هل تساءلت يوماً كيف يتواصل الجهاديون والقائمون على التنظيمات الإرهابية بعضهم بعيداً عن أعين الأجهزة الاستخباراتية حتى الآن؟ من المؤكد أن ذلك لا يتم عبر حسابات تويتر وفيسبوك، والتي يمكن ببساطة اختراقها وتحديد مواقعهم أينما كانوا، خصوصاً في ظل الصراعات التي تدور بينهم على الساحة الرقميّة، فما هو سرهم؟ بما أن هذه التنظيمات تعمل بعيداً عن النور، فإنها تلجأ إلى الجانب المظلم من الانترنت، ذاك المكان الذي يقع خارج سيطرة الحكومات، ويشكل شبكةً متكاملةً غير خاضعة للسيطرة وهي ال "دارك ويب (Dark Web)". لا تستخدم "الشبكة السوداء" المتصفحات العادية التي تعرض من محتوى الانترنت سوى القشرة الخارجية، بل تسخر أنظمةً معقدةً تسمح لمستخدمها أن يسرح ويمرح دون حسيب أو رقيب. في هذا العالم المظلم يتم استخدام برامج ومتصفحات خاصة ك Onion – Tor، التي يدخل عبرها المستخدم عالماً مرعباً، والجزء الأكثر إثارة للرعب هو ال "ديب ويب – Deep Web"، أو الانترنت العميق، الذي يحوي كل ما يخطر على البال من الممنوعات. مع أو ضد ال "دارك ويب"؟ يمكن لأي شخص الولوج إلى ال "دارك ويب"، ولا يمكن نفي الجوانب الإيجابية له، حيث يؤمن تواصلاً كامل السريّة للمستخدمين الذين يعيشون في بلدان تحكمها أنظمة قمعية، وذلك من أجل التواصل وتبادل المعلومات مع الخارج، ككوريا الشمالية والصين وسوريا. وسبق للناشطين في الثورة السورية أن لجأوا ل "دارك ويب" للاختفاء عن عيون قوى الأمن، حتى أن الناشط السوري دلشاد عثمان أكد أنه لولا هذه التقنية لما حصلت الثورة في سوريا. لكن الجانب المظلم من ال "دارك ويب" مرتبط بكل ما هو غير قانوني، إذ يمكن الحصول على أي شيء. على سبيل المثال، تأسس موقع "طريق الحرير" في العام 2011، وهو متخصص بتأمين الممنوعات كالمخدرات والأسلحة وحتى تجارة الرقيق الأبيض. ألقي القبض في العام 2013 على مؤسسه ليغلق نهائياً في العام 2015، إلا أن عدداً من المواقع البديلة ظهرت فوراً لتلبية الطلبات على المخدرات وغيرها. يعيش في قاع الانترنت كذلك مواقع مرتبطة بالطقوس الشيطانيّة وجرائم القتل، وصولاً للأكثر شناعةً، وهي مواقع التحرش بالأطفال، والتي ينشط أصحابها ويطالبون من قبل القائمين عليها بأن ينشروا ممارساتهم ضمن الموقع. تعتبر ال "دارك ويب" متطورةً لدرجة أنها تمتلك عملةً خاصة يمكن أن تُشترى وتتبادل وتسمى ال "بيت كوين". تتم التعاملات المالية المرتبطة بالحسابات البنكية للمستخدمين بصورة سريّة، وتعتبر موثوقة إذا كان الموقع على ال "دارك ويب" الذي يتعامل معه المستخدم موثوقاً، وإلا قد يتعرض للاحتيال. الانترنت والأعمال الإرهابيّة بالرغم من المحاولات الدائمة من قبل أمن المعلومات في البلدان المختلفة لتحديد أماكن المخدّمات وإغلاق المواقع والقائمين عليها واعتقالهم، فإن الجانب الأخطر لل "دارك ويب" مرتبط بالتنظيمات الجهادية، التي تستخدمه للتواصل ونقل تفاصيل العمليات وإحداثياتها. وحالياً يعج موقعي فيسبوك وتويتر بحسابات وهمية وحقيقية لإرهابيين وجهاديين وتنظيمات مسلحة، إلى جانب منتديات متنوعة، لكن التواصل بين التنظيمات في مختلف أنحاء الأرض لا يتم عبرها، أو على البريد الالكتروني والوسائل "التقليدية"، بل تلجأ التنظيمات إلى مواقع ومنصات خاصة بها تقوم بتغييرها بانتظام أو قرصنتها. ومؤخراً قامت مجموعة "انونيمس Anonymous" بقرصنة أحد المنصات الخاصة بتنظيم "داعش"، والتي تبين أنها مزيفة، لكن لاحقاً وإثر هجمات باريس هذا العام، تمت أيضاً قرصنة موقع آخر لهم من قبل المجموعة ذاتها واستبداله بمنصة لبيع مضادات الاكتئاب والمقويات الجنسيّة. إلا أن تنظيم "داعش"، وبعد إغلاق الموقع، غير النطاق الذي يستخدمه، بل ونشر تعميما على ال "دارك ويب" يفيد بتغيير الموقع الجديد ومعلومات التواصل بعنوان "إصدارات الخلافة" وتم تعميم الموقع الجديد. وحسب الكثير من التصريحات والأبحاث، فإن هناك قسماً خاص في تنظيم "داعش"، مسؤول عن التواصل واستخدام ال "دارك ويب" بصورة احترافية تحمي تنظيم "داعش" من الملاحقة والاختراق وتأمين تبادل المعلومات والتمويل، وهذا ما تحاول الاستخبارات الأميركية التصدي له، وخصوصاً أن هناك العديد من الملفات النصية التي تشرح كيفية التبرع لتنظيم "داعش"، وتتحدث الملفات عن أهمية التبرع للجهاد ويشرح آلية تحويل النقود عبر ال "دارك ويب". خلال العقد الماضي، لم يقتصر النشاط الإرهابي في ال "دارك ويب" على المواقع والمنتديات والمواقع البديلة التي بالإمكان استبدالها في حال تعرض المصدر الرئيسي للقرصنة أو الإغلاق، بل قام المبرمجون التابعون لهذه التنظيمات بتصنيع برامج خاصة للتشفير أشهرها "أسرار المجاهدين"، والذي صدر منه الإصدار الثاني في العام 2008 وأُلحق بالبرنامج تطبيق للتراسل الفوري عبر الهواتف النقالة. وفي العام 2013، أصدرت "لجنة الفجر التقنية" تطبيق "أمن المجاهدين" في سبيل تأمين اتصالات المجاهدين وتبادل الإحداثيات وتفاصيل العمليات بينهم بشكل آمن. الجهود الدولية تحاول العديد من الدول إحكام السيطرة على العالم الذي تحويه ال "دارك ويب"، وبالرغم من شبه استحالة ذلك، فإن أفرع أمن المعلومات وغيرها تسعى دائماً لتتبع ما يحصل داخل هذه الشبكة. وتأسست مؤخراً "القوات الخاصة لمكافحة الجرائم الرقمية" في الاتحاد الأوروبي، وذلك بدعم من مركز الجرائم الرقمية الأوروبيّة، والتي تسعى لمكافحة الجرائم والنشاطات المشبوهة في أوروبا وغيرها من البلدان كالولايات المتحدة بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالية والأمن الوطني. في واقع الأمر، لا يمكن الجزم بجدوى الجهود الممارسة للسيطرة وملاحقة ما يحدث في ال "دارك ويب"، لأنها حقيقة عالم لا يمكن السيطرة عليه، فهي أشبه بقارة غير متكشفة.