يتحدث احمد بوز الباحث والأستاذ الجامعي في الحوار التالي عن الخلفيات التي جعلت رئيس الحكومة يعود لمهاجمة حزب الاصالة والمعاصرة، كما يشرح الاسباب، التي تجعل عبد الاله بنكيران يركز في هجوماته على القيادي في الحزب الياس العماري. { لماذا عاد بنكيران إلى مهاجمة الأصالة والمعاصرة؟ أظن أن هذا الأمر يعكس استمرار تخوف العدالة والتنمية من عودة حزب الأصالة والمعاصرة من جديد إلى التعبير عن تطلعه للهيمنة على الحياة السياسية. فحتى إذا كان «الحزب الإسلامي» لايزال يعتقد أن الأصالة والمعاصرة لم يفقد كل ارتباطاته واختراقاته التي مكنته، خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2009، من الهيمنة على مجريات العملية الانتخابية والحياة السياسية، فالعدالة والتنمية يدرك جيدا أن الظروف التي قادته إلى الحكومة لم تعد قائمة، وبالتالي، لم يعد هناك ما يمنع من إمكانية التفكير في بعض الترتيبات التي تكسرت على صخرة احتجاجات 20 فبراير. يمكن أن أضيف تفسيرا آخر يتعلق بأن قيادة العدالة والتنمية مازالت تعيش على ذكريات انتخابات 2011، وكيف نجحت وقتئذ في توظيف الاصطدام مع الأصالة والمعاصرة لفائدتها، ومازالت، بالتالي، تعتقد أن استمرار هذا الاصطدام يلعب لمصلحتها. { يركز بنكيران كثيرا على شخص إلياس العماري، ويرى أن باقي القياديين مجرد «كراكيز» له. هل شخصنة «الحرب» بين الحزبين ذات فائدة أو فعالية؟ أظن أنه يرمي من وراء ذلك إلى الوصول إلى تحقيق ثلاثة أهداف: إزالة الانطباع السائد لدى جزء غير يسير من المتابعين والمهتمين بالحياة السياسية، والنخبة السياسية حتى، بأن الشخص المذكور يستمد نفوذه من علاقة مباشرة بالقصر، حيث يسعى إلى تفنيد ذلك وتأكيد أن القصر لا يدعم أحدا ويقف على المسافة نفسها بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة. ثانيا، إبراز أن الصراع ليس مع الأصالة والمعاصرة كحزب، وإنما مع أشخاص محددين يتمثلون أساسا في بعض اليساريين السابقين، الذين لا يحتفظون بعلاقات ودية مع العدالة والتنمية، ولم ينسوا بعد صراعات الساحة الجامعية. لذلك ترى بنكيران اليوم يتحدث بإيجابية عن الباكوري كما كان يتحدث من قبل عن محمد الشيخ بيد الله. ثالثا، تحقيق ثأر خاص، لاعتقاد العدالة والتنمية -وقد صرحوا بذلك أكثر من مرة- أن الشخص المعني هو مصدر المشاكل التي تعرض لها بعض قيادييه. { كانت هناك محاولات للتهدئة، لكن سرعان ما عادت الحرب.. هل هو صراع مستدام بين الطرفين؟ نعم، لقد عرفت العلاقة بين الحزبين في الفترة القليلة الماضية نوعا من التهدئة، بل سرت بينهما بعض الإشارات أعطت الانطباع بأن تطبيعا وشيكا سيحصل في سماء العلاقات بينهما، إلى درجة أن هناك من أخذ يتحدث عن سيناريو العدالة والتنمية/الأصالة والمعاصرة في انتخابات 2016. لكن إذا كانت هذه الهدنة قد تم خرقها، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذا السيناريو لم يعد قائما، وأن أفق العلاقة بين الحزبين ستظل محكومة بالقطيعة. ففي كثير من الأحيان ظهر أن تبادل الضربات بين الفاعلين السياسيين لا يمنع من إمكانية الالتقاء. فمن كان يصدق، بعد الاتهامات بالفساد السياسي التي وجهها العدالة والتنمية إلى صلاح الدين مزوار وحزبه، أن يكون هذا الأخير رقما أساسيا في الحكومة نفسها التي يتولى عبد الإله بنكيران رئاستها. { من تعتقدون أنه سيربح في هذا الصراع؟ أظن أن السلاح الذي عمل حزب العدالة والتنمية على توظيفه ضد الأصالة والمعاصرة يتمثل في اتهامه بكونه «حزب الدولة»، والسعي نحو «التحكم» في الحياة السياسية، لكن إذا كان «الحزب الإسلامي» قد نجح حتى الآن في استعمال هذا السلاح، فليس هناك ما يضمن استمرار فعاليته، من جهة، لأن الظروف تغيرت، ولم تعد قضية «نعمة الاستقرار» التي ظل يرددها العدالة والتنمية مطروحة بحدة، ومن جهة أخرى، فإن تواضع الأداء الحكومي، وسقوط العدالة والتنمية في فخ ارتفاع سقف وعوده الانتخابية، فضلا عن استمراره في تقديم تنازلات سياسية ودستورية بهاجس بناء الثقة، كلها عناصر يمكن أن يستفيد منها الأصالة والمعاصرة. قد لا يعني ذلك أن من صوتوا من قبل للعدالة والتنمية، اعتقادا منهم أنه يمثل الأمل في التغيير، سيصوتون مستقبلا للأصالة والمعاصرة، لكن عدم تصويتهم، وسقوطهم في دائرة المقاطعين، هو في حد ذاته سيضعف العدالة والتنمية، وسيجعله مضطرا إلى قبول بعض الأمور التي ظل يرفضها، ومنها التحالف مع الأصالة والمعاصرة، الذي أعتبره، إن حصل، أكبر انتصار لهذا الأخير على العدالة والتنمية.