ليلة خطاب المسيرة الخضراء في السادس من نونبر الأخير، هزت غضبة ملكية مدوية كل المتدخلين المعنيين ببرنامج إنقاذ فاس العتيقة، الذي أعطى الملك انطلاقته في الرابع من مارس من سنة 2013، وكان يتوخى منه ترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية ومعالجة المساكن المهددة بالانهيار وسط المدينة العتيقة.»اليوم24» تحاول فهم سر غضبة الملك، التي بسببها ألغى جميع زياراته التفقدية لعدد من مشاريع المدينة العتيقة. فوجئ الملك في أول خروج له للمدينة العتيقة، في زيارته الحالية لمدينة فاس، بعد مرور أزيد من تسعة عشر شهرا على إشرافه في مارس من العام الماضي على مراسيم توقيع اتفاقيتي «إنقاذ فاس البالي»، ببطء الأشغال وتعثرها، حيث استشاط غضبا أثناء تفقده لأشغال ترميم برج سيدي بونافع المحاذي لباب السمارين بجماعة المشور. وكان سبب المفاجئة النسبة المتواضعة المنجزة من الأشغال الجارية بالبرج، حين زاره يوم الأربعاء ما قبل الماضي، حيث وقف بنفسه على أن الأعمال لم تتجاوز سوى 5 في المائة بهذا الموقع التاريخي المشيد من طرف السلطان أحمد المنصور السعدي سنة 990 هجرية، والذي ينتظر تحويله إلى متحف. الملك، حسب مصادر «اليوم24»، سأل فؤاد السرغيني، مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس، عن تاريخ البدء في أشغال ترميم البرج، فأجابه أنها انطلقت منذ شهر يوليوز من الصيف الماضي، أي قبل أربعة أشهر من حلول الملك لمعاينة الأشغال، وهو ما خالف إفادة أحد عمال الورش، وهو يجيب عن سؤال الملك، حيث أخبره بأنهم شرعوا في العمل ببرج سيدي بونافع قبل شهرين. وأفادت مصادر « اليوم24»، أن الملك استدعى وزير الداخلية محمد حصاد، ووالي جهة فاس بولمان محمد الدردوري، لأنهما الرئيسان المعنيان باللجنة الوطنية والمحلية لتتبع وتقييم برنامج ترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية للمدينة العتيقة فاس. إذ طلب منهما تفسيرات مقنعة عن أسباب تعثر المشروع وبطء أشغاله، وهو ما عجز عنه حصاد والدردوري ومعهما فؤاد السرغيني، مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس، الموكول لها الإشراف على عمليات تنفيذ البرنامج وفق تصور الاتفاقيتين اللتين وقعتا أمام الملك في مارس من العام الماضي، وتتبع سير الأوراش إلى غاية الانتهاء منها. لماذا تعثرت الأشغال ؟ أظهرت التحقيقات التي باشرتها جهات عليا في فضيحة تعثر وبطء تنفيذ مشاريع التدخل في النسيج العتيق لفاس العتيقة، أن المشاريع ال14، التي جرى فتح أوراشها، من بين مشاريع ترميم المواقع التاريخية ال27 المبرمجة برسم البرنامج الممتد على أربع سنوات (2013- 2016)، والتي لم تتجاوز فيها نسبة الأشغال خمسة في المائة، تعتبر بعيدة كل البعد عن النسبة التي يفترض بلوغها والمقدرة بنسبة 40 في المائة، وذلك بموازاة مع ال19 شهرا التي مضت عن إطلاق البرنامج من قبل الملك. وما عقّد الوضعية أن الأشغال لم تفتح بعد بباقي المعالم التاريخية المعنية بالترميم، فيما لا تزال وضعية المرحلة الثانية من البرنامج مجهولة، والتي تهم التدخل في ثلاثة آلاف و666 عقارا سكنيا مهددا بالانهيار في المدينة العتيقة، والتي تتطلب هدم 143 بناية ومعالجة 1586 بناية مصنفة ضمن الدرجة الأولى من التدهور، فضلا عن التدخل في 942 مبنى واتخاذ إجراءات احترازية بشأن 996 بناية أخرى. محمد الخلفي، رئيس قسم التعمير والبيئة بولاية جهة فاس- بولمان والمتتبع للمشروع باللجنة المحلية التي يرأسها الوالي محمد الدردوري، أرجع أمر تعثر الأشغال إلى ما سمّاه «البنية المعقدة للمدينة العتيقة التي تحتاج إلى مقاربة اجتماعية تشرك المواطنين القاطنين ببناياتها المشمولة بأشغال الترميم ومآثرها، التي يمارس فيها الحرفيون أنشطتهم، لأجل إخلائها وفسح المجال لتدخل المقاولات، «ذلك أن الأنسجة العتيقة بفاس، يقول الخلفي، تعاني من خصوصية تتمثل في صعوبة الولوج إليها، وتقادم البنايات، ما نتج عنه معيقات لدى المتدخلين وهم يخوضون في تفاصيل المشروع في سباق مع الزمن، كما حدث مع المدابغ، كمدبغة الثورات وبنموسى وعين ازليطن، وهي بنايات غير فارغة، حيث يرفض حرفيوها إخلاءها، والشيء نفسه وجدناه مع تجار دكاكين قيسارية «الكفاح» وملاكي «دار لزرق» و»دار الضمانة»، البنايتين اللتين تشكلان قيمة معمارية وتاريخية كبيرة، إضافة إلى سوق الصباغين وفندق القطانين ومدرستي الصهريج والصباغين وقنطرة الخرشافين والطرافين وغيرها». وأضاف الخلفي، أن «الوضعية نفسها نعيشها في موضوع البنايات المهددة بالانهيار والبالغ عددها 1729 بناية، والتي تحتاج إلى إيجاد اتفاق مع قاطنيها قبل تدخل المقاولات، لأنه لا يمكن بدء الأشغال والسكان موجودون داخل هذه البنايات لاعتبارات السلامة، خصوصا وأن التدخل في حالة حدوث الانهيار يبقى أصعب من المستحيل، أما البنايات التي تفتقر للمواصفات المعمارية بفعل حالتها التقنية، وعددها 143 بناية، فإن هدمها يتطلب استصدار قرارات قضائية بالإفراغ قبل هدمها» . من جهته، رفض فؤاد السرغيني، مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس، المشرفة على المشروع، موضوع الغضبة الملكية الأخيرة، التعليق على ما حدث، واكتفى في اتصال هاتفي أجرته معه «اليوم24» بالقول إنه لا يمكنه إعطاء أي تصريح صحافي أو كشف أية معلومة، مشددا على أنه منشغل بالاجتماعات الماراطونية يوميا مع الأطراف المعنية لتسريع وتيرة أشغال برنامج ترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية للمدينة العتيقة فاس. مصدر مطلع بالوكالة، أشار إلى أن من بين أسباب تعثر الأشغال وبطئها، عدم احترام المتدخلين في تمويل العمليات لالتزاماتهم المادية في وقتها. وكشف المصدر ذاته، بأن التزامات الأطراف الحكومية الموقعة على الاتفاقيتين، إلى جانب الفاعلين على الصعيد المحلي وعلى رأسهم الجماعة الحضرية بفاس، وجماعة المشور بفاس الجديد، ووكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس، وولاية جهة فاس بولمان، تفاوتت أزمنة وانتظام أداءاتهم المتعلقة بتمويل هذا البرنامج، الذي رصدت له 285 مليون درهم للمعالم التاريخية، و330 مليون درهم للبنايات المهددة بالانهيار، حيث توصلت وكالة التنمية وإعادة الاعتبار لفاس، إلى غاية نهاية أكتوبر 2013، بمائة مليون درهم، أي ما يقارب 16 في المائة من القيمة الإجمالية المخصصة للمواقع التاريخية ال27 المشمولة بالترميم والتأهيل، فيما جرى رصد 14 مقاولة غير مؤهلة للتدخل في النسيج العتيق، من أصل 38 مقاولة تكلفت بالأشغال. مصدر آخر من المديرية الجهوية للسكنى وسياسة المدينة، كشف بأنه من بين الأسباب التي أدت إلى تعثر انتظام سيولة الأداءات المتعلقة بالقطاعات الحكومية، ومنها وزارات الداخلية (180 مليون درهم)، والمالية (110 مليون درهم)، والأوقاف (80 مليون درهم)، والثقافة (27,5 مليون درهم)، والصناعة التقليدية (8 ملايين درهم)، والسكنى وسياسة المدينة (220 مليون درهم)، راجع إلى صدور قانون الصفقات العمومية الجديد طبقا لمرسوم 20 مارس 2013، الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح يناير 2014، والذي يحدد الشروط والأشكال التي تبرم وفقها صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات لحساب الدولة والمؤسسات العمومية في اللائحة المحددة بقرار للوزير المكلف بالمالية المنصوص عليها في المادة 19 من القانون، رقم 69.00، كما وقع تغييره وتتميمه. الهمة يدخل على الخط عقب الغضبة الملكية، قضى المسؤلون المباشرون على برنامج ترميم المآثر التاريخية ومعالجة السكن المهدد بالانهيار بفاس العتيقة، ليلة الأربعاء5 نونبر، متوجسين من تداعيات غضبة الملك محمد السادس، الذي قرر بشكل مفاجئ معاقبة المسؤولين بإلغائه الزيارات التفقدية لمشاريع المدينة القديمة. هذا، وعلمت « اليوم24» من مصادرها أن المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة ترأس مباشرة بعد الخطاب الملكي ليلة الخميس – الجمعة الماضية، بمقر ولاية جهة فاس، اجتماعا ماراطونيا، حضره كل المتدخلين المعنيين بالاتفاقيتين الموقعتين في مارس من العام الماضي أمام الملك. إذ طلب الهمة منهم جميع المعطيات المتعلقة بالمشروع، ورصد أسباب بطء الأشغال بحثا عن مخرج من هذه الوضعية، حيث استحضرت اللجنة ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية تعني المتدخلين المعنيين، وفي مقدمتهم وزارة الثقافة بالنظر إلى حجم الأسوار والأبواب التاريخية والساحات الموجودة بالمدينة إلى جانب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، التي تضع يدها على نسبة 50 في المائة من النسيج العتيق لمدينة فاس، تهم مساكن محبسة وأضرحة ومساجد، إضافة إلى المالكين الخواص بنسبة 30 في المائة من الدور، وتوزيع النسبة المتبقية على الفنادق وأوراش الصناعات التقليدية بمختلف أنواعها. وأوردت المصادر نفسها أنه جرى الحسم في الصفقات المتعلقة بترميم عشرين معلمة من المآثر التاريخية، وسيتم التعرف على أسماء الشركات التي ستتكفل بإنجاز الأشغال مع نهاية سنة 2014، فيما تقرر إخضاع المعالم التاريخية السبع المتبقية من أصل 27 موقعا تاريخيا، لمساطر استثنائية لتجاوز مشكل بطء الأشغال، حيث اتخذت كل القرارات القانونية والإدارية لتسريع إيجاد حلول للإشكالية الاجتماعية المرتبطة بحرفيي المدابغ والفنادق والقيساريات، وكذا الدور والبنايات التاريخية موضوع التدخل»، حيث أعطيت تعليمات عليا، تقول مصدر متطابقة، لتكون نهاية سنة 2016، موعدا لإنهاء واستكمال كل مشاريع برنامج إنقاذ فاس بشقيه المتعلق بالمواقع والمآثر التاريخية، والبنايات والدور التي تختزل قيمة معمارية متميزة، والتي يتهددها الانهيار وتناسل الشقوق. مشروع إنقاذ مآثر فاس برنامج الاتفاقيتين المتعلقتين بترميم المآثر التاريخية، رصد لها مبلغ 285 مليون درهم تنجز داخل آجال 48 شهرا أي نهاية 2016، فيما خصص للاتفاقية الثانية الخاصة بمعالجة السكن المهدد بالانهيار بفاس العتيقة، مبلغ 330 مليون درهم على مدى خمس سنوات، حيث أعطى الملك محمد السادس انطلاقتهما بفاس في الرابع من مارس 2013، ووقع عليهما آنذاك امحند العنصر، وزير الداخلية السابق، وأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ونزار بركة، الوزير السابق للاقتصاد والمالية، ومحمد نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، ومحمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة، وعبد الصمد قيوح، الوزير السابق للصناعة التقليدية، ومحمد الدردوري، والي جهة فاس بولمان٬ عامل عمالة فاس٬ وحميد شباط، رئيس الجماعة الحضرية لمدينة فاس٬ وحسن سليغوة، رئيس جماعة مشور فاس الجديد٬ وفؤاد السرغيني، مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس.