متأثرا بتداعيات أزمة قيادته الجماعية، لم ينتظر حزب الأصالة والمعاصرة كثيرا لتطويق خسائره من جراء إبعاد صلاح الدين أبو الغالي من هذه القيادة في حادث يقع نادرا بهذا الحزب. أظهرت هذه الأزمة حاجته إلى شخصيات تستمد نفوذها من خبرة واسعة في الحزب، وكان قد جرى التخلي عنها في فبراير الفائت بمجرد تنصيب القيادة الجماعية الجديدة، وقُدمت العملية وقتئذ، على شكل قطيعة مع أسلوب إدارة عانى منه هذا الحزب لفترة طويلة. لكن هذه المحاولة لم تدم طويلا، فالحزب الذي بالكاد يأمل الخروج من أزمة اثنين من قيادييه البارزين المتورطين في قضية تهريب دولي للمخدرات، تكاد تعصف به مشكلة عضو قيادته الجماعية، أبو الغالي، وهو واحد من ثلاثة يديرون الحزب منذ مؤتمره الخامس. أصبح أبو الغالي عضوا في هذه القيادة الجماعية في فبراير الفائت، إلى جانب كل من المهدي بنسعيد، والمنصوري التي باتت منسقة وطنية للحزب. كان من المأمول أن تتحول هذه التركيبة إلى حل للمشاكل التي عانى منها الحزب، لكن المشكلات الداخلية تفاقمت بالرغم من ذلك، قبل أن تؤدي إلى هذه الزلزلة على صعيد قيادته بعد ستة أشهر فقط من تشكيلها. لكن من قد يكون بديلا في إحدى أكثر الفترات توترا بهذا الحزب؟ حتى الآن، فقد ظهرت ثلاث من هذه الشخصيات: عبد اللطيف وهبي، ومحمد الحموتي، والعربي المحرشي. في اجتماع أمس الخميس، وهو « اجتماع تنظيمي مع الأمناء الجهويين ورؤساء المجالس الجهوية للحزب وقيادات بالحزب »، بحسب توصيف موقع الحزب، كانت مشاركة وهبي مثيرة للانتباه. فهذه هي المرة الثانية التي يحضر فيها وزير العدل، والأمين العام السابق للحزب، إلى اجتماع مماثل للحزب منذ أن شارك في حفل تسليم السلط بينه وبين خلفه المنصوري نهاية فبراير الفائت. لكنه هذه المرة، يعود بشكل مغاير تماما، فهذا الرجل الذي انتُقدت فترة إدارته للحزب، سيقدم خلال اجتماع الخميس، كواحد من اللبنات الأساسية في إعادة بناء القيادة بعد أزمة أبو الغالي. وقد احتُفي بوهبي في هذا الاجتماع بطريقة غير مألوفة. يقول لنا مصدر مطلع موضحا سر هذه التغييرات: « إن القيادة على وعي بالعمل المبذول من لدن وهبي في مساعدة الحزب على تخطي أي صعاب ». ثم يضيف مشددا: « المنصوري تلم الشمل بطريقتها الخاصة ». وهبي عضو بالصفة في المكتب السياسي، إلا أن مشاركته في اجتماع الخميس، دونا عن باقي أعضاء هذا المكتب تشير إلى تخطيط جديد في هذا الحزب. ما يزال بعض القادة غير قادرين على الاعتراف بهذه العودة بعد تلك الخصومات التي بدأت قبل المؤتمر. عدا وهبي، فإن ظهور اثنين آخرين من كبار شخصيات الحزب في طبعته القديمة يؤكد وجود خطط لإجراء تغييرات على شكل القيادة بعد إبعاد أبو الغالي. يتعلق الأمر بكل من محمد الحموتي والعربي المحرشي. الأول كان رئيسا للجنة الوطنية للانتخابات، وهو واحد من أبرز قادة هذا الحزب منذ عقد من الزمن على الأقل، لكن المنصوري قررت التخلي عنه في ماي الفائت، عندما أبعدته ليس عن منصبه فقط، بل وأيضا من المكتب السياسي. شكل ذلك صدمة لأنصاره. لا يختلف أمره عن ما سيحدث للحموتي، فرئيس الهيئة الوطنية للمنتخبين، سيجري إبعاده أيضا عن الأجهزة التنفيذية