاهتمام بالجسد والشعر والبشرة. كانت والدتي إحدى نساء الأسرة المعروفة بالتعاطي للتداوي بالأعشاب، وهي بدورها ورثت هذه الموهبة، والعلم عن جدتها، وأمها، وعملت هي الأخرى على تلقين هذه المعرفة إلى أولادها، وأهلها، وقد ساعدني الحظ في أن أكون أحد تلامذتها، بالإضافة إلى دراستي الجامعية، واختصاصي في علم النبات، وتعميق معرفتي بهذا التراث الطبيعي، الذي أحاول استخدامه في إبداعاتي العطرية. ما الذي يميز عطورك عن باقي العطور في العالم؟ عطوري تعتمد في تصميمها على التراث العربي الإسلامي في فن العطور، إضافة إلى استعمال النباتات المغربية كالورد، وزهرة الليمون، والزعفران، والياسمين، وزهور أخرى، كما أنني متفتح في عملي على ما يوجد في العالم الغربي من مستجدات في مجال صناعة العطور. أظن أن كل هذا جعل عطوري تحقق رغبة جمهوري العريض، وأعتقد أن هذا التفتح على الآخر، وفي الوقت نفسه التمسك بالمورث العربي الإسلامي، والمغربي كانا سبب نجاح هذه التجربة. قلت، في لقاء سابق، إن علاقة العربي بالعطور مختلفة عن تلك التي لدى الأجنبي، كيف تفسر لنا هذا؟ للعطر في الحياة اليومية مكانة خاصة عند العرب منذ القدم، فهم يتوفرون على أشجار البخور، التي توفقوا في تجارتها عبر العالم، كما أنهم طوروا تقنيات التقطير، ناهيك عن كون العرب هم مخترعي الكحول. ما هي أجمل ذكرى جمعتك بمصمم الأزياء الفرنسي "إيف سان لوران"؟ الذكريات كثيرة، ولكنها خاصة وودودة. أذكر بالخصوص تواضع الرجل رغم إبداعه الفائق، وذكائه، وكرمه، وإنسانيته، والشهرة العلمية. لقد كان بالنسبة إلي مدرسة للعمل الدؤوب، والإبداع المستمر، وحب الطبيعة، والجمال. وأخيرا، أؤكد أن المغرب مملكة العطور، وفن العيش، وعلى كل مغربي الوعي بهذا الرأسمال الفريد، والعمل على المساهمة في الاهتمام، والتعريف به.