كنت من بين الفنانين الموشحين، أخيرا، بمناسبة الذكرى 53 لميلاد الملك، ماذا يمثل بالنسبة إليك هذا التوشيح؟ وكيف شعرت لحظة إعلامك بالخبر؟ شعرت بفرحة غامرة، فأي فنان لا يمكن سوى أن يسعد حين يتلقى خبرا مماثلا، وبالنسبة إلى الوسام، فأنا لا أعتبر أنه لي لوحدي، بل هو وسام لجميع معلمي كناوة في المغرب، لأننا جميعا كافحنا حتى نطور هذا الفن، ونوصله إلى ما وصل إليه، ونشرناه، سواء في المغرب أو الخارج. أيضا، منحني هذا الوسام قوة لأشتغل، وأقدم المزيد، وأنا أشعر بأنني لم أعد ملكا لنفسي، بل للجمهور، الذي له حق في أن أقدم له كل ما هو أحسن وأفضل، وأنا دائم الاشتغال على ذلك. حين نتحدث عن فن «كناوة» في المغرب أول اسم يتبادر إلى الذهن حميد القصري، على الرغم من وجود عدد كبير من المعلمين، بعضهم ربما سبقك في الميدان، ما السبب في شهرتك هذه؟ الفضل أولا، لله سبحانه وتعالى، وثانيا ربما ما أسهم في شهرتي هو عملي على تطوير هذا الفن، وجعله يصل إلى عموم الناس، فمعلمي «كناوة» القدامى لم يكونوا يفسرون مثلا كلمات الأغاني، وبالتالي قليل من المستمعين كانوا يفهمون تلك الأغاني، بينما أنا حرصت على توضيح، وتفسير الكلمة، التي أغنيها، وهكذا وصلت إلى عدد كبير من المغاربة. كما أحرص على الاشتغال دائما على تطوير «تكناويت»، والبحث عن الجديد، بشكل يومي وليس فقط بإحياء الحفلات. بالحديث عن التطوير، بعضٌ قد يراه أمرا إيجابيا يساهم في نشر هذا الفن، بينما آخرون قد يجدونه «تحريفا» لتكناويت، وإخراج لها من إطارها التقليدي المتوارث؟ ما يجب أن يعرفه الجميع هو أنني لا أحرف تكناويت، أنا أغنيها كما تعلمتها، ولكن مع لمسة خاصة على مستوى الكلمات ،والتوزيع الموسيقي، أنا أشتغل على تطوير هذا الفن، وهذا أمر ضروري لأنه مرتبط بالإبداع. والتميز والوصول إلى العالمية يقتضي الإبداع المستمر، فمجموعة من الفنانين من مختلف أنحاء العالم يبدعون، ويطورون ما يقدمونه من موسيقى باختلاف أنواعها، والشيء نفسه يجب أن يحدث في فن «تكناويت»، إذ لا يجب أن يظل محصورا فقط في «الليالي»، و«الجذبة». و «تكناويت» فن له تاريخ، وقد دخل إلى المغرب عن طريق «عبيد» قادمين من بلدان إفريقية مجاورة، كانوا يحكون مآسيهم، ويعبرون عن معاناتهم بالغناء، فاستعملوا السلاسل، التي تكبلهم كوسيلة لضبط الإيقاع، ومن هنا جاءت «قرقابة» لاحقا. أما المغاربة، الذين تشبعوا بهذا الفن فقد عملوا على مغربته عن طريق إبداع أغاني خاصة بنا، تتحدث عن مواضيع تمسنا وقد طوروا هذا الفن بالشكل المعروف اليوم، وبالتالي فكون هذا الفن تراثا لا يتناقض مع فكرة تطويره حتى نتمكن من نشره، وإيصاله إلى العالم. هناك فكرة رائجة عن أن هذه الموسيقى «تشفي» بعض الأمراض النفسية والعضوية، ما مدى صحة هذا الأمر؟ يمكنني أن أحكي هنا واقعة حدثت أمامي، شخصيا عاينت، قبل سنوات، حالة طفل، كان يعاني شللا على مستوى قدميه، استشارت والدته عددا مهما من الأطباء، وفي الأخير أشارت عليها صديقة لها بتنظيم «ليلة» كناوية، وقالت لها إن ابنها «مقيوس». وبالفعل، نظمت ليلة شاركت في إحيائها رفقة أحد المعلمين، وفوجئت بالطفل، الذي لم يمش لمدة أربع سنوات يقف على قدميه ويرقص على الأنغام، التي كنا نعزفها، لا يمكنني أن أقول إن الموسيقى هي سبب شفائه، فكما يقول المثل «ايلا كان الخوخ يداوي يداوي غير راسو»، يجب أن نفكر بعقل ومنطق، ولكن في الوقت نفسه أن نثق بقوة النية الصافية، فالأم حين نظمت الليلة كانت لديها ثقة في أن ابنها سيشفى إلى جانب أنه أثناء الليلة يُطلب من كل الحضور رفع أكف الدعاء والضراعة لله سبحانه وتعالى، وبالتالي، فإن الأمر بعيد عن «تكناويت»، ومرتبط بالنية، واستجابة الله تعالى لدعاء الناس، وهذا هو أصل «تكناويت»: النية، والتضرع لله تعالى. في هذا السياق، هناك من يرى أن «كناوة» نوع موسيقي كباقي الأنواع الموسيقية، وهناك من ينظر إليها كحالة روحية تتطلب طقوسا معينة، كيف تنظر إليها أنت؟ لا يمكنني أن أقول إنها حالة روحية وإن كنت أنا نفسي أتفاعل معها، وأتأثر بألحانها، ولكن يمكنني القول إنها نوع موسيقي متميز ومتفرد، و«الجذبة» لا تجعل منها حالة روحية كما يقال، فناس الغيوان مثلا كان الناس يتفاعلون معهم بطريقة قد يستغربها بعض، والشيء نفسه بالنسبة إلى العديد من الأنواع الموسيقية الأخرى. أما بخصوص «تكناويت» فهي نوع موسيقي متميز له عشاقه، الذين يتفاعلون مع أغانيه بطريقة معينة، خصوصا الأغاني، التي تتضمن ذكر الله تعالى، والتي يجدون متعتهم، وراحتهم فيها. ماذا عن الغناء في الملاهي الليلية، هل تستقيم خصوصية هذه الموسيقى ومضمون عدد من أغانيها مع إحياء سهرات في الملاهي الليلية؟ بالنسبة إلي شخصيا أنا لا أعمل بشكل دائم في الملاهي، الأمر يتعلق فقط ببعض السهرات الخاصة، وبالنسبة إلى السؤال حول هل يستقيم مضمون الأغاني الكناوية مع الملاهي الليلية، فهناك أغان خاصة بهذه المناسبات، كما هو الحال بالنسبة إلى «الليالي» سواء خلال السهرات الخاصة أو العمومية، وأنا لدي مجموعة كبيرة من الأغاني، التي تتناول مواضيع مختلفة، وإلى جانب الأغاني، التي تتضمن ذكر الله هناك أغان تتناول قضايا مجتمعية، وما نعيشه في اليومي. هل لا يزال الناس ينظمون الليالي الكناوية؟ لا يزال هناك عدد من الناس المحبين لهذا الفن، منهم أناس أثرياء ومثقفون ذواقون لتكناويت ينظمون الليالي، ويستمتعون بها وبأنغامها، بعيدا عن الشعوذة، والأفكار الرائجة عن هذا الفن، هم أناس محبون لنغمة تكناويت ولطقوسها فقط. هل تنظم الليالي خارج المغرب؟ لم يسبق لي إحياء الليالي خارج المغرب أحيي الحفلات في الخارج، أما الليالي فأحييها فقط داخل المغرب، ولعدد محدود من محبي وذواقة هذا الفن. ما الذي قد يزعجك أثناء إحياء الليالي؟ تزعجني بعض السلوكات من قبيل استعمال البعض آلات حادة يضربون بها أنفسهم، كما أكره رؤية السكارى في الليلة لأن الليالي عندها طقوس معينة يجب احترامها، ومناظر كتلك لا تريحني، وغالبا ما أفضل الانسحاب في حال اصطدمت بها. إلى أي حد أسهم مهرجان الصويرة في نشر هذا الفن داخل وخارج المغرب؟ مهرجان الصويرة أسهم بشكل كبير في نشر «تكناويت»، هذه تظاهرة عالمية يحضر إليها الناس من أنحاء العالم، والمهرجان أعطى الكثير لهذا الفن وللمعلمين، الذين أصبحوا يقدمون عروضا مع فرق تنتمي إلى ألوان، وأنواع موسيقية أخرى مختلفة، وأنا بدوري ساهم المهرجان في شهرتي بشكل كبير. يعمل المغرب على تسجيل «كناوة» كتراث عالمي لدى اليونيسكو كيف تدعمون هذا الملف؟ جمعية «إرما» تشتغل على الموضوع منذ مدة طويلة، ومن جهتنا كمعلمين نشتغل من أجل نشر التراث الكناوي على الصعيد العالمي، والحمد لله المغرب أوصل تكناويت إلى العالمية، وكل ما حققه المغرب بهذا الخصوص، وما وصلت إليه تكناويت اليوم هو بفضل المملكة، لذلك فنحن نتمنى أن يتم تصنيف هذا الموروث الوطني كتراث عالمي لدى «اليونيسكو»، ووزارة الثقافة قد أعطتنا وعدا بذلك، ونتمنى أن يغدو واقعا عما قريب.