بشراكة بين دار توبقال والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، صدر مؤخرا كتاب لكل من محمد سبيلا وعبدالسلام بنعبد العالي ومصطفى لعريصة يضم نصوصا مختارة «في التأسيس الفلسفي لحقوق الإنسان». إذ يتوخى مؤلفو الكتاب أن يكون لبنة أساسية في تشكيل الوعي بالأسس الفكرية لثقافة حقوق الإنسان لدى التلاميذ المغاربة على الخصوص. يمثل كتاب «في التأسيس الفلسفي لحقوق الإنسان» أرضية فكرية تمهد للمعرفة بثقافة حقوق الحقوق الإنسان عموما. إذ ينهل الكتاب من مرجعيات فكرية مختلفة غذت المنظومة الفكرية الكونية لهذه الثقافة على امتداد قرون. بين دفتيه رؤى وأفكار وتحديدات لكل من ميشيل فوكو، بول ريكور، توماس هوبز، سبينوزا، مونتيسكيو، روسو، هيغل، كارل ماركس، سيغموند فرويد، وغيرهم. كما يتضمن رؤى واقتراحات مفكرين عرب أمثال ابن رشد، عبد الرحمان الكواكبي، عبدالله أبو النعيم، محمد أكنسوس، علي زنيبر السلاوي، أحمد بن خالد الناصري، محمد الحجوي، علال الفاسي، محمد عابد الجابري، محمد أركون، علي أومليل، وغيرهم. وينطلق هذا الكتاب من رغبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي أسس فروعا جهوية قبل أكثر من سنة، في تعميم الأبعاد الفكرية لثقافة حقوق الإنسان. إذ اعتبر محمد سبيلا، أحد المؤلفين المشرفين الثلاثة على الكتاب، أن المجلس يروم أن تكون المرجعيات الفكرية المؤسسة لثقافة حقوق الإنسان مرافقة للنشاط الحركي للمجلس والفاعلين فيه، موضحا أن المجلس يرغب في أن يكون عمله حركيا وفكريا في الآن ذاته. وفي السياق ذاته، أوضح سبيلا أن مصطفى لعريصة، الذي يترأس فرع المجلس بجهة مراكش تانسيفت الحوز، هو صاحب الاقتراح، باعتبار أنه يجمع بين البعدين الأكاديمي/ الفلسفي والحركي. إذ أشار إلى أن خطة المجلس تروم تشغيل التلاميذ بالخصوص بقضايا حقوق الإنسان عبر نصوص وموضوعات مختارة. كما اعتبر أن هناك حاجة إلى مواضيع فكرية تغذي هذا التعطش، بحيث يكون الكتاب شكلا جديدا من أشكال الوعي بثقافة حقوق الإنسان، وألا يكتفي المجلس بالجانب الاحتجاجي والمطلبي والحركي. ومن هنا، جاء الطلب، كما يقول سبيلا، على المساهمة الفكرية في خطة المجلس. ينطلق الكتاب، كما يكشف سبيلا، من نصوص نشرت في كراسة سابقة وأعداد سابقة من «دفاتر فلسفية». غير أنه قال إن الفريق عمل على تطعيم الأسس الفكرية الواردة في هذه النصوص بنصوص أخرى وتنويعها وتعميقها. ويأمل سبيلا أن يعمل، هو وزميلاه بنعبد العالي ولعريصة، على تغطية مجالات فكرية أخرى في كتب أخرى. قسم الكتاب إلى خمسة أقسام. يقدم القسم الأول تحديدات أولية لمفهوم حقوق الإنسان، حيث ينطلق من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويتناول القسم الثاني التأصيل الفلسفي لمفهوم الحق عند هوبز وسبينوزا ومونتيسكيو وروسو وهيغل مثلا. وفي القسمين الثالث والرابع، يتناول الكتاب المرجعية الإسلامية لحقوق الإنسان، وكذا المرجعية المغاربية، خاصة الجابري وأركون. أما القسم الخامس، فهو مخصص للملاحق التي هي عبارة عن تقارير واتفاقيات وقوانين، الخ. ونقرأ من مقدمة الكتاب أن «أول ما يثير انتباه قارئ هذه النصوص هو تباين مواقفها واختلاف آرائها. ولا شك أن القارئ المتفحّص سيلمس مقصدنا التربوي الذي حدد اختياراتنا، والمنهج الفكري الذي فرضها. ذلك أن هدفنا الأساس كان بالأولى فسح المجال للقارئ لإعمال الفكر، وإعطائه فرصة «الحق في التفكير»، وهو لم يكن دفاعا عن وجهة نظر بعينها، أو فرض رأي دون آخر، وإنما، على العكس من ذلك، دفع القارئ إلى تبيّن اختلافات وجهات النظر، والتماس طريق يقوده هو أيضا إلى إدراك ما يطرحه مفهوم حقوق الإنسان من إشكالات فلسفية، وصعوبات نظرية».