في هذا الحوار يتحدث الخبير الإسباني المختص في الشأن المغربي والعربي، بيرنابي لوبيث غارسيا، عن الانتخابات التشريعية الأخيرة بعد مشاركته فيها كمراقب دولي. إلى حدود الساعة بنكيران غير قادر على تشكيل الحكومة بعد مرور أكثر من شهر على إجراء الانتخابات. كيف تفسرون هذا "البلوكاج" السياسي بالمغرب؟ لنعود إلى التاريخ. عبدالرحمان اليوسفي، الذي فاز بالانتخابات في نونبر 1997، كلفه تشكيل الحكومة أربعة أشهر. تشكيل أغلبية كانت تسعى إلى تجسيد التناوب، عبر تحالف قوى مختلفة كثيرا عن الحزب الاشتراكي في ذلك الوقت، مثل الاستقلال والحركة الشعبية وأحزاب أخرى. كانت عملية بطيئة ومعقدة. من جهة أخرى، فسياق 2011 يختلف عن سياق 2016. رهان المخزن على "البام" في انتخابات 2016 ودعمه الكبير له جعل البيجيدي لا يحرز تقدما أكبر مما حقق، وهذا شوش على المشهد السياسي، متسببا في أزمة في بعض الأحزاب، خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي غير قيادته، التي كانت تفضل التحالف مع حكومة يقودها "البام"، وهو ما ظهر جليا في انتخاب رؤساء الجهات سنة 2015، بحيث لم يدعم (الأحرار) مرشحي شركائهم في الحكومة، أي العدالة والتنمية. هل تعتقدون أن المخزن يعرقل تشكيل حكومة يقودها حزب إسلامي للمرة الثانية؟ أعتقد أن النظام سيتوجب عليه، انسجاما مع روح دستور 2011، القبول بحكومة يترأسها بنكيران، لكنه سيعمل على فرض كل الشروط الممكنة ليقبل بنكيران التحالف مع مجموعات أكثر انصياعا (خضوعا)، والتي ستمنعه من القيام بالإصلاحات التي يدعو إليها الحزب. ما هي تكلفة فشل بنكيران في تشكيل الحكومة، أو إفشاله، على المغرب وعلى صورته دوليا؟ أعتقد أن بنكيران سيشكل حكومته في نهاية المطاف. وسيخضع لتوجيهات رئيس الدولة (الملك). خلال ولايته التشريعية المنتهية كانت سياسة بنكيران قائمة على عدم الاصطدام بالقصر، إلى درجة الخضوع لتوجيهاته. الفارق هو أن بنكيران لم يكن يخضع بطريقة مهينة مثل عباس الفاسي عندما كان وزيرا أول. إذن في نظركم يمكن للملك أن يقدم يد العون لبنكيران، رغم الإشاعات التي تتحدث عن توتر العلاقة بينهما؟ شخصيا أعتقد أن التوتر بين الملك وبنكيران كان قائما دوما. ولكنهما في الماضي وجدا طرقا للتعايش المتحضر بينهما. وأعتقد أنهما سيجدان هذه الطريق من جديد، رغم أن ذلك يسير ضد الإصلاحات التي يسعى بنكيران إلى القيام بها. شاركتم بصفتكم مراقبا دوليا في الانتخابات التشريعية الأخيرة. كيف تقيمون الانتخابات بشكل عام، والنتائج على وجه الخصوص؟ كمراقب لابد لي من الإشارة إلى أن الانتخابات مرت بشكل طبيعي، رغم ضعف نسبة المشاركة التي استقرت في 43 في المائة. ولكن هناك أوجه قصور هيكلية تزيل المصداقية عن ديمقراطية الانتخابات: 7 ملايين ممن من لديهم حق التصويت ليسوا مسجلين في اللوائح الانتخابية، أي ثلث أولئك الذين لديهم حق التصويت (21 مليون مغربي تقريبا)، وإذا احتسبنا نسبة المشاركة مقارنة مع العدد الإجمالي لمن لديهم حق تصويت، فإن النسبة لن تتجاوز 29 في المائة عوض 43 في المائة. هذا، أيضا، دون احتساب ملايين المهاجرين المغاربة بالخارج. علاوة على ذلك، فإن الهندسة الانتخابية لوزارة الداخلية في تصميم الدوائر الانتخابية والمرشحين في كل دائرة، تعطي الامتياز بشكل جلي للعالم القروي، وتقلص وزن المدن الكبيرة التي يوجد فيها معظم ناخبي حزب العدالة والتنمية. كانت أفضل التوقعات تمنح للبيجيدي عدد المقاعد التي حصل عليها. إلمَ ترجعون هذا الاكتساح الكبير للانتخابات؟ هذا غير صحيح. بمنطق نتائج الانتخابات الجماعية ل2015، العدالة والتنمية كان الفائز. كان من المتوقع أن يفوز لأن المنطق يقول ذلك. في المرصد السياسي والانتخابي للعالم العربي والإسلامي (OPEMAM) الذي أنتمي إليه، نشرنا في غشت الماضي توقعات لنتائج الانتخابات التشريعية بناء على نتائج الانتخابات الجماعية، إذ توقعنا فوز حزب العدالة والتنمية ب109 مقاعد وحزب الأصالة والمعاصرة ب78 مقعدا. نتيجة 125 مقعدا إن كانت تدل على شيء، إنما تدل على أن حزب عبدالإله بنكيران حصل من الشارع المغربي على دعم أكثر من ذلك الذي حصل عليه في شتنبر 2015. حزب الأصالة والمعاصرة ضاعف من عدد مقاعده من 47 سنة 2011، إلى 102 في 2016. هل تعتقدون أننا في المغرب نتجه إلى الثنائية الحزبية في الوقت الذي انتهت فيه هذه التجربة في إسبانيا؟ أنا شخصيا في هذه الحالة لن أستعمل عبارة الثنائية الحزبية، بل الاستقطاب الثنائي. أكيد أن الحزبين الكبيرين "البيجيدي" و"البام" بدآ في شغل المساحات التي كانت تشغلها أحزاب أخرى في الماضي ويقضما من ناخبيها، لكن في نهاية المطاف هذين الحزبين يمثلان رؤيتين سياسيتين. تُبين النتائج أن الحزب الإسلامي يسيطر في المدن الكبيرة، بينما منافسيه من "الحداثيين والليبيراليين" يحضرون بقوة في البوادي. كيف تفسر هذا؟ أنا لدي تحليل آخر: كانت المدن الكبيرة دوما معقلا للحركات والأحزاب المعارضة: كانت هذه المدن وطنية واستقلالية في عهد الحماية، وأصبحت اشتراكية في عهد الحسن الثاني، وهي اليوم "بيجيدية" (إسلامية) في عهد محمد السادس. لماذا؟ لأن البيجيدي ورغم رئاسته للحكومة، إلا أن الشعب ينظر إليه كقوة معارضة، وبنكيران يلعب، بالضبط، على هذا، إذ يقدم نفسه كضحية أمام التحكم، أي مقابل النظام القائم. القرى ليست لا حداثية ولا ليبرالية، إذ إن الأصالة والمعاصرة (وباقي الأحزاب الإدارية التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية) ممثل في العالم القروي بأشخاص بارزين ليسوا ليبراليين، بل "أعوان". هؤلاء إذا كانوا يحصلون على أصوات الناخبين فليس بالإيديولوجية، بل بفضل طرقهم… أي ممارسة الضغوطات وتوزيع الأموال. الأحزاب العريقة مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال خسرت الكثير من المقاعد. بعين أجنبية محايدة ومراقبة، إلى ماذا يُعزى هذا الاندحار؟ وهل تعتقد فعلا أن الأصالة والمعاصرة تغذى من الكتلة الناخبة لحزبين عريقين أم إنهما تعرضا لعملية استنزاف وعقاب جراء مشاركتهما في الحكومات السابقة؟ فقد الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حضورهما السياسي القوي منذ أن ابتعدا عن الإيديولوجيا والمناضلين، بل تحولا إلى "ماكينات" انتخابية تبحث عن مرشحين لهما وسط الأعيان، سيرا على منوال الأحزاب الإدارية. منذ مشاركته في حكومة التناوب، تحول الاتحاد الاشتراكي إلى حزب "إداري"، بحيث خسر أفضل أطره الذين لجؤوا إلى تأسيس أحزاب جديدة أو الانضمام إلى أحزاب أخرى. هكذا فالقيم التي كان يدافع عنها الاستقلال في الماضي، الآن ينافح عنها العدالة والتنمية ولو بطرق مختلفة. الشيء نفسه تقريبا حدث مع حزب الاتحاد الاشتراكي الذي لم يعد يمثل قيم يسار القرن ال21، لهذا ففيدرالية اليسار الديمقراطي هي التي تتغذى على كتلته. كيف تنظر إلى الديمقراطية بالمغرب؟ ستكون هناك ديمقراطية عندما يتم احترام حرية المعتقد لجميع المغاربة. رأيك في الصحافة المغربية؟ تلعب دورا مهما من أجل أن تكون هناك ديمقراطية في المغرب، لكنها تواجه الكثير من العراقيل للعمل بكل حرية. من الضروري وجود صحافة مستقلة بالمغرب. هناك تعريفات متداولة حول "التحكم" في المغرب. هل لديك تعريف لهذا المصطلح المثير للجدل؟ في إسبانيا، زمن الانتقال من الفرنكاوية إلى الديمقراطية، كان يُتحدث عن "السلط الحقيقية (خارج القنوات الرسمية)"، سلط القوى المالية و establishmentوالقوات المسلحة والأمن، كل هذه القوى حافظت على سلطها رغم نهاية عهد الديكتاتورية. كما كان يطلق عليها أيضا مصطلح "bunker". أنا أعتقد أن "التحكم" شبيه بهذه "السلط الحقيقية"، وهي السلط الفعلية، هذا المسمى "bunker" في إسبانيا بعد سقوط الديكتاتورية. وعلى الرغم من أنه لا يُرى، لكنه يحرك خيوط اللعبة السياسية. والحقيقة هي أن المخزن ليس شيئا مختلفا عن هذا. نشرت مقال رأي في "إلباييس" تقول فيه بأن المغرب فشل في الصحراء. هل لازلت متشبثا بهذا الرأي، رغم الاستثمارات الضخمة للرباط في الصحراء؟ ما الذي يمكن للمغرب القيام به لكسب قلوب الصحراويين وليس فقط عقولهم؟ وما أسباب هذا الفشل الذي تحدثت عنه؟ من وجهة نظري، فشلُ المغرب يكمن في أنه لم يعترف أبدا أن السياسة الأمنية المفرطة القائمة على حالة الطوارئ الدائمة، ليست هي التي يجب نهجها في الصحراء. الاستثمارات تأتي بالبنيات التحتية ويمكن أن تخلق مناصب شغل، لكن لا يجب أن ننسى أنه في يوم من الأيام، وأتمنى أن يكون في قريبا، هناك 100 ألف صحراوي يعيشون خارج موطن مسقط رأسهم، في مخيمات تيندوف بالجزائر، سيتوجب عليهم العودة إلى الصحراء من أجل حل حقيقي للنزاع. المغرب لم يرغب أبدا في الاعتراف أنه لا يُعترف دوليا بحقه في مراقبة الصحراء، وعليه أن يفكر في أن هذا الاعتراف الدولي مهم. كيف تنظرون إلى مستقبل الصحراء، آخذين بعين الاعتبار المغادرة الوشيكة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي ساءت علاقته مؤخرا مع المغرب وتعويضه بالبرتغالي غوتيريز الذي يعرف جيدا المغرب ونزاع الصحراء؟ المسألة ليست مسألة أشخاص ولا عارفين بالمشكل. المبعوثون الخاصون إلى الصحراء كانوا على اطلاع بالملف، بدءا ب James Baker وانتهاء بكريستوف روس، لكن الشيء المفقود هو الإرادة السياسية من أجل فهم أنه من الضروري "صحروة" (saharahuizar) القضية، أي منح المسؤولية للصحراويين المنفتحين على الحوار، كما يجب "لامركزة" البحث عن حل للنزاع الذي يدبر فقط من الرباط، والسماح للصحراويين الأصليين بلعب أدوار أكثر نشاطية في إيجاد حل لنزاع الصحراء. كانت السياسة الأخيرة للمغرب من أجل العودة إلى الاتحاد الإفريقي وزيارات محمد السادس إلى إفريقيا، ولاسيما فكرة إلقاء خطاب المسيرة الخضراء من العاصمة السنغالية دكار، فكرة ممتازة. لكن، من وجهة نظري، لا يجب تصويب مدفعية هذه الخطوات الإيجابية ضد حضور "الجمهورية العربية الصحراوية" في هذه المنظمة الإفريقية، بل من أجل دعم فكرة أن إفريقيا لا يمكن أن تقوم لها قائمة بدون المغرب. إخراج "الجمهورية العربية الصحراوية" من الاتحاد الإفريقي سيحدث عندما يتم إيجاد حل سياسي متفاوض عليه بين الأطراف المتنازعة في إطار الشرعية الدولية. تحسنت العلاقات المغربية الإسبانية كثيرا في السنوات الأخيرة مع الإسلامي بنكيران واليميني راخوي؟ بماذا تفسر ذلك؟ وكيف تنظر إلى مستقبل العلاقات بين البلدين؟ بنكيران وماريانو راخوي مسؤولان حكوميان براغماتيان، إذ عرفا كيف يتركان جانبا نقاط الخلاف بين البلدين، والتركيز فقط على ما يخدم مصالحهما. ما دور الملكيتين الصديقتين في تخفيف حدة التوترات التي تنفجر بين الفينة والأخرى بين البلدين؟ لا أعتقد أن مفتاح العلاقات الجيدة بين المغرب وإسبانيا مرتبط بعلاقة الصداقة بين المؤسستين الملكيتين، رغم أن هذه الصداقة موجودة وحقيقية. وزن المؤسسة الملكية بالحياة السياسية الإسبانية خفيف، وهو الشيء غير الموجود في المغرب، حيث الملكية توجد في مركز الحكم. هل تعتقد أن البلدين سيستفيدان على حد سواء من هذا التعاون المكثف، أو أن هناك من يستفيد أقل؟ التوازن دائما صعب. وفوائد التعاون متبادلة، ولكن هناك مجالات يكون فيه "مستفيد أقل". هل تعتقد أن الإسبان تجاوزوا عقدة "المورو" وأن "كل الشرور تأتي من الجنوب"؟ نعم. نحن في مرحلة مختلفة عن تلك التي كان يُفكر فيها على أن كل المخاطر تأتي من الجنوب. في المغرب، هناك الكثير من الفرص للمقاولات الإسبانية، كما أن المغرب وجهة مغرية للملايين من السياح، وشريك يُتعاون معه في الكثير من المجالات. أكثر من ذلك، هناك اليوم، 100 ألف مغربي لديهم الجنسية الإسبانية، والذين يظهرون للإسبان أن مغربي اليوم، ليس هو "المورو" الذي كان يُتحدث عنه سنوات ال30 من القرن العشرين. كإسباني وأكاديمي وخبير في الشأن المغربي، نطلب رأيك في ثلاث شخصيات بارزة اليوم في المغرب: الملك محمد السادس وعبدالإله بنكيران وإلياس العماري؟ رأيي هو أن الثلاثة هم شخصيات سياسية لديها مسؤوليات كبيرة من أجل قيادة المغرب ليتحول إلى دولة حق وقانون. كل واحد من موقعه: رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة والمعارضة. وأن الثلاثة يحملون على عاتقهم واجب القيام بسياسة ذكية تعود بالفائدة على كل الشعب المغربي. في السنوات الأخيرة، الشعب المغربي هو الصانع الحقيقي لتاريخ بلده، لكن لا يملك بين يديه الميكانزمات من أجل فرض المراقبة على السياسة.