اعتاده القراء والباحثون أستاذا أكاديميا متخصصا في أكثر المواضيع حساسية وتعقيدا. يطرح الأسئلة المقلقة، ويسائل التاريخ البعيد والقريب من زاوية الأنتربولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ، وهو المنطلق من تخصص اقتصادي. كتب عن «العبد والرعية» في أحد أشهر كتبه، وأشرف على كتاب نشره مجلس الجالية المغربية في الخارج يشرح معاني أسماء الله الحسنى ويكشف جماليتها. شرّح «المخزن» في منطقة سوس الأقصى، ووضع العبودية تحت المجهر في علاقتها بالإسلام. هو حاليا أحد أكثر الكتاب والمفكّرين نشاطا وحضورا في الشبكات الاجتماعية، في تدوينات شبه يومية تعلّق وتنتقد وتفسّر. هذا الركن فسحة جديدة ل«تدوينات» مختلفة، ترصد تحوّلات الواقع بعين محمد الناجي. عاد نقاش الهوية بقوة إلى الواجهة في الفترة الأخيرة، من خلال مجموعة من المواضيع التي أثارت خلافات عديدة مثل موضوع الإجهاض والفن والسينما، فأين يمكن أن نموقع هذا النقاش؟ هل يندرج في إطار المجال السياسي أم المجال الاجتماعي وتحولاته؟ هذا سؤال وجيه، لأنه يزيل الحجاب عن مختلف السبل المعقدة التي يتدخل السياسيون من خلالها في مجتمعنا، فانطلاقا من موضوع الإجهاض، ومرورا بمختلف الأمور المرتبطة بالفن (كالفيلم السينمائي حول الدعارة ونقل سهرة جنيفر لوبيز)، نلاحظ كيف أصم السياسيون آذانهم، ولعل هناك أسبابا عديدة وعميقة وراء ذلك، ترتبط بقوّة بأهمية أشكال التحول الاجتماعي. فالسياسيون بمختلف مشاربهم، إسلاميون أو غير إسلاميين، يسعون إلى حصر نقاش هذه المواضيع خارج الحقل السياسي، ويتظاهرون بالاهتمام بها عن طريق إثارة صداها داخل البرلمان، مسندين إياها إلى الفاعلين الاجتماعيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي بوجه خاص. لا يمكننا بأي حال من الأحوال إغفال هذا الرفض الواضح للخوض في أي نقاش، فهم يديرون ظهورهم لهذه المواضيع مصرّين على عدم تحويلها إلى مواضيع سياسية، فنطرح السؤال: لماذا؟ إذ يبدو أن هذا الأمر تكمن وراءه أسباب عديدة: ففي البداية، يبدو أن هناك انفصاما تاريخيا بين ما هو ثقافي وكل ما هو اقتصادي واجتماعي، فقد تم إبقاء الثقافة خارج كل الإصلاحات، خاصة ما يرتبط منها بالمجال الديني، وتمّ التصرف كما لو كانت ثقافتنا جامدة لا تتطور، وأعطي الانطباع على أننا مجتمع ظل منسجما مع ذاته ومع معتقداته ومع كل ما يرتبط بأصالته. ولم توضع هذه الأشياء موضع تساؤل، ولم يتم تقصّي أسسها الجوهرية. لكن الواقع كان مختلفا تماما، إذ شهد المجتمع تغيرات كبيرة في بنياته وتمثلاته. هذا التغير البطيء والثابت تولد عن طريق المدرسة، والتحاق الفتيات خاصة بالتعليم وحركة الهجرة، وتأثير التلفزيون، وبشكل أكبر الأنترنت. كل ذلك أدى إلى كسر الأقفال، فاضطربت أنماط السلوك، خاصة في ما يتعلق بالحب والجنس، لكن دون أن ينعكس ذلك على الخطاب السائد حول الثقافة والدين على وجه الخصوص. ويبدو أن هذا التطور الذي يجري في تكتّم، لن يحتفظ بعذوبته طويلا، فقد برز فجأة في العلن بمجرّد ما سنحت الفرصة لذلك، ووجد القنوات المناسبة للخروج للضوء، لأنه أصبح أكبر من الحجم الذي قد يبقيه صامتا، وذلك بظهور الشبكات الاجتماعية و«يوتوب»، فبرزت حقائق جديدة، وأصوات عديدة خرجت لتكشف عن نفسها، لأنها أصبحت قادرة على التعبير عن نفسها والجهر بما تشعر به. وقد أصبحت الشبكات الاجتماعية تشكل نوعا من «حجاب الحياء»، الذي يسمح بالتعبير عن أشياء تعتبر اجتماعيا «قلة حياء»، فقد سمحت لهذه الأشياء بالخروج للعلن. ومن خلال هذه الوسائط أصبح بإمكان الرغبات أن تعلن نفسها دون أن تتعرّض للعقاب، وأضحى تجاوز حيز الممنوعات يتم دون خوف، ونستحضر هنا قصة القبلة الفيسبوكية. ما يمنح هذه الشبكات الاجتماعية قوة كبيرة هو تأثيرها في الحشود، لكونها تعبّر عن موقف جيل بأكمله. هي موجة تتجاوز الرأي التقليدي وتضايق الصور النمطية الجاهزة، والتوافقات غير المعلنة. هذا التضييق على الممنوعات الاجتماعية كان موجودا بالفعل في الواقع، لكن الجديد يكمن في خروجه من السرّية إلى العلن. فالخطاب الناعم والتقليدي أصبح منكسرا في هذه الشبكات الاجتماعية، وهذا أمر كان منوطا في الأصل بالكتاب والشعراء والرسامين والفنانين، أي مهمة كشف المسكوت عنه، ومساءلة خطابات أصحاب النوايا الحسنة. الشبكات الاجتماعية تمثل ثورة من خلال هذا المنظور، لأنها مكنت الشخص العادي من إبداء رأيه، ومساءلة ما ظلّ إلى وقت قريب من اختصاص الفنانين مساءلته. لقد أصبح بإمكان الحشود أن تشارك في المسائل التي كانت حكرا على الكتاب والفنانين، وما كان يحدث سابقا في الهامش ويعبر عنه الكتاب، أصبح اليوم فعلا اجتماعيا، ويتمركز في قلب الحياة، ويظهر أمام الجميع وبشكل فوري، باستثناء السياسيين الذين اتخذوا مسافة بعيدة إزاء كل هذه النقاشات لأسباب عديدة، أولها وأهمها أنهم يفتقرون إلى الوسائل الضرورية للتعامل مع هذه الشبكات الاجتماعية، ولا يتوفرون على وسائل المراقبة والقمع الإيديولوجي لإسكات الأصوات المعارضة. فوسائلهم تبدو متجاوزة وعفى الزمن عليها. أما السبب الثاني، فيكمن في كونهم أصبحوا متجاوزين، حتى أصبح الواقع الذي ينكرون حقيقته يُقذف في وجوههم، وبالتالي، اكتشفوا الفجوة التي تفصلهم عن مجتمعهم، وخاصة عن الشباب، لهذا يحرصون على البقاء داخل الحقل السياسي، حيث لا تلج النقاشات التي يخشونها، وبالتالي، يبقى الخطاب الكلاسيكي الذي تم اجتراره دائما، مطمئنا لهم، لا يحمّلهم عناء كبيرا، ويجيدون التعامل من خلاله.