بنايات تاريخية ومآثر عمرانية كثيرة بعاصمة البوغاز يتم الإجهاز عليها في صمت، وأخرى تتربص بها أعين المنعشين، الذين ينتظرون قرارا حاسما بشأنها من السلطات، بسبب تهالكها، من أجل تحويلها إلى مشاريع سكنية.«اليوم24» تسلط الضوء على عدد من هذه المآثر التاريخية التي تقاوم الإهمال وزحف الإسمنت على عاصمة البوغاز. على بعد نحو 10 كيلومترات عن وسط مدينة طنجة، وعلى واجهة المحيط الأطلسي، يوجد واحد من أهم وأبرز المآثر التاريخية بمدينة البوغاز، يتعلق الأمر بمغارات هرقل. مؤهلات هذه المنطقة الطبيعية وقيمتها الأثرية جعلتها أحد أهم المزارات السياحية بعمالة طنجة-أصيلة، وقد شهدت، رفقة مغارات أخرى بمنطقة أشقار بطنجة، استيطان الإنسان منذ عصر ما قبل التاريخ، وخاصة خلال العصر الحجري الحديث، أي منذ ما يقرب من 5000 سنة. موقع مغارة هرقل يتميز بحمولته الرمزية بسبب ارتباط اسمه بأسطورة هرقل الشهيرة. فبفضل هذه المؤهلات المتعددة، تم ترتيب موقع مغارة هرقل في عداد الآثار منذ 30 دجنبر 1950. إلا أن هذه الحماية القانونية المبكرة لم تشفع لهذا الموقع للحفاظ على مقوماته الأثرية، ولم تمنع من إنجاز بعض عمليات التهيئة غير المندمجة، وكذا إنشاء بعض البنايات التي تنعدم فيها المواصفات المعمارية المنسجمة مع طبيعته السياحية والثقافية، فضلا عن غزو بعض جنبات الجرف الصخري للمغارة من قبل بعض المقاهي العشوائية. «هذا الوضع المزري أضر بقيمة الموقع الطبيعية والأثرية، وشوه سمعته الوطنية والدولية»، وفق ما أشار إليه تقرير مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة. وقد سجل مؤخرا في هذا الموقع الأثري الشهير ظهور بعض التشققات والتصدعات، وانهيار بعض الكتل الصخرية، بفعل عوامل متعددة، منها تسرب مياه الأمطار، وإنجاز بعض أوراش البناء في محيطه المباشر. «الحالة المؤسفة التي يوجد عليها هذا الموقع المهم، والذي يمثل رمزا لمدينة طنجة، واستمراره على هذه الوضعية المتردية، أمر يبعث على الأسى والاستغراب»، يقول علال القندوسي، فاعل جمعوي ومهتم بالجانب البيئي والأثري بالمدينة، قبل أن يضيف: «هذا الوضع يستوجب تدخلا عاجلا لإعادة تهيئته، ورد الاعتبار إليه من أجل انتشاله من براثن الإهمال والعشوائية التي يعاني منها طيلة سنين عديدة». وخلص تقرير لمرصد حماية البيئة والآثار التاريخية بطنجة، الذي رسم صورة قاتمة عن الوضع الأثري بطنجة، إلى ضرورة إعادة تهيئة ساحة الموقع والممرات المؤدية لها بطريقة مندمجة، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الفضاء وقيمته الأثرية، وتوظيفها لاستقبال الزائرين في ظروف حسنة، وإعدادها لاحتضان بعض الأنشطة الثقافية والترفيهية، كما دعا أيضا إلى إعادة الجرف الصخري للمغارة لحالته الأولى، وإيقاف حالات الترامي التي شهدها على مر السنين، ورد الاعتبار لمغارة هرقل، عبر ترميم بعض أجزاء المغارة المتصدعة المهددة بالانهيار، وإعادة تهيئة المدخل، ووضع إنارة مناسبة، وتهيئة الأرضية. «مدينة كوطا» في منطقة محاذية لمغارات هرقل وأشقار، تقع مدينة «كوطا» على بعد 10 كلم جنوب مدينة طنجة، وتعود أقدم المستويات بالموقع إلى القرن الثالث قبل الميلاد، كما تدل على ذلك اللقى الأثرية التي كشفت عنها الحفريات. «كوطا» عبارة عن مجمع صناعي خاص بتمليح السمك، ويتكون من عدة أحواض يصل عمقها إلى مترين. وقد عرف هذا النشاط في عهد الملك يوبا الثاني وابنه بتوليمي تطورا كبيرا أدى إلى ظهور صناعات أخرى كاستخراج مادة الملح. وحين يقل