سبق وناقش البرلمان موضوع برامج الجريمة في التلفزيون، وكان مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة٬ طالب بمراجعة الإطار المنظم لعرض البرامج المرتبطة بالجريمة٬ حتى لا تنشأ حالة التطبيع مع الجريمة، بدأت منذ مدة قناة «ميدي1 تي في» في بث حلقات من برنامج مسرح الجريمة تتطرق إلى الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب، وأثارت تلك الحلقات احتجاج السجناء السلفية الجهادية وعائلاتهم، والسبب أن البرنامج قام بإظهار صور هؤلاء المحكومين في قضايا إرهابية دون أخذ موافقتهم أو إذن منهم أو من الجهات القضائية المختصة، ولم يراع خصوصيات الأشخاص المعنيين وعائلاتهم، الذين حسب قولهم تأثروا وعانوا من تبعات بث صور ذويهم، وهي واقعة غير منفردة أو معزولة. فقد سبق لهيئات من المجتمع المدني طالبت بتوقيف بث برامج الجريمة على التلفزيون نظرا إلى خطورتها على سلوكيات المجتمع، «اليوم 24» ستحاول معرفة هل هذه البرامج لها تأثير على المجتمع؟ وهل هناك قانون يمنع بث هذه البرامج؟ وما الهدف من وراء بث مثل هذه البرامج؟ شهادات المقدمين برامج الجريمة كانت غائبة على التلفزيون المغربي، ولكن ليس بعد الآن، لأن من حق المواطن اليوم الإطلاع على كل ما يجري، هذا ما قاله محمد السعدوني معد ومقدم برنامج «مسرح الجريمة» على قناة «ميدي 1 تي في»، مؤكدا أن الهدف من البرنامج هو توعية الناس وتحسيسهم، وليس التشهير بالمجرمين، وأن برامج الجريمة هي تجربة معمول بها في قنوات عالمية، خاصة الفرنسية والأمريكية، نافيا أن يكون برنامج «مسرح الجريمة» مشجعا على ارتكاب الجرائم أو مدرسة تلقن المشاهدين طرق ارتكاب الجرائم، بل يسعى إلى التنبيه إلى مخاطر الجريمة وتمرير رسائل مختلفة عنها، مقدما المثال بالحلقة التي خصصت لطريقة النصب المعروفة ب»السماوي» التي قال عنها إنها كانت سببا في انتباه العديد من المواطنين إلى الطرق التي ينهجها النصابون في هذا المجال، وهو ما أدى إلى تناقص الجرائم من هذا القبيل كما هو الشأن في إحدى الدوائر الأمنية بالدار البيضاء التي كانت مسرحا لجرائم النصب على طريقة «السماوي». وأوضح السعدوني أن البرنامج اعتمد في الموسم الأول على تنفيذ ما هو مدون في مساطر الضابطة القضائية، وتقديمها بشكل تلفزيوني مقبول، لكن في الموسم الثاني أخذ بعين الاعتبار الانتقادات التي وجهت إلى البرنامج حول بعض الهفوات التي ارتكبت بدون قصد، مشيرا إلى أن البرنامج كان يعتمد في السابق على المقاربة الأمنية بنسبة كبيرة، وقام بإحداث تغيرات على مستوى التصور والشكل الذي يقدم به البرنامج، من خلال إضافة الرأي القانوني والنفسي والاجتماعي عبر الاستئناس بآراء باحثين ومختصين في هذه المجالات. وعن الانتقادات الموجهة للبرنامج بخصوص عرضه لست حلقات عن الإرهاب، قال «إن البرنامج لا يتناول القضية إلا بعد أن يقول القضاء كلمته، وبالتالي، من حقنا أن نبث هذه القضايا مادمنا لا نصرح بالأسماء الحقيقية للمجرمين». من جانبه، يرى عبد الصادق بنعيسى، مقدم برنامج «ملفات بوليسية» على إذاعة ميدي1 أن برنامجه يقدم رسالة واضحة من خلال عمل يقدم القضية بالصوت، لتقريب المشاهد من الحدث، ومحاولا إيصال والإفادة والمتعة في الوقت نفسه، وزاد قائلا «نحن نقدم القصص من جانب إنساني واقعي، نحترم فيها عقلية المستمع، ولا نركز على أدق تفاصيل الجريمة، إذ لا نقدم الأسماء والأماكن الحقيقية، ونقول ذلك للمستمعين». وأضاف بنعيسى أن الهدف من برنامج ملفات بوليسية، هو نشر الثقافة التوعوية للوقاية من الوقوع في عمليات النصب والاحتيال وأساليب بعض المجرمين في تنفيذهم للجرائم. ومساعدة الناس على توخي الحذر وتحصين أنفسهم، وليست بأي بشكل من الأشكال وسيلة لحثهم على ارتكاب الجرائم. لا قانون يمنع البث ليس هناك نص صريح يمنع بث هذه البرامج وعرض قضايا إجرامية في الإعلام، حسب المحامية عتيقة الوزيري، وتضيف أنه على معدي