بعد أسبوعين من استفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي؛ هزمت أوروبا التوقعات بأن يصير تصويت المملكة المُتحدة بالمغادرة مصدرَ إلهامٍ لزيادة الحركات الانفصالية، حيث حققت الأحزاب التقليدية المكاسب وتراجعت شعبية الشعبويين في استطلاعات الرأي. ألمانيا
في ألمانيا؛ وفي أعقاب تصويت بركست، استعادت شعبية المُستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مكانتها التي كانت عليها قبل 10 أشهر، حيث عادت تقريباً إلى المستوى الذي تمتعت به قبل بلوغ ذروة أزمة اللاجئين في سبتمبر/أيلول الماضي. فقد أظهرت نتائج استطلاع معهد "إنفراتست ديماب" للرأي العام، التي نُشرت أمس الجمعة 8 يوليو/تموز، مكاسب لحزب ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط، بنحو 2%، وارتفاع شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يمثل وسط اليسار بنحو 1%. وفي الوقت نفسه؛ شهد الحزب اليميني، البديل من أجل ألمانيا انخفاضاً لشعبيته بنحو 3% ليستقر عند 11%، وقد يكون هذا التراجع في شعبية الحزب المناهض للاجئين بسبب إخفاق قائده في احتواء الخلاف داخل الحزب حول فضيحة معاداة السامية. يقول ميشيل كونيرت، العضو المُنتدب لدى إنفراست ديماب، إن "الجدل حول استفتاء بريكست عزز مناخ تأييد أوروبا بين السكان الألمان"، وأضاف أن "الحكومة تستفيد من ذلك الاتجاه، فيما يعاني الشعبويون والأحزاب المشككة في الاتحاد الأوربي".
وفي هولندا، التي يُنظر إليها باعتبارها إحدى الدول التي يُحتمل أن تحذو حذو بريطانيا؛ انخفض مستوى الدعم السياسي لحزب الحرية اليميني المتطرف، وزعيمه غيرت فلدرز، إلى أدنى مُستوياته منذ الخريف الماضي، حيث أظهرت نتائج إحدى استطلاعات الرأي أن بإمكانه الفوز بثلاثين مقعداً من أصل 150 مقعداً بالبرلمان إن انعقدت الانتخابات الآن، وهو انخفاض للتقديرات بثلاثة مقاعد عما كانت عليه الاستطلاعات قبل أقل من أسبوع، وذلك على الرغم من أن حزبه يظل الأكثر شعبيةً في المشهد السياسي الهولندي المفكك. وكان فيلدرز قد بدأ هذا الأسبوع في المُضي قدماً بشأن تعهده بجعل استفتاء "نيكست" واحداً من أحد الموضوعات الرئيسية المطروحة بالانتخابات العامة المقرر انعقادها مارس/آذار المقبل، مُسمياً الاتحاد الأوروبي "مؤسسة شمولية شبيهة بالاتحاد السوفييتي". وعلى الرغم من أن استفتاء انفصال المملكة المُتحدة عن الاتحاد بإمكانه أن يُفسر جزئياً تراجع فيلدرز؛ كان الاستطلاع كذلك انعكاساً لموقف الناخبين الهولنديين غير الحماسي تجاه بروكسل. الفائزان الأساسيان كانا الحزب الاشتراكي، الداعي لنهج مُشكك في الاتحاد الأوروبي، والذي يُبدي رغبة في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وحزب الديمقراطيين المسيحيين من يمين الوسط، ومجموعة D66 الليبرالية المؤيدة للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن للفوضى السياسية وحالة الارتياب الاقتصادي التي أسفر عنها بريكست أثراً مباشراً على الآراء بالنمسا، التي ستشهد حضور مُرشح من الاتجاه الشعبوي المشكك في الاتحاد الأوربي بجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي ستُعقد 2 أكتوبر/تشرين الأول القادم. فقد قال 52% من النمساويين باستطلاع الرأي الذي أجرته مُؤسسة غالوب في 5-6 يوليو/تموز الجاري، إنهم سيختارون البقاء في الاتحاد الأوربي حال إجراء تصويت، فيما قال 30 % فقط من المُشاركين بأنهم سيُصوتون لصالح مغادرة الاتحاد، وقد أظهر استطلاع مُشابه، أُجري الأسبوع الماضي، صورةً أكثر اتزاناً، حيث بلغت نسبة الراغبين في البقاء 51%، فيما اختار 49% الانفصال عن الاتحاد. ويبدو أن تغير المزاج العام قد أثّر كذلك على آراء مُرشح الانتخابات الرئاسية عن حزب الحرية المناهض للهجرة، والذي سبق أن نادى بإجراء استفتاء للانفصال إن اتجه الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خُطى نحو المزيد من الاندماج؛ فقال المُرشح نوربرت هوفر، بحسب ما نقلت الغارديان تصريحاته لصحيفة Die Presse، أمس الجمعة "إنه ليس في صالح النمساويين الخروج من الاتحاد الأوروبي". وأضاف قائلاً "لقد كُنت مُنزعجاً خلال الأيام الماضية التي جرى فيها التلميح للأمر، ولم يرق لي، فمغادرة الاتحاد الأوروبي ستدمر النمسا بلا شك".
