ما يحدث في مصر من مجازر وحشية، ضد المؤيدين للرئيس محمد مرسي، حرك شعور العديد من المثقفين من اتجاهات فكرية وإيديولوجية مختلفة، ومن جنسيات مختلفة. الباحث المغربي محمد الناجي لا يخفي ميولاته الماركسية، لكنه سطر موقفا واضحا تحت عنوان: «أنا إسلامي» ينتصر فيه لمشروعية المناداة باحترام نتائج صناديق الاقتراع والتظاهر في الشارع ومواجهة العسكر بشجاعة، وينتقد فيه حال الكثير من المثقفين الذين يتصرفون بانتهازية مفضوحة. المثقف المغربي أعلن انتمائه الإسلامي، إذا كان يعني معنى الدفاع عن الإرادة الحرة للناس ومواجهة تدخل الجيش في الحياة السياسية. مثل هذه المواقف تعكس قدرة المثقف على إدراك العمق الحقيقي للظواهر والتفاعل معها، بناء على اعتبارات مبدئية، تتجاوز الحسابات السياسية والإيديولوجية، وتتوقع المآلات التي ستنعكس على الجميع في المستقبل، وهو ما يفشل في رؤيته، عادة، السياسيون المتشبعون بنظرة حزبية ضيقة، من قبيل بعض الأحزاب التي دبجت بيانات تساوي فيها بين الضحية والجلاد وتعتبر المجازر التي تحصل في مصر هي مسؤولية الجيش والأمن والإخوان المسلمين..! عجيب. وتزيد بأن ما حصل يوم 30 يونيو من تدخل للجيش في الحياة السياسية هو «ثورة تصحيحية» لثورة 25 يناير!! لن نعيد ما قلناه سابقا بشأن «إنجازات» هذه «الثورة التصحيحية»... ونعود إلى مواقف بعض المثقفين التي تستحق الاهتمام. عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكيةبالقاهرة، أغرته دينامية الربيع العربي بالانخراط في الحياة السياسية المصرية، للمساهمة في بناء تيار ليبرالي حقيقي، وبالفعل انخرط بقوة وفعالية وترأس حزب مصر الحرٌية. بعد 30 يونيو سجل رفضه الصريح لاستدعاء الجيش إلى الحياة السياسية، كما سجل معارضته لتدخل الجيش لعزل محمد مرسي. تعرض لهجوم إعلامي خطير، بعد إدانته لإراقة الدماء وسقوط الضحايا على خلفية فض اعتصام رابعة العدوية، وبعد مطالبته بتحقيقات قضائية مستقلة لمعرفة الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن سقوط هذا العدد الكبير للضحايا، اتهم بأنه يمثل خلية إخوانية نائمة!!.. عمرو حمزاوي قرر اعتزال الحياة السياسية، بعدما سجل في مقاله الأخير، «شعوره بالغربة عن عموم الأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية الرافعة ليافطات الديمقراطية والمدنية والليبرالية والعدالة الاجتماعية، والتي روجت لاستدعاء الجيش إلى السياسة وقبلت المشاركة في ترتيبات ما بعد 30 يونيو غير الديمقراطية، وساندت بقوة المواجهة الأمنية الحالية، ولم تقف طويلا أمام انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان، مؤكدا «تبرأه كديمقراطي مصري من تنصل المحسوبين على الفكرة الديمقراطية من مبادئها وقيمها». مثقفون آخرون سجلوا مواقف قوية رافضة للانقلاب العسكري، من بينهم الصحافي المقتدر وائل قنديل، رئيس تحرير جريدة الشروق المصرية. الذي فوجئ بمنع مقاله الأخير «تسلم الأيادي»، وكتب مكانه العبارة التالية: «بناء على رأي المستشار القانوني للجريدة تم منع هذا المقال من النشر». وائل قنديل سجل مساندته لثورة 25 يناير، كما عبر عن انتقادات لاذعة لأداء الرئيس محمد مرسي، لكن بعد 30 يونيو سجل معارضته الشديدة لتدخل الجيش في الحياة السياسية، وظلت بوصلته هي مبادئ الثورة التي انطلقت يوم 25 يناير وأسقطت نظام حسني مبارك الذي يحاول الرجوع في ثورة مضادة هذه الأيام بدعم من الجيش. أحداث مصر أماطت اللثام عن كثير من المثقفين الذين باعوا ضمائرهم للشيطان وأعماهم العداء الإيديولوجي للإخوان عن رؤية الحقيقة. القضية أكبر من الإخوان المسلمين...القضية قضية شعب يتم إجهاض حقه في تقرير مصيره السياسي وحقه في العيش بكرامة وحرية. فلننتبه...