الرابحون.. الملكية والبيجيدي لم يكن عبد الإله بنكيران يحب حركة 20 فبراير، ولم يكن الناشطون أيضا يكنون له الود أيضا، ولطالما تعرض بنكيران، وهو آنذاك أمين عام حزب العدالة والتنمية، لكثير من الانتقادات بسبب موقفه المعارض للتظاهر. في اليومين السابقين ل20 فبراير، قرر بنكيران أن يمنع بصفة رسمية، عبر بلاغ، أعضاءه من المشاركة في المظاهرات، لكن ذلك لم يمنع بعضا من قياديي حزبه من الظهور في الصفوف الأمامية للمظاهرات. كان هنالك المصطفى الرميد وعبد العلي حامي الدين، وجزء من شبابه المتحمس للأهداف نفسها من الناشطين في 20 فبراير. وكان موقف «البيجيدي» متماهيا مع موقف حركة التوحيد والإصلاح، وكما أعلن وقتها امحمد الهلالي، أحد نواب رئيسها، فقد «تقرر عدم المشاركة في الحراك دون توضيح أسباب ذلك. الحركة لم تكن ضد مبادرة 20 فبراير، لكن توجسنا من المآلات التي قد تفضي لها المبادرة، وكان رأينا أنه من السابق لأوانه الاحتكام إلى الشارع لفرض التغيير». في يونيو 2011، كان بنكيران يعزز موقف الدولة في حث الناس على التصويت على الدستور المراجع في تازة، لكن شبابا من 20 فبراير واجهوه هناك بشعار: ارحل، وهو الشعار نفسه الذي واجهوا به شخصيات من دائرة السلطة، لكن بنكيران أعلن بكل سخرية أنه لن يرحل. وقد كان ينظر إلى الناشطين وحراكهم دوما وكأنهم «زمرة من الطبالين والزمارين»، وقد كرر ذلك كثيرا في تجمعات لحزبه. ومع ذلك، لم تكن معارضة بنكيران لحراك 20 فبراير كلية، لأنه استثمر مضامينها لتكوين خطاب سياسي، فقد أعلن غير مرة أن الملك يجب أن يتخلص من مقربيه الذين يسيئون إليه. وبعد الحراك بتسعة شهور، فاز بنكيران بالانتخابات البرلمانية، مستعملا الشعار الرئيس لحركة 20 فبراير: ضد الفساد والاستبداد. وظهر حزب العدالة والتنمية كمستفيد أساسي من الحراك بالرغم من وضعه مسافة بينهما. وحتى وهو رئيس حكومة، لم يتوقف بنكيران عن استعمال مضامين حراك 20 فبراير، بل وكان يقدمه دوما كفزاعة حينما يشعر بالاختناق بسبب ضغط خصومه، وفي إحدى المرات في 2012، أعلن صراحة أن «الربيع يدور، ويمكنه في أي وقت أن يعود». كان بنكيران متوجسا من الحراك، كما يشير محللون، لأنه لم يكن يعرف إلى أين قد يصل الناشطون بتظاهراتهم، وكان يكتفي بمراقبتهم من بعيد، ولذلك كان يلخص ما وقع في قول: «إن 20 فبراير سخنت الطاجين المغربي لكنها لم تحرقه». الملكية أيضا خرجت قوية من حراك 20 فبراير، وبالرغم من أن الكثير من الناشطين كانوا ينظرون إلى خطاب 9 مارس كعلامة ضعف، إلا أن النظام الملكي خطط بذكاء لما سيفعله إزاء الربيع المغربي، وكما يحلل عبد الرحمان رشيق، وهو سوسيولوجي خبير في الحركات الاحتجاجية، فإن الخطاب المبكر ل9 مارس كان عملية استباقية لما قد يحدث، وكان صيغة مغربية لاحتواء أي توسع مفترض للمشاركين في المظاهرات. نجحت الدولة في أن تجيز الدستور المراجع بنسبة تصويت معقولة في يوليوز 2011، ثم تركت الانتخابات تُدار بمنسوب أكبر من النزاهة، ونجح الإسلاميون (حزب العدالة والتنمية) في الفوز بنتائجها. وشيئا فشيئا، عاد الملك، بالرغم من تخففه من بعض صلاحياته قبل الحراك، إلى الواجهة بعد تشكيل الحكومة، وأصبح رئيس حكومته، عبد الإله بنكيران، مدافعا صلبا عن الملكية وصلاحياتها، وولجت المؤسسة الملكية وسائط الاتصال الاجتماعي، وكسبت شعبية كبيرة بين الشباب. وبعد أربع سنوات من الحراك، يذهب محللون سياسيون إلى أن الملكية خرجت أقوى من الحراك، لأنها قدمت تنازلات خلاله، قبل أن تعود لتفرض نفسها مرة أخرى. الخاسرون.. «البام».. ضربة لم تقتل لكنها أوجعت! قبل 2011 ببضعة شهور، لم يكن هنالك شيء يستحق الانتباه في المغرب غير القوة الصاعدة لحزب الأصالة