الدنمارك
وفي الدنمارك؛ ارتفع دعم عضوية الاتحاد الأوروبي ليبلغ 69%، بعدما بلغ في استطلاع أُجري قبل استفتاء انفصال المملكة المُتحدة 59.8%، فيما تراجعت نسبة دعم إجراء تصويت بشأن العضوية من 40.7% إلى 32%.
وفي فنلندا؛ بدى المصوتون في تراجع عن فكرة تصويت "فيكست" التي نادى بها بعض السياسيون بما فيهم وزير الخارجية السابق بافو فايرينين. فبعدما أشارت الاستطلاعات التي أُجريت في مارس/آذار الماضي إلى رغبة 43% من المصوتين الفنلنديين في إجراء استفتاء على غرار المملكة المُتحدة، وصوّت حينها 56% فحسب لصالح البقاء؛ أظهرت نتائج استطلاع Iltalehti ، والذي أُجري في 28-29 يونيو/حزيران، إلى تحول لصالح دعم الاتحاد. فقال 59% من الفنلنديين إنهم لا يرغبون في إجراء استفتاء للانفصال عن الاتحاد، وقال 68% من المُشاركين إنهم سيُصوتون لصالح البقاء حال انعقاد استفتاء.
ومن ناحية أُخرى؛ تبدو الصورة أكثر ميلاً للاتزان جنوبي أوروبا؛ ففي فرنسا، ظل حزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرف المعادي للهجرة والمناهض للاتحاد الأوروبي مُستقراً في استطلاعات الرأي، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تخوض زعيمته مارين لوبين، الجولة النهائية من السباق الرئاسي في ربيع 2017، ولكن لا يُتوقَع فوزها في جولة الإعادة.
وفي إيطاليا تحول المشهد السياسي خلال الأسبوعين الماضيين، ومع ذلك فإن هُناك خسائر ومكاسب على حد سواء بالنسبة للأحزاب المشككة في الاتحاد الأوربي، فحزب رابطة الشمال، الذي دعى زعيمه ماتيو ساليفيني لإجراء استفتاء على غرار المملكة المُتحدة، شهد تراجعاً لدعمه بنحو 0.7% لتبلغ حصته 12.4% بحسب استطلاع نُشِر مطلع هذا الأسبوع. ومن المُرجح على نحو متزايد أن يُفضل الإيطاليون حركة النجوم الخمسة المُناهضة للنظام الحاكم، والتي تعد الحركة الأكثر شعبية بالبلاد بحيازتها 30.6% من إجمالي الأصوات، فيما تراجعت نسبة دعم الحزب الحاكم لتبلغ 29.8%، ولم تدع الحركة لإجراء تصويت عام بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي، ولكنها تدعم بدلاً من ذلك إجراء استفتاء غير مُلزم بشأن اليورو. وبينما توجد هُناك شكوكُ واسعة بشأن بروكسل، يعتقد أغلب الإيطاليين أنه من الأفضل لهم البقاء بالاتحاد الأوروبي، حيث أظهرت نتائج استطلاع رأي أُجريَ بعد نتيجة استفتاء انفصال بريطانيا أن 66% من الإيطاليين سيُصوتون لصالح البقاء في الاتحاد الأوربي، فيما يختار 26% مُغادرة الاتحاد، فضلاً عن أن نسبة 8% لم يُقرروا بعد.