بعيدا عن منطق الرتوشات والتغييرات السطحية في المسؤوليات الخاصة بالإدارة الترابية للأقاليم الصحراوية أشّرت التعيينات الأخيرة للعمال والولاة، عن تغيير جذري وشامل لرجالات السلطة فوق رمال الصحراء الساخنة. العنوان الأبرز للتعيينات الجديدة، هو الانتماء الصحراوي لجل المعيّنين الجدد، مع حضور قوي لرجالات الاقتصاد والتنمية، والشخصيات العارفة بجذور الصراع حول السيادة في هذه الأقاليم وامتداداته الانفصالية من خلال بعض الوجوه البارزة التي كانت تنتمي إلى جبهة البوليساريو. فأبرز ولاة وعمال أقاليم الصحراء السابقين انتقلوا إما إلى مناطق أخرى أو إلى الإدارة المركزية، متقلّدين مسؤوليات جديدة أو محالين على «الكراج»، أي الإبعاد عن المسؤولية كما هو حال والي العيون السابق خليل الدخيل. أهم منصب في الصحراء وأكثره حساسية، أي والي ولاية العيون الساقية الحمراء، مُنح لبوشعاب يحظيه، الرجل المخضرم من خلال مراكمته خبرة طويلة من الاشتغال داخل دواليب وزارة الداخلية، حيث مُنح منصب قائد بعد عودته، كما تحمّل مسؤوليات داخل وزارة الخارجية والتعاون، باعتباره أحد العارفين بأسرار ملف الصحراء، آخرها منصب سفير للمغرب في إحدى القلاع النادرة لانفصاليي البوليساريو، مملكة السويد. فيما كانت التجارب السابقة للرجل قد قادته إلى كل من عاصمة النرويج كسفير وعاصمة بريطانيالندن كمستشار. وعلاوة على معرفته الدقيقة بتعقيدات ملف الصحراء واحتكاكه الطويل بأطروحة الانفصال، يعتبر الانتماء القبلي للرجل خاصية مميزة له، باعتباره متحدرا من إحدى قبائل «التكنة»، وهي قبيلة آيت لحسن، بينما يسود جهة الساقية الحمراء صراع طاحن بين قبيلتي الركيبات القوية، وازركيين الطامحين إلى النفوذ. فيما عوّض لمين بنعمر، أخ السفير المغربي في موريتانيا، الوالي حميد الشبار على رأس الجهة الحدودية مع الجارة الجنوبية للمملكة، ما يوحي بتفعيل التوجهات التي صاغها النموذج التنموي الجديد للصحراء الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والقائم على تحويل الصحراء إلى جسر نحو الغرب الإفريقي. تعيين آخر لا يقلّ أهمية وإشارات عن سابقيه، يتمثّل في خروج القيادي الكبير سابقا في جبهة البوليساريو، محمد علي العظمي، المعروف ب»عمر الحضرمي»، على رأس عمالة كلميمالسمارة. هذا التعيين يحمل أكثر من إشارة، حيث باتت هذه الجهة تبرز في السنوات الأخيرة باعتبارها منطلقا جديدا للانفصال ودعاته، حيث يشكّل اختيار رجل ب»بروفايل» خاص محاولة لتوفير قناة اتصال ناجعة ومتمتعة بالثقة، بين ساكنة الجهة والسلطات المركزية. أما عمالة سيدي ايفني الحديثة العهد بالإحداث، وهي عاصمة البعمرانيين، فعرفت تعيين الدحا الصلوح، أحد أبناء قبيلة الركيبات، ما يمنحه صفة الحياد والانتماء الصحراوي في الوقت نفسه. تعيين آخر لا يخلو من تكريس لمعيار المعرفة الدقيقة بالميدان، يتمثل في تنصيب عبد الرحمن الجوهري عاملا على إقليم أوسرد في أقصى جنوب المملكة. الرجل عُرف في مناطق الصحراء، بانتسابه إلى وزارة المالية، وتحمّله مسؤولية الأملاك المخزنية فيها. وبرز هذا الاسم بقوة في ملفات النزاعات الكبرى حول بعض الأملاك العقارية التي تعاني من مشكلات مرتبطة بتعقد وضعيتها القانونية الموروثة عن عهد الاحتلال الإسباني. عامل عمالة آسا الزاك، الحسن صادقي، يجرّ بدوره تجربة قديمة في العمق الصحراوي، حيث سبق له أن شغل منصب باشا ورئيس دائرة الداخلة بجهة وادي الذهب الكويرة.