والمعاصرة، وقد حشد جيشا من الأعيان يساعدونه على تشكيل قوة سياسية كبيرة. في 2007، غادر فؤاد عالي الهمة وزارة الداخلية وكسب مقعده في مجلس النواب بعدما ترشح في دائرة الرحامنة، ثم شرع في حصد المكاسب، فشكل فريقا من البرلمانيين بسرعة البرق، ثم أطلق حركة لكل الديمقراطيين، وجمع من حوله جمعا من اليساريين الراديكاليين القدامى، إضافة إلى الأعيان المتلهفين إلى السلطة والمكانة. وفي 2009، أعلن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، وتحول إلى جرار في الانتخابات الجماعية. كانت المشكلة المطروحة وقتها، كما صاغها أطر حزبيون رئيسيون في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعدالة والتنمية، تتمثل في إعادة تشكيل صيغة منقحة من «الفديك» (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية أسسها أحمد رضا اكديرة في عقد الستينات) كوسيلة للتحكم في الحقل السياسي، وكان من الواضح أن هذا الحزب لديه قدرة على تطويع مؤسسات الدولة لصالحه، وبشكل أخطر، ضد خصومه، وهنا كان الهدف الرئيس هو حزب العدالة والتنمية. برز في ذلك الصراع اسم إلياس العماري، وكان الأداة الرئيسة لتنفيذ مخطط احتواء الإسلاميين، وظهر تأثيره القوي في تدبير تحالفات المجالس الجماعية، ثم تحول إلى عدو رقم واحد للإسلاميين عندما اعتقل على جامع المعتصم، وهو عضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وأودع السجن بسبب تهم مرتبطة بالفساد. وحتى أواخر 2010، كان التقاطب الحاد في المغرب بين طرفين: الإسلاميون من جهة، والبام من جهة أخرى. وككل مرة، نبه المحللون إلى أن النتائج ستكون كارثية إذا ما استمرت الأوضاع على هذه الحال، ولم يكن يظهر أن هنالك شيئا قد يقع يمكنه أن يحول دون أن يتحول «البام» إلى ما يشبه حزبا حاكما، ويتذكر الفاعلون السياسيون كيف أن «البام» دفع الكثير من الأحزاب السياسية المغربية إلى التنديد بتصنيف أطلقه عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية آنذاك، في مؤتمر حزب الحركة الشعبية بين الأحزاب الوطنية والأحزاب الأخرى، وقبلها منح واحد من كبار منتقدي البام في الاتحاد الاشتراكي، أي إدريس لشكر، وزارة في حكومة يقودها عباس الفاسي (حزب الاستقلال) فسكت، ولم يعد هنالك سوى الطرفين النقيضين (البيجيدي والبام) في معركة لكسر العظم. فجأة، ودون مقدمات، انتفض التونسيون، وسقط نظام زين العابدين بنعلي في شهر يناير، ثم توسعت رقعة الثورة لتشمل مصر. في أول النتائج المباشرة، أطلق الناشطون المغاربة دعوة خافتة: يجب أن يحل حزب الأصالة والمعاصرة أولا. كان إلياس العماري ينظر إلى ذلك الشعار دوما بريبة، فهو يعتقد أن الإسلاميين هم من تكفل بصياغة الشعار وطبعه، ثم رفعه في المظاهرات. في يوم 20 فبراير، طويت صفحة كتبت على مدى أربع سنوات، أي من 2007، وشرع الجميع في تخمين ما سيقع بعدها. بعث الهمة رسالة استقالته إلى حزبه، ثم تراجع الباقون، ولم يعد العماري يظهر في العلن، لكن التيار حينها كان يجرف كل شيء، ولم يكن ليتوقف عند حزب نظر إليه الكثيرون كانعكاس لتصور عتيق في الحكم. وكما يشرح خالد البكاري، وهو أستاذ في معهد للتربية والتكوين، وكان واحدا من الناشطين البارزين في حراك 20 فبراير في طنجة ثم الرباط لاحقا، فقد كان لديه الدافع المناسب كي يتحمس للحراك، ويقول لنا: «ولجت زخم الحراك لأني كنت محبطا، فقد كانت البلاد تسير نحو التونسة (حزب حاكم واحد يسيطر على الدولة بمفهوم أمني)، وكنت أرى كيف أن الدولة تستفيد من ضعف الحركة الطلابية، وتهلهل المشهد الحزبي، وفساد البيروقراطية النقابية. كنا في نسق يتسم بانتظارية قاتلة، وكان انبعاث ربيع شعوب الجوار بمثابة إيقاظ لجذوة الحماس والممانعة».