هذه البرامج أن يكونوا حذرين في التعامل مع القضايا المعروضة على المحاكم، مخافة السقوط في بعض الأفعال المخالفة للقانون، خاصة إذا كانت القضايا والجرائم المتناولة لازالت معروضة على المحاكم ولم يصدر فيها حكم نهائي وما يترتب عن ذلك من التأثير على جسم العدالة أو التأثير على سرية التحقيق أو التشهير بالأشخاص والأظناء قبل صدور حكم نهائي بالإدانة. والمشرّع منح للمتضرر من هذه البرامج إمكانية اللجوء إلى المحاكم للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المعنوية خاصة التي تصيب الشخص من جراء تقديم هذه البرامج كالتعويض عن الحق في الصورة مثلا في حالة نشر صورته بدون إذنه، أو التعويض عن التشهير به في حالة ذكر اسمه بدون سند قانوني وغيرها من الأفعال التي قد تضر به أو بأسرته. برامج تحت قبة البرلمان سبق وناقش البرلمان موضوع برامج الجريمة في التلفزيون، وكان مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة٬ طالب في معرض رده على سؤال شفوي بمجلس النواب، بمراجعة الإطار المنظم لعرض البرامج المرتبطة بالجريمة٬ حتى لا تنشأ حالة التطبيع مع الجريمة، وقال إن الإعلام العمومي لا يجب أن يتورط في مثل هذه البرامج التي تقدم المجرمين كأبطال، مما يؤدي بشكل أو بآخر إلى تنمية ثقافة الجريمة والتطبيع معها. وأبرز أن عددا من القنوات العمومية بذلت جهدا لتطوير هذه البرامج لتلعب دورا تربويا من أجل التحذير من الجريمة والتنبيه إلى مخاطرها٬ وإبراز جهود الأمن في هذا الصدد. وأشار إلى أن طرح هذا الموضوع يأتي في ظل نقاش عمومي حول الأخلاقيات التي ستؤطر هذا النوع من البرامج «لأن مصلحة المجتمع فوق كل اعتبار». وأضاف أن «برامج الجريمة عليها طلب» ٬ غير أنه لا يجب أن تكون مؤطرة بأهداف تجارية وأن لا تعمم تقنيات الجريمة (إعادة تشخيص الجريمة) وتقدم المجرمين كأبطال، متابعا أن هذا يثير نوعا من الإثارة، ولكن لا يجب أن يكون على حساب أمن المجتمع والحقوق وحرمات الناس. آثار على نفسية المشاهد يرى فؤاد بلمير أستاذ في علم الاجتماع أن تقديم برامج الجريمة يجب رؤيته من زاويتين، زاوية إيجابية «أن هذه البرامج تحاول تحذير الناس في إطار مكافحة الجريمة وليس تطويرها واستقطاب مجرمين جدد»، والزاوية السلبية «أن مثل هذه البرامج قد تساعد في تشجيع الجريمة»، وأضاف بلمير أنه على من يقدمون مثل هذه البرامج أن يضربوا ألف حساب لما سيتم بثه على شاشة التلفاز أو عبر أثير الإذاعة، ويكون على دراية بالحالة النفسية والاجتماعية بالبيئات المهيئة لإنتاج المجرمين الجدد من المراهقين أو الكبار لأنه بإمكان وسائل الإعلام عموما، والمرئي منه على وجه الخصوص وضع الحقائق بين أيدي الناس وذلك من خلال عرضها للآثار السلبية التي تلحق بالفرد والمجتمع. وأشار بلمير إلى أن أخبار الإجرام والمجرمين تتنقل بين الناس باعتبارها شيئا مثيرا وتختلف طريقة نقل هذه الأخبار من شخص لآخر حسب اختلاف مستوياتهم العمرية والمعرفية والطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها. من جهته، قال الدكتور محسن بنيشو، المختص في علم النفس والجنس، «أنا أنصح مرضاي دائما بالابتعاد عن مشاهد العنف»، مبرزا أن الإنسان يعيش عنفا دائما، سواء داخل الأسرة أو غيرها. وذكر المختص في علم النفس والجنس أن «الاستمرار الدائم في متابعة مشاهدة العنف في الأخبار، والأفلام، والبرامج، يخلق نوعا من الإدمان، وزاد مفسرا ،»تعرض يوميا مشاهد برامج الجريمة يؤثر بشكل سلبي على المواطنين، خاصة الذين يعانون أصلا من الفوبيا، والقلق الدائم، والاكتئاب، وغيرها من الأمراض النفسية». وأكد الدكتور بنيشو على أن «القنوات التلفزيونية يجب أن تلعب دورا إيجابيا عبر تقديم مشاهد ترفع الحالة النفسية للمواطنين بشكل إيجابي»، وإذا كانت القنوات سوف تعرض برامج فيها عنف أو جريمة فلابد من الرجوع لمختص في علم الاجتماع والنفس لإبراز الجانب النفسي للمجرم.