خلال 25 سنة من حكم الملك محمد السادس عرف المغرب تحولات كبيرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية انعكست بشكل إيجابي على حياة المواطنين، كما يجسد ذلك مؤشر نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي وفقا لتعادل القوة الشرائية، الذي انتقل من 3780 دولار سنة 1999 إلى حوالي 10 آلاف دولار هذه السنة، أي بارتفاع يعادل ثلاثة أضعاف. كما أن المغرب بلغ مستوى دول كانت أكبر منه دخلا فرديا في بداية العهد الجديد مثل الأردن وناميبيا، وقلص من الهوة التي كانت قائمة آنذاك مع دول أخرى مثل تونس، غير أن المقارنة مع دول أخرى كانت في نفس المستوى التنموي قبل 25 سنة تبرز أن دولا كانت أقل من المغرب على مستوى الدخل الفردي سنة 1999 استطاعت أن تتجاوزه في هذا المؤشر، إما مبكرا منذ 2006 بالنسبة للصين و2012 بالنسبة لمولدوفا، أو مؤخرا أي سنة 2015 بالنسبة لفيتنام وسنة 2022 بالنسبة للهند. ورغم تعدد العوامل المؤثرة يظل التعليم هو العامل الأكثر تأثيرا في الطفرات التنموية التي حققتها الدول التي استطاعت أن تتجاوزنا في سلم التنمية خلال السنوات الماضية. في المقابل يبقى التعليم هو العائق الأساسي الذي يحول بين المغرب وبين بلوغه مصاف الدول الصاعدة، بحيث يقدر البنك الدولي من خلال مؤشره الخاص بالرأسمال البشري أن المغرب بسبب ضعف منظومته التربوية لا يستثمر سوى نصف إمكاناته البشرية في أوراشه التنموية. إن المتتبع للخطب الملكية منذ أول خطاب للعرش سنة 1999 والذي اهتم بالتعليم نظرا لأهميته في التصور الملكي، إلى آخر خطاب تناول قضية التربية والتكوين ويعود إلى سنة 2018، علما أن خطابين آخرين خصصا سنة 2019 للتكوين المهني، يلمس الاهتمام المتواصل والدائم لجلالة الملك بهذا القطاع الحيوي الذي امتد إلى عقدين من الزمن، وتميز بتركيزه على العناصر التالية: * أهمية التعليم في التنمية الشاملة: من خلال التأكيد على الدور المحوري للتعليم في تحقيق التنمية الشاملة، واعتبار الاستثمار في الموارد البشرية هو السبيل لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. * الحاجة إلى إصلاح عميق للمنظومة التربوية: من خلال إبراز التحديات التي تواجهها المنظومة، والدعوة إلى إصلاح جذري وشامل لها، من أجل تكوين أجيال قادرة على مواكبة التطورات العالمية، والمساهمة في بناء مغرب حديث ومتقدم. * التركيز على جودة التعليم: من خلال التنبيه إلى ضرورة الارتقاء بها، وتوفير تعليم عصري ومنفتح، يعتمد على الحس النقدي، وتعلم اللغات الوطنية والأجنبية، وتوفير فرص الاندماج للشباب في سوق الشغل. * التكوين المهني: من خلال التأكيد على أهميته، وضرورة تطويره وتنويعه، لتلبية حاجيات سوق العمل، وتمكين الشباب من الحصول على فرص عمل لائقة. * إشكالية لغة التدريس: من خلال إبراز هذه الإشكالية، والدعوة إلى إيجاد حلول مناسبة لها، بما يضمن توفير تعليم جيد ومتوازن، يحافظ على الهوية الوطنية، ويفتح آفاق التعلم أمام الشباب. * تشجيع البحث العلمي والابتكار: من خلال التأكيد على أهمية البحث العلمي والابتكار في تحقيق التنمية، والدعوة إلى توفير الدعم اللازم للباحثين والمبتكرين، وتشجيعهم على المساهمة في بناء اقتصاد المعرفة. * دور الأسرة والمجتمع في النهوض بالتعليم: من خلال الإشارة إلى هذا الدور الحيوي، والدعوة إلى تضافر جهود الجميع من أجل إنجاح هذا الورش الوطني الكبير. وهكذا يمكن التأكيد على أن الرؤية الملكية لإصلاح التعليم التي ارتكزت على الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس في بداية عهده سنة 1999، وتكرست مع الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، تعتبر أن التعليم ينبغي أن يكون مؤهلا للتنمية ومدمجا في العصر ومحافظا على المقومات الحضارية المغربية. وقد تميزت 25 سنة من حكم الملك محمد السادس باتخاذ مجموعة من التدابير الداعمة لهذه