للحزب في ظروف مثيرة للجدل. وقُدم اسمه بمعية الحموتي، كبيان على الشجاعة التي تمثلها المنصوري على إحداث التغيير المطلوب على صعيد القيادة. وتزداد صعوبة قدرة القيادة الجماعية التي أصبحت تسير برجلين بدل ثلاث، على تخطي المشكلات المتفاقمة بالحزب. لكن العودة إلى الحلول التي كانت قائمة بالحزب -قبل التخلي عنها بشكل مفاجئ- تعتبر بالنسبة إلى كوادره « دفعا قويا إلى الأمام » بالنسبة إلى الحزب. من دون شك، الكثيرون في الحزب يرون في الرجلين « خبرة جرارة ستفيد الحزب مستقبلا »، كما ذكر لنا مسؤول فيه. نشير إلى أن مشاركة الحموتي والمحرشي في هذا الاجتماع الذي ليست لديهما أي صفة لحضوره، كانت بدعوة من المنسق الجهوي للحزب، عبد اللطيف الغلبزوري. وفقا لمصادرنا في الحزب، فقد « طُلب من كل منسق جهوي أن يستقدم معه اثنان من الأشخاص، اللذين يراهما مناسبين، وقادرين على مد يد المساعدة للحزب ». الغلبزوري الذي تجمعه صلات قوية مع المنصوري، سيقع اختياره على المحرشي والحموتي « دون تردد »، كما قيل لنا. لكن، في الواقع، لم يكن سوى الغلبزوري وحده من أحضر برفقته اثنين آخرين، كما تظهر الصور المنشورة لهذا الاجتماع على موقع الحزب. الحموتي يسار) والمحرشي (الثاني على اليمين) في اجتماع الخميس مع المنصوري والجمعة، بث أبو الغالي بيانا إضافيا يسلط الضوء بواسطته على الطريقة التي جرى بها تجميد عضويته، متوعدا بنشر مزيد من التفاصيل في وقت لاحق. لكن باستخفاف، تعاملت المنصوري مع الاتهامات التي كالها ضدها من كان زميلها في القيادة الجماعية صلاح الدين أبو الغالي، بشأن استقوائها ب »جهات عليا »، و »الفوق » في إدارة هذا الحزب. في كلمة ألقتها خلال الجامعة الصيفية لشبيبة حزبها، الجمعة ببوزنيقة، جوابا عن سؤال بهذا الخصوص، شددت المنصوري على أن « الذين يروجون لهذه الاشياء، ليس لديهم أي شرعية، لم يصوت عليهم شخص، ولم يعينهم الملك في منصب». لكنها تضيف بشكل ساخر: «إذا قصدوا ب »الفوق » سيدي ربي، فإنني أتبناه، فأنا سيدة مؤمنة، وبنت الصالحين». وتستطرد: «إذا كانوا يقصدون الملك بهذا «الفوق: فإني أتبناه أيضا، كما أتبنى خطاباته، فهو قائد البلاد». وبعدما استنفدت الخيارات، قالت مستدركة: «أما إذا كانوا يقصدون فوق آخر، فليخبرونا به أولا». وندد أبوالغالي في بيان ب »إقحام قضية شخصية في ممارسة حزبية»، جراء تجميد عضويته في المكتب السياسي بسبب قضية نزاع تجاري كما يراه أبو الغالي، أو «نصب واحتيال» كما يراه القادة الآخرون للحزب. الطريقة التي أدارت بها المنصوري قضيته، جعلت أبو الغالي يعتبرها «فعلا استبداديا تستعمله السيدة فاطمة الزهراء المنصوري مستقوية بإيحاءات عن «جهات عليا» وعن «الفوق»، لتفعل في الحزب ما تريد». إلا أن المنصوري ردا على أسئلة بشأن هذه القضية، اكتفت بالقول «إن ملفا وصل إلى أيدينا- أنا لا قول إنه نصب- ولكنه عبارة عن شكايات تشكك في الذمة الأخلاقية، وإذا ما انفجرت في يوما ما، ستحدث أزمة كبيرة». وأضافت شارحة: «في القيادة الجماعية، أخبرنا المكتب السياسي (بهذه القضية)، فقرر بالإجماع تجميد عضويته، وإحالة قضيته على اللجنة الوطنية للأخلاقيات».