أستميح الصحافي الفرنسي، صديق المغاربة، إنياس دال، على هذا التحوير في اسمه، والذي وقعت فيه صدفة عندما أردت التدليل على أن الطفرة المفاجئة لشخصية سياسية مثل إلياس العماري هي دال على مدلول اسمه السياسة المغربية، مازال يتكرر بكثير من التشابه، منذ الظهور المفاجئ للجنرالين محمد أوفقير ومولاي حفيظ العلوي إلى جانب محمد الخامس، وما تولد وترتّب عن ذلك الظهور من طفرات سياسية واكبت كل المحطات السياسية المفصلية في تاريخ المغرب الحديث. إن الصعود السريع للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وحضوره اللافت في العديد من دواليب المؤسسات الاقتصادية والمالية والرياضية والإعلامية والثقافية… وقلبه الطريق من اليسار إلى اليمين دون التوقف عند أي علامة تشوير أو تبرير لهذا الانتقال من النقيض إلى النقيض، هو دال حقيقي أيضا على مدلول اسمه الاستثناء المغربي؛ يجمع النقائض بانسجام: يجمع بين الأصالة والمعاصرة. وبما أننا لا يمكن أن ندلِّلَ على ما يقوله خصوم إلياس العماري عن ارتباطه بمركب "الفساد والاستبداد"، فدعنا نُسائل ثلاث محطات في مساره السياسي والمهني، للإجابة عمّا إذا كان إلياس دالا فعلا على هذه "الخصوصية" السياسية المغربية، من عدمه. أولا، يدعي إلياس انتسابه إلى اليسار المغربي، لكنه لم يخبرنا يوما إلى أي تنظيم يساري كان ينتمي، كما أن اسمه لم يرد أبدا ضمن قوائم مناضلي اليسار – ما قبل الحزبي. كما يقدم إلياس نفسه على أنه قادم من تجربة الطلبة القاعديين، بل هناك من يزايد على ذلك ويعتبره أحد زعماء القاعديين، وهذا أمر خال من الصحّة، لأن الرجل لم يسبق أن كان طالبا جامعيا، حتى يكون قاعديا. أما مرافقته للطلبة القاعديين في مرحلة من المراحل فلا تعطيه حق الانتساب إليهم، فليس كل من شرب المُدامَ نديمُ. ثانيا، أول ظهور حزبي لإلياس العماري كان ضمن حزب "اليسار الاشتراكي الموحد"، بالرغم من أن نبيلة منيب نفت أي مساهمة له في أنشطة الحزب أو حتى التزام بحضور اجتماعات أجهزته، مؤكدة أن مرور إلياس وآخرين بالحزب كان هدفه الوحيد هو جرّه لأن يكون "بام" قبل "البام"، الأمر الذي فطن له اليساريون وردعوا عرّابيه. وحتى إذا تركنا كلام منيب جانبا، فكل الذين يعرفون الوضع التنظيمي لذلك الحزب الصغير وحجم العماري – آنئذ- فيه، يؤكدون أن الرجل لم يكن من قيادات الحزب البارزة، أما أن يصل إلى منصب الأمين العام للحزب، فأمر مستحيل. كيف، إذن، لا يستطيع إلياس أن يكون من قيادات الصف الأول في حزب صغير، ويصبح أمينا عاما لثاني أكبر حزب من حيث التمثيلية والأول من حيث الإمكانيات، ويتحكم في شرايين السياسة والاقتصاد المغربيين؟ هذا وحده يضع أكثر من علامة استفهام حوله. ثالثا، أسس إلياس مجموعة ضخمة من الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية، بالتزامن مع تشكّي كبرى الجرائد المغربية من أزمة خانقة قد تنهي مساراتها. ففي الوقت الذي يعاني الإعلام المغربي من ضعف الرأسمال وتخوف العديد من رجال الأعمال من الاستثمار في مجال محفوف بالمخاطر، استطاع إلياس "إقناع" مستثمرين بضخ رساميل مهمة في مشاريع إعلامية لا تحمل أي مقوّمٍ من مقومات الاستمرار الطبيعي بله النجاح والمنافسة. فكيف أقنعهم؟