الرؤية، نذكر منها إحداث المجلس الأعلى للتعليم كمؤسسة دستورية، للتشاور والاقتراح البناء، والتقييم الموضوعي للمنظومة التربوية؛ وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الهادفة إلى محاربة الفقر والهشاشة، ودعم التمدرس، وتوفير فرص الشغل، وتحسين ظروف عيش المواطنين، خاصة في المناطق القروية؛ وإنشاء مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأوضاع الاجتماعية لأطر التربية والتكوين التي تهدف إلى تحسين أوضاع نساء ورجال التعليم، وتحفيزهم على الانخراط في إصلاح المنظومة التعليمية؛ وإطلاق برنامج تيسير وبرنامج مليون محفظة من أجل التخفيف من التكاليف التي تتحملها الأسر، ودعمها في سبيل مواصلة أبنائها للدراسة؛ وإحداث مدن المهن والكفاءات من أجل تشجيع التكوين المهني، وتطويره وتنويعه، لتمكين الشباب من الحصول على فرص عمل في مختلف القطاعات. رغم كل هذه المبادرات، فإن لازمة أزمة التعليم التي ميزت أول خطاب ملكي سنة 1999 ظلت حاضرة في آخر خطاب تطرق للمنظومة التربوية وكان سنة 2018 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، « ورغم المجهودات المبذولة، والأوراش الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية المفتوحة، فإن النتائج المحققة، تبقى دون طموحنا في هذا المجال… »إذ لا يمكن أن نقبل لنظامنا التعليمي أن يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعرف الجميع أن حاملي الشهادات في تخصصاتها يجدون صعوبة قصوى في الاندماج في سوق الشغل. وهو هدر صارخ للموارد العمومية، ولطاقات الشباب، مما يعرقل مسيرات التنمية، ويؤثر في ظروف عيش العديد من المغاربة ». يمكن اعتبار الميثاق الوطني للتربية والتكوين ثم الرؤية الاستراتيجية 2030 قد نجحا إلى حد كبير في تقديم الوصفة الملائمة لمعالجة أدواء منظومة التربية والتكوين، إذ بالإضافة إلى رسمهما لأفق واضح للإصلاح، فإنهما اقترحا رافعات للتغيير أحاطت بجميع مكونات المنظومة، وقاربتها بشكل شمولي أعطت الانطباع للمتتبعين بأن المغرب قد تحكم أخيرا في المقومات الهندسية لإصلاح التعليم، وصار قاب قوسين أو أدنى من إدراك مبتغى ملك وشعب المتمثل في كسب رهان الإصلاح، وبالتالي تحقيق التنمية المنشودة التي تجمع البحوث والدراسات أنها لا تدرك إلا به. فكيف تكسرت آمال إصلاح التعليم على صخرة الواقع المغربي طيلة خمسة وعشرين سنة؟ وهل كان تصور الإصلاح ملائما للتربة الوطنية وهندسته كاملة الأوصاف، أم أن الخلل كان في تطبيق التصور وفي عدم القدرة على البناء وفقا للهندسة؟ وهل كانت رؤية الإصلاح معبرة عن وجدان الأمة وعن طموحها المشترك، أم مجرد توافق هش لرأب صدع الخلافات المرحلية وتأجيل بروزها على السطح بشكل أقوى وأشد؟ هذه الأسئلة تعيننا على رصد واقع أكثر من عقدين من الإصلاحات التي عرفها التعليم والوقوف على المكتسبات والنواقص والأسباب الكامنة وراء الإخفاقات المتتالية، مع استخلاص الدروس والعبر الممكنة. إن المتتبع للخطابات الملكية منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش يلمس خفوتا تدريجيا لجذوة الأمل في الإصلاح مع مرور السنوات، رغم تجددها إبان صدور الرؤية الاستراتيجية 2015-2030. كما يلاحظ تذمرا واضحا من الاختلالات المزمنة التي عانت منها منظومة التربية والتكوين طيلة العهد الجديد والتي يمكن إجمالها في الإشكالات الكبرى التالية. عدم القدرة على تحقيق أهداف الإصلاح التي حددها الميثاق لأسباب مرتبطة أساسا بضعف آليات الحكامة والإصرار على اعتماد مقاربات متجاوزة في مجال تدبير المنظومة، وعدم تأهيل الإدارة للقيام بأدوارها خاصة على المستوى المركزي والمستوى الجهوي باعتبارهما ركيزتي التدبير الاستراتيجي للقضايا الشائكة، والضمانة الحقيقية لقيادة شراع الإصلاح نحو بر الأمان في خضم الأمواج المتلاطمة التي يعج بها بحر الواقع بارتباط بسياقاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعج بالتحديات المركبة والمعقدة. وإذا كان تسيير أي مجال يحتاج إلى قدرات تدبيرية تفي بشروط النجاعة والفعالية، بحيث تمكن من تحقيق النتائج المنتظرة بمستوى الجودة المطلوبة، مع ترشيد النفقات وتوجيه الأموال العمومية نحو الاستعمالات الضرورية التي تحقق أفضل مردودية لمنظومة التربية والتكوين؛ فإن التدبير الجيد لهذه الأخيرة يقتضي كفايات أخرى تهم حسن التعامل مع العقليات المختلفة والسياقات المتحولة وتعارض المصالح واختلاف المرجعيات وتعدد الأطراف المعنية واستفحال المقاومات في ظل تزعزع الثقة في الإصلاح وفي المؤسسات التي تحمله. لقد كان توجها صائبا ذلك الذي صاحب التفكير في إصلاح شمولي للمدرسة المغربية بعد هاجس السكتة القلبية الذي عبر عنه الملك الحسن الثاني بخصوص مستقبل البلاد، عندما دعت المؤسسة الملكية إلى إشراك مختلف التيارات السياسية والمدنية في بلورة رؤية جديدة لإصلاح التعليم. غير أن تناقض المرجعيات المؤطرة وتنافر التيارات الفكرية الموجهة للمجتمع وضعف القدرة على التفكير خارج المبادئ الأربعة التي أطرت النقاش حول قضية التعليم منذ الاستقلال، كلها أسباب لم تساعد على إنضاج التفكير الجماعي في قضية وطنية مصيرية وأعادت عقارب ساعة المقاربة التشاركية إلى الوراء مكتفية بحصر النقاش داخل لجنة ملكية محدودة العدد بتمثيلية مصغرة لمختلف التيارات. وإذا كانت حكمة الصالونات المغلقة نأت بهذه اللجنة عن الجدالات العقيمة والنقاشات الصاخبة التي عادة ما تفجر الصراعات الكامنة، فإنها في المقابل استكانت إلى لعبة التوازنات الهشة المبنية على جبر الخواطر، والتي أدت إلى ميثاق وطني للتربية والتكوين لم يحسم في بعض القضايا الخلافية التي ظلت دون حل إلى أن جاءت الرؤية الاستراتيجية سنة 2015. وهكذا لم يفصل الميثاق في قضية لغات التدريس فلا هو أقر اللغة العربية كلغة للتدريس في جميع أسلاك التعليم بعد توقف التعريب عند أبواب الجامعة رغم مرور عشر سنوات على إقراره آنذاك، ولا هو فرض تغيير لغة التدريس في التعليم ما قبل الجامعي لتنسجم مع ما هو معمول به في التعليم العالي في هذا المجال. كما أن الميثاق أبقى على تشتت منظومة التربية والتكوين، بل عمل على ترسيم ذلك الوضع حينما أسس لمنطق المدرسة المتعددة الأساليب وأعطاها الحق في ترجمة هذه التعددية « في مختلف العناصر المكونة للتعليم من استعمالات الزمن والبرامج والمناهج البيداغوجية والوسائل الديداكتيكية » ولم يضع حدودا لهذا التنوع إلا بشرط « التمسك بالأهداف المتوخاة لإصلاح التعليم »، وهي بطبيعتها عامة وفضفاضة ويمكن دائما تفسيرها لصالح من يقع في المحظور بقصد أو بدونه. من جهة أخرى أسهمت طريقة صياغة بعض المواد في الميثاق في تيسير تملص بعض الجهات منه رغم مشاركتها في إعداده، وكمثال على ذلك مسألة رسوم التسجيل وربط أدائها بتحقيق الجودة مع التأكيد على مبدأ مجانية التعليم. لقد نجح مهندس الميثاق، المرحوم مزيان بلفقيه، في تحقيق الإجماع في قضايا متعددة، وفي تقريب وجهات النظر في قضايا أخرى، لكنه اضطر إلى الوقوف في منزلة بين المنزلتين في القضايا المصيرية التي يتوقف إصلاح التعليم على الحسم فيها، وهو بذلك نجح في تحقيق توافق مرحلي لكن ما لبثت الخلافات الثاوية وراءه أن طفت على السطح عندما حان موعد تطبيق الإصلاح، رغم أنه تزامن مع مرحلة تاريخية طافحة بالآمال سمتها عهد جديد من الحكم، والاستمرار في تجربة التناوب « التوافقي ». « ورغبة منا في بلورة خلاصاته ونتائجه (أي الميثاق) داخل إطار مسطري يراعي المقتضيات الدستورية والإجراءات التشريعية فقد قررنا إحالته على البرلمان لوضع مشاريع القوانين التي توفر له إمكانات التنفيذ على أن يتم هذا التنفيذ ابتداء من السنة القبلة إن شاء الله بإيقاع تدريجي. وستظل اللجنة قائمة لمتابعة عملية التطبيق وتقييم النتائج وإغناء الميثاق ليواكب التطورات والمستