تعيش المنطقة الإقليمية والدولية أزمات كثيرة يصعب فهمها وإدراك أسبابها، هنا يأتي دور الإعلام ليسلط الضوء من جهة على هذه الأزمات ويحاول تقديم إجابات حول الأسئلة المتعلقة بها، دون أن يكون طرفا يوجه لصالح الفاعلين في هذه الأزمات. تلك هي الإشكالية التي التأم باحثون وإعلاميون من داخل وخارج المغرب، الاثنين الماضي، بتطوان من أجل مناقشتها وتحليلها من خلال ندوات ومحاضرات تستمر لثلاثة أيام. الدرس الافتتاحي للمؤتمر الثامن للإعلام والاتصال ألقاه مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية عبد الله ساعف، حول: «دور مراكز التفكير والبحث في توصيف الأزمات». وقال ساعف إن مراكز البحث تقوم بعملية تشخيص دقيقة وعلمية للأزمات كيفما كان نوعها، وهي تحاول أن تفهم بشكل أعمق ما يقع من أزمات، كما أن بإمكانها أن تستشرف المستقبل. وأوضح مدير المركز أن هذا الأمر يحتاج إلى إمكانيات وقدرات بشرية وعلمية ومهنية من أجل تقديم مقترحات، تساهم وتساعد في حل الأزمات «وهذا هو الدور الذي تعلبه مراكز البحوث الجادة»، يقول ساعف. وأشار ساعف إلى أن هناك عددا من مراكز البحوث التي تختلف منهجيا في معالجتها للظواهر والأزمات، وهذا راجع إلى مرجعيتها واستقلاليتها عن مراكز القرار. بالمقابل، أشار ساعف إلى أن المغرب يتوفر على قدرات بحثية جيدة ينبغي استثمارها وتطويرها لتساهم من جهتها، في تقديم حلول ومقترحات لمختلف الأزمات والمشاكل سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. من جهته، اعتبر عبد السلام أندلسي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث في وسائل الإعلام والاتصال المشرف على تنظيم أشغال المؤتمر الدولي الثامن لصناعة الإعلام والاتصال، والذي يناقش إشكالية «الإعلام في زمن الأزمات»، في مداخلته الافتتاحية أن «الربيع العربي» أفرز أدوارا سلبية صار يلعبها الإعلام، مما تسبب في حالة من الفوضى والخلط لدى المتلقين. وهو الأمر الذي يحتاج، في نظره، وقفات تأمل ودراسة من قبل الباحثين. وأوضح أندلسي أن هذا المؤتمر يعد فرصة لتبادل وجهات النظر حول تعاطي الإعلام العربي مع هذه الأزمات التي تشهدها بعض الدول، ومدى تأثيره سلبا أو إيجابا في صناعة هذه الأزمات. أما الباحثة في جامعة الإمارات، ثريا السنوسي، فقد قالت إن «زئبقية مفهوم الأزمة يحتم علينا أن نتسلح بجهاز إصلاحي فعّال، بواسطته يمكن أن نتحسس جوهر الظاهرة، وكنهها وملابساتها وتداعيتها دون لبس أو ضبابية». وأضافت الباحثة، التي كانت تتحدث خلال مداخلة تحت عنوان: «عندما يصبح الإعلام شريكا في صناعة الأزمات»، أن هذا العصر بات مستداما للأزمات، مما يتطلب معه استراتيجية فعالة لإدارة الأزمة ومعالجتها مهنيا وأخلاقيا، دون أن يكون الإعلام منحازا لهذا الطرف أو ذاك. من جهته، تحدث عصام سليمان، الأستاذ في كلية الإعلام بالأردن، عن المسار التاريخي للأزمات التي عاشها الوطن العربي، مؤكدا أنها أزمات إعلامية متلاحقة وقد أخذت تتفاقم بعد تطوير تكنولوجيا اتصال قوية، رقمية عابرة للحدود تستهدف الذات والهوية. وقال الأستاذ الجامعي إن هذه الأزمات ارتبطت بمحاولة العرب تحقيق الاستقلال والانفكاك عن القوى الخارجية غير العربية المسيطرة. من جانبه، قال الإعلامي المغربي يونس امغران في مداخلته أن الإعلام بات أكثر عرضة للأزمات، مما يهدده بفقدان مكانته الواقعية والأدبية والرمزية، داخل المجتمع، وأضاف «عندما يعيش الإعلام أزمة ضمير وأزمة أخلاقيات نكون إزاء إعلام متأزم ذاتيا وعاجز عن المساهمة في تكريس مسار للإصلاح في مواجهة الفساد، وفي رفع التحدي على المستوى التنموي وعلى الصعيد الحضاري». ولامست باقي المداخلات أبرز الإشكالات التي يعانيها الإعلام في تعاطيه مع الأزمات الحالية، كما قدمت نماذج حول ذلك، كتعاطي الإعلام مع قضية «شارلي إيبدو»، وأيضا الحروب التي تقع في سوريا واليمن وليبيا. هذا، ويسعى المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أيام إلى إبراز الدور المؤثر للإعلام ووسائط الاتصال في نقل الأزمات التي شهدتها العديد من الدول العربية، ودورها في التأثير على الرأي العام ومساهمتها في اتخاذ المواقف والقرارات وإيجاد الحلول الممكنة. ويتضمن برنامج المؤتمر الثامن تنظيم ندوة حول: «أزمة الثقافة العربية في الوطن العربي» و»المقومات الأساسية لتدبير الأزمات»، و»الأزمات العربية في الإعلام الدولي»، و»المواطنة والإعلام في زمن الأزمات»، إلى جانب مواضيع «الإعلام العربي والتحديات الثقافية المعاصرة» و»تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في قطاع الإعلام». وعلى هامش المؤتمر يوجد معرض للصور والوثائق والجرائد التاريخية التي تؤرخ للبدايات الأولى لظهور الصحافة المكتوبة في شمال المغرب، خلال بداية القرن الماضي، وتطور فن الطباعة بشمال المملكة، كما تؤرخ لعطاءات أبرز رجالات الصحافة في المغرب وروادها الأوائل، الذين اعتبروا القلم الصحافي رمزا من رموز الوطنية وسلاحا فكريا ومعنويا لمواجهة الاستعمار.