السمك، تتحول أحواض التمليح إلى أحواض لاستخراج مادة التلوين الأرجوانية التي جسدت شهرة يوبا الثاني. يتكون الموقع حاليا من مجموعة من البنايات، من أهمها وأشهرها مصنع لتمليح السمك، ومرافق أخرى كالحمامات ومبان ذات أروقة ومعبد. ويتعرض الموقع، حسب مصدر مسؤول، لعملية تسييج، تمهيدا للسطو عليه من قبل أحد الخواص. الأمر الذي نبه إليه مرصد حماية البيئة والآثار التاريخية بطنجة، داعيا إلى إعادة الاعتبار له، من خلال تصحيح الوضع الحالي عبر إعادة الموقع لإشراف سلطة تدبير الآثار، والعمل على حمايته، وتأهيله بشكل يسمح بزيارة الزوار والمهتمين، ومباشرة أعمال التنقيب والتأهيل لإعادة الاعتبار للموقع المذكور. قصبة غيلان من المواقع الأثرية المهمة في مدينة طنجة التي تتعرض لعملية انتهاك، تصفها الجمعيات المدنية بطنجة ب«السافرة»، «قصبة غيلان». تقع هذه القصبة على الضفة اليمنى لوادي الحلق، على الطريق المؤدية إلى «مالاباطا» شرق المدينة العتيقة لطنجة. يرتبط اسمها باسم المقاوم الخضير غيلان، والذي تقول أحد المراجع لباحث فرنسي في عهد الاستعمار (M.Bellaire, Tanger et sa zone, 1921)، إنه قام ببنائها حوالي سنة 1664م لمقاومة الاحتلال الإنجليزي لمدينة طنجة (مابين 1662م و1684م). إلا أن المعطيات الأركيولوجية المرتبطة بموقع القصبة ووظيفتها ومواد وطريقة بنائها تحتم ضرورة تعميق البحث في فرضية عودتها إلى القرن السابع عشر. تتخذ القصبة شكلا مربعا، وتتوفر على جهاز دفاعي محكم، عبارة عن أسوار زودت بأبراج ذات قاعدة مربعة، وبرجين نصف دائريين ينتصبان في الواجهة الرئيسية، ويتوسطهما باب عمرانية ضخمة. مواد بناء هذه القصبة تتكون أساسا من الأحجار الصغيرة والمتوسطة الحجم، ومن الأجور والملاط الجيري. أما توزيع فضائها الداخلي فغير معروف، لانعدام أي أثر بارز لمبنى أو مرفق معين. وقد قاومت هذه القصبة عوامل الاندثار بفعل التعرية الطبيعية طيلة سنين عديدة، قبل أن تمتد إليها أيادي البشر، وتظفر ببعض أجزائها. تم ذلك عن طريق مرحلتين، يشير تقرير المرصد الذي حصلت «أخبار اليوم» على نسخة منه. في المرحلة الأولى، الأمر جرى بفعل الطريق الجديد المؤدي إلى منطقة طنجة البالية التي اخترقتها، وفي مرحلة ثانية بسبب إنشاء إقامة سكنية من طرف إحدى المؤسسات البنكية خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، إذ يتم الاحتفاظ بجزء منها داخل بقعة أرضية مخصصة للمرافق الرياضية. بيد أنه في سنة 2009، سيتم بناء مسبح خاص فوق هذه المساحة، وقد أتى البناء على آخر جزء من الشطر الغربي للقصبة، ولم يعد ذا قيمة تذكر، وإن تم الاحتفاظ به وترميمه، لأنه تم حجبه عن الرؤية ولم يعد باديا للعيان. «فيلا ويلكوم» وقبل أيام، خرجت أصوات جمعيات المدينة تستنكر ما قالت إنها عملية هدم تتعرض لها واحدة من أبرز التحف المعمارية بطنجة، ويتعلق الأمر ب»فيلا ويلكوم»، غير أن وزارة الثقافة نفت، عبر بلاغ، هذا الأمر، وقالت إن تقييد هذه المنشأة التاريخية هي عملية مقتصرة على منحها الحماية القانونية، التي بموجبها يتم ضمان المحافظة عليها، في حين تبقى ملكية العقار من حق مالكيها، الذين يحق لهم بهذه الصفة الانتفاع بها، سواء بغرض السكن، أو الكراء أو الرهن أو ما شابه ذلك من امتيازات التصرف المخولة لملاك العقار، كما نص ذلك البلاغ التوضيحي لوزارة الثقافة المنشور عبر موقعها الرسمي. مالكو هذا العقار أيضا خرجوا ببيان أكدوا فيه أن هذه المعلمة ستظل على ما هي عليه، بل إنها ستخضع لإصلاحات داخلية من أجل الحفاظ عليها، باعتبارها موروثا ثقافيا مهما لمدينة طنجة، مؤكدين أن «هذه البناية تاريخية، وبناؤها قديم نوعا ما، وإنها تخضع لإصلاحات من داخلها لن تمس هندستها التاريخية». عملية الإصلاح هدفها، وفق البيان، المحافظة على هذا التراث التاريخي، «وهي تجري وفق الضوابط القانونية»، حيث يتوفر مالكو العقار على رخصة الإصلاح ممنوحة من الجهات المختصة. من جهتها، تقول وزارة الثقافة إنها تباشر الصلاحيات الموكولة إليها قانونيا، بحرصها التام على التزام مالكي العقار بعدم تغيير طبيعة البناية، أو ترميمها، أو إدخال أي تغيير عليها ما لم ترخص الوزارة بذلك. «فيلا هاريس» أكثر المواقع الأثرية بطنجة التي تعرضت للتدمير والنهب والسرقة، موقع «فيلا هاريس»، إذ يعتبر هذا الموقع أحد أهم المواقع الطبيعية والثقافية بالمدينة، ويرجع تاريخ إنشائه إلى نهاية القرن التاسع عشر. تبلغ مساحته حاليا نحو 9 هكتارات، وقد كان في ملك الصحافي البريطاني «والتر هاريس»، مبعوث جريدة «التايمز» الشهيرة، الذي عاش ودُفن بطنجة سنة 1933 في مقبرة الكنيسة الأنكليكانية. يضم الموقع العديد من أنواع النباتات الفريدة والأشجار المعمرة، بالإضافة إلى بناية سكنية فسيحة بُنيت على الطراز»الإسباني الموريسكي»، زود فضاؤها الداخلي بلوحات زخرفية بديعة من الخشب المنقوش والملون على الأسقف، ومن الجبص المنقوش والزليج الملون على الجدران. وبعد أن تحول هذا الموقع إلى «كازينو- منتزه» على إثر وفاة «والتر هاريس»، ثم إلى نادي البحر الأبيض المتوسط في السبعينيات من القرن العشرين، تم إهماله وتركه عرضة للخراب والإتلاف في سنوات الثمانينيات ولازال إلى اليوم. وبتاريخ 13 شتنبر2007، تم تقييد هذا الموقع ضمن الآثار على المستوى الوطني، نظرا إلى قيمته الطبيعية، والقيمة المعمارية للبناية التي توجد بداخله. وقد شكل هذا التقييد بارقة أمل لإمكانية إنقاذه من الزوال، ورد الاعتبار له، رغم وجود محاولات حثيثة لطمس معالمه، وتحويله إلى مشروع استثماري وسياحي. «سرفانطس» المسرح المنسي يعتبر مسرح «سرفانطس» الكبير، الذي وضع حجر أساسه في 2 أبريل 1911 واكتمل بناؤه في 12 دجنبر1913، تحفة معمارية صممها المهندس الإسباني الشهير «دييغو خمينيث». شهد هذا المسرح إحياء عروض كبار الفنانين والمسرحيين العالميين والعرب، وخاصة خلال عصره الذهبي في فترة الخمسينيات من القرن العشرين، قبل أن يتم إغلاقه سنة 1974. وقد كان يتسع ل1400 شخص، وكان مجهزا بتقنية تسمح له بتحريك مقاعده لتتحول إلى شكل دائري، فاسحة المجال لتقديم عروض راقصة. وقد خلد في 12 دجنبر سنة 2013 ذكراه المئوية وسط تساؤلات عن مدى صموده أمام عوامل الزمن في ظل الحالة المؤسفة التي يعيشها. يوجد مسرح «سرفانطس»، الذي تملكه الدولة الإسبانية، وقامت بكرائه لبلدية طنجة مقابل درهم رمزي، في حالة متدهورة بعد سنوات من الإهمال. إذ تبدو لوحات الزليج الأصفر والأزرق التي تزين واجهته الرئيسية متهالكة، رغم أنها ما زالت تحفظ للمكان هيبته، فيما فقدت الرسوم والنقوش على السقف ملامحها، وعلا الغبار كل جنباته الداخلية، وتجمعت في إحدى زواياه بقايا كراسي قديمة مكسرة. ونظرا إلى قيمته التاريخية ومميزاته المعمارية، فقد تم تقييده في عداد الآثار على المستوى الوطني بتاريخ 22 أكتوبر2007، إلا أن وجود هذا المسرح في منطقة «فندق الشجرة» التي تشهد العديد من الاختلالات العمرانية والتنظيمية شكل دائما نقطة ضعف حالت دون تنفيذ مشروع ترميم وإنقاذ هذه المعلمة التاريخية.