بنكيران ظاهرة سياسية، وآلة تواصلية، وقوة خطابية، وزعامة فرضت نفسها اليوم.. هذه حقائق لا يختلف حولها خصوم بنكيران كما أصدقاؤه.. هو رجل مثير للجدل طبع مرحلة سياسية بأكملها، بما له وما عليه. هو رئيس أول حكومة بعد الدستور الجديد والربيع الجديد والوعود الجديدة بالإصلاح والتغيير… عندما يفرح يطلق نكتا وضحكات لا تخلو من رسائل سياسية. عندما يغضب يخرج أسلحته الثقيلة في وجه خصومه، ويبدأ في إطلاق النار، يتحدث بأكثر من لغة إلا لغة الخشب.. سيرة بنكيران صارت اليوم على كل لسان، فهناك من يحبه وهناك من يكرهه، وهناك من يقف في الوسط بين الحب والكره، يتفق معه ويختلف حسب الظروف والأحوال، لكن الجميع يتابع خطبه، قراراته، معاركه، خرجاته، وحتى صمته صار يؤول اليوم في الساحة السياسية، وتعطى له مبررات ودلالات… للاقتراب أكثر من بنكيران الإنسان، نخصص هذه السلسلة الرمضانية للحديث مع الرجل الثاني في الدولة على لسانه، وبالرجوع إلى ذاكرته هو دون وساطة أو توسط.. بعيدا عن السياسة، قريبا من بنكيران المواطن، والغرض أن نفهم زعيم العدالة والتنمية أكثر، أن نعيد قراءة سيرته، ومراحل تشكل وعيه، وتضاريس الواقع الذي أحاط به. إنها سلسلة للاقتراب أكثر من هذا الذي صار سيرة على كل لسان.. لنتابع… إلى جانب القيادي النقابي والاتحادي نوبير الأموي، الذي صادفه عبد الإله بنكيران في طفولته كأستاذ للتعليم الابتدائي درّسه اللغة العربية، كانت فترة الستينات والسبعينات تتّسم بغليان سياسي كبير، خاصة في مدينة الرباط. هذه الأخيرة كانت ساحة للنضال والصراع القوي بين أحزاب الحركة الوطنية والسلطة، وبين المكونات الحزبية في ما بينها، وكبريات الشخصيات السياسية الوطنية كانت تطبع شوارع ودروب الرباط بتحركاتها الميدانية. «أول شخصية اتحادية كبيرة التقيتها كانت هي السي الطيب بناني، وكان شخصية محترمة جدا، وكان مديرا للمدرسة المحمدية للمهندسين، أما الآخرون مثل اليازغي وبنجلون وغيرهما فلم أعرفهم إلا لاحقا»، يقول عبد الإله بنكيران، ثم يضيف: «في المقابل، عرفت سي علال الفاسي، وأذكر أنه استقبلنا مرتين أنا وسي محمد الساسي، فقد كنا نتردد على مقر حزب الاستقلال حيث يوجد مقر جمعية اسمها الشبيبة المدرسية كانت تنظم بعض الأنشطة، وفي مرتين استقبلنا علال الفاسي في مكتبه بالمقر المركزي». يقدّر عبد الإله بنكيران سنّه في لقائه الأول بعلال الفاسي، بحوالي 16 سنة، حيث كان يتردّد على المقر المركزي لحزب الميزان رفقة صديقه محمد الساسي. «لقاؤنا الأول به كان في العام 1972. لا أذكر ما كان يدور بيننا وبين علال الفاسي رحمه الله من أحاديث، لكنني أذكر جيّدا أنني لاحظت أن يده رقيقة بزاف، كما أذكر أن الساسي كان يحدّثه ويقول إنه اتحادي، معبرا عن اعتزازه بذلك». تعليق يتذكر من خلاله بنكيران أن مشاركته في أنشطة الشبيبة الاشتراكية وحضوره بعد التظاهرات، كان يعكس قربه منهم، دون أن يصل ذلك إلى درجة الانتماء والانخراط الفعلي، لانزعاجه من مواقفهم وخطابهم السياسي تجاه ما هو ديني. «في مكتب آخر في الطابق السفلي من مقر حزب الاستقلال، كان يوجد مكتب يشغله محمد سعد العلمي، سفيرنا الحالي في مصر، وكنا نزوره فيه عدة مرات، ومن بين من كان يتردد عليه سميرة بنسعيد، المغنية الشهيرة. كان والدها استقلاليا وكانت ترافقه إلى مقر الحزب، وفي أحد الأيام جلست معنا في مكتب سعد العلمي، ونحن أول من سمع أغانيها وهي مازالت صغيرة، وقبل أن تظهر في الإذاعة والتلفزيون، حيث كانت تغني هناك في مقر حزب الاستقلال، وقد حضرت ذلك مرة أو مرتين، فاستمعت إليها واستمتعت قبل أن يعرفها الجمهور».