العلاقة بين المخزن والأحزاب السياسية، هي علاقة تأثير متبادل، لكن المخزن استطاع استيعاب جميع الأحزاب السياسية التي اقتربت منه أكثر مما تمكنت هذه الأحزاب من التأثير في المخزن، حسب محمد الساسي الساسي الذي تدخل في إطار الندوة العلمية التي نظمها المركز العربي العلمي حول الأحزاب السياسية بين التحديث والتقليد، قال بأن جميع الأحزاب حتى وإن كانت تقدمية فإنها لم تستطع تغيير أي شيء في المخزن حتى أبسط الطقوس البرتوكولية، معطيا المثال بتجربة التناوب التوافقي التي كانت "انتكاسة" للحداثة، لدرجة أن زعيم حزب يساري يدافع عن الفصل 19. فلا معنى بالنسبة للساسي أن يقوم عبد الرحمان اليوسفي بالقسم على المصحف هو تبنى عليه شرعية التجربة الديمقراطية أو الاحتجاج به على المناضلين لعدم مناقشة أي قرار وهو الأمر الذي يلغي إرادة المواطنين. وليست تجربة التناوب هي الوحيدة التي كانت محطة في انتكاسة الحداثة السياسية المغربية، بل حتى خلال مناقش مضامين دستور 2011 شكلت تراجعا للحداثة حتى بالنسبة للأحزاب اليسارية، لأن هذه الأحزاب قدمت مذكرات "تقليدية وليس فيها أي جرأة بل إن اللجنة الدستورية ذهبت أبعد من الأحزاب على مستوى المضامين"، والسبب حسب محمد الساسي أن الأحزاب تعودت على تقلي إشارات من القصر. لذلك يجب طرح السؤال لماذا كل الأحزاب التي شاركت في الحكومة والتي ترفع شعار الإصلاح يتراجع منسوب الحداثة لديها؟، والمثال القريب حسب الساسي هو حزب العدالة والتنمية الذي يعرف فارقا مزعجا بين أدبيات الحزب التي "تقدمت بشكل كبير"، وبين خطاب بن كيران التقليدي "الذي يقول بأن الله أمرنا بأن نطيع الملك ومقاربة بن كيران هي أننا ما زلنا نعيش في دستور 1996 وإذا أراد الملك فسننتقل إلى دستور 2011 وبالتالي فكل شيء مرتبط بإرادة الملك". لذلك فانطلاقا من حالة حزب العدالة والتنمية يمكن القول بأن الأحزاب المغربية "تعرف تحديثا تنظيميا وتراجعا على مستوى الحداثة"، فحزب العدالة والتنمية هو أول حزب حقق تطورا تنظيميا كبيرا ومثال ذلك مسطرة اختيار الوزراء والأمين العام، كما أن المؤتمر الوطني للحزب كان أحسن مؤتمر في الساحة السياسية المغربية وكان مؤثرا على الصعيد الوطني، من خلال درجة انضباط الأعضاء ومستوى النقاش، لكن مقابل هذا التطور التنظيمي هناك تراجع في الخطاب وخاصة في خطاب رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران.
ومن المفارقات التي أشار إليها الساسي في مداخلته أن التحديث التنظيمي جاء عن طريق المخزن الذي وضع قانون الأحزاب والذي نفذته بعض الأحزاب على مضض، لأنه في السابق كانت المؤتمرات الوطنية لا تعقد لسنوات طويلة مثال حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كانت المدة بين مؤتمر ومؤتمر 17 سنة ونفس الأمر بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، كما أن التغيير على مستوى قيادة الحزب كان يتم "بتدخل عزرائيل"، أما الآن فقد أصبحت الأمور تتطور وأصبحت الأحزاب مجبرة على تقديم برنامج حزبي مكتوب "بعد أن كانت الأحزاب تقول بأنه لا حاجة لكتابة البرنامج لأن برنامجنا هو برنامج الملك"، كما أن بعض الأحزاب تصطف في صفوف المعارضة بظهير ملكي،إضافة إلى انتظام الانتخابات التي "كانت لحظة سيبة بالنسبة للحسن الثاني ولحظة حرية بالنسبة للمناضلين".