"الله يسمح لينا من الوالدين" نظر أحد رواد محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بأسف نحو سيدة اعتقلتها شرطة المحكمة، وهو يردد العبارة بحزن كبير، داخل قاعة الجلسات. كان يوميا ربيعيا معتدل الجو، لكن الحرارة داخل قاعة الجلسات كادت تحول محكمة الاستئناف إلى بركان مشتعل لكثرة الملفات.. طوابير السجناء مصطفة خلف أقفاص الاتهام تتمرد على الهدوء، وهي تطاول أعناقها علها تدقق النظر في أحبابها وعائلاتها التي حضرت الجلسة.. حركات رجال الشرطة تحاول ما أمكن ضبط النظام، وفرض سيطرتها على الوضع حتى لا تنفلت الأمور من بين أيديها. جلست عجوز أقصى يسار صف الكراسي الطويلة المصفوفة على يمين القاعة، كان جلبابها يوحي ببساطة عيشها، بدت وكأنها تحمل هموم الدنيا على كاهلها الواهن، تطأطئ رأسها المثقل بعشرات السنين. جلس المتهمون المتابعون في الملفات المعروضة أمام المحاكم تباعا في انتظار مثولهم أمام القاضي في الملفات التي يمر بعضها سريعا، خاصة الملفات التي انطلقت للتو، فيما تعمل الهيئة على وضع الملفات الجاهزة للنقاش والتي تأخذ وقتا طويلا في آخر الترتيب.. السيدة العجوز تلتفت بين الفينة والأخرى، وكأنها تنتظر لحظة مناسبة لفعل شيء ما.. يمرر الشرطي عينيه الحادتين كصقر أمريكي على الحضور، قبل أن يعيدها ويسلطها على أجساد وحركات السجناء. أتمت هيئة الحكم الملفات الأولى بسرعة وعجل، خاصة ملفات المتابعين في حالة سراح، قبل أن تمر إلى ملفات المعتقلين الذين تم إحضار أغلبهم من سجن "عكاشة" في وقت مبكر من يوم المحاكمة.. ثم شرع في المناداة على المتهمين المعتقلين على ذمة قضايا مختلفة كلها ذات الصفة الجنائية.. وبعد جلسات مضنية، والتعب الذي أصاب الجميع.. أمر القاضي بتأجيل الجلسة التي ما فتئت السيدة العجوز تراقب أطوارها بهدوء تام، رغم أن الانفعال ينفلت منها بين الفينة والأخرى. أنهى القاضي الجلسة، وهب رجال الأمن إلى إعادة السجناء إلى القبو التحت أرضي الخاص بالمحكمة، حيث يتم نقل المتهمين إلى السجن.. رفع رجال الشرطة من حدة صراخهم في وجوه السجناء الذين انهمكوا في الحديث مع أهليهم وذويهم.. حاولت العجوز أن تصل إلى ابنها الذي كان ينظر إليها والدموع تغالب عينيه، لكن شرطيا حال بينهما وهو يحاول السيطرة على الوضع.. لم تجد العجوز بدا من فتح معصمها والتطويح برزمة كانت قد أحكمت قبضتها عليها منذ دخولها قاعة الجلسات.. وقعت الرزمة أمام قدمي ابنها، لكن الشرطي انتبه للأمر، فحمل الرزمة التي تضم أوراقا نقدية، لتستنفر القاعة كل رجال الأمن. ارتفع صراخ رجال الأمن، ليتدخل القاضي الذي كان يهم بمغادرة القاعة، ويأمر باعتقال السيدة التي أخلت بالقانون، وحاولت مد ابنها بمبلغ مالي داخل القاعة، وهو الأمر الموجب للاعتقال، حيث من المفروض أن يتم عرضها أمام النيابة العامة في حالة اعتقال والتي تقرر المتعين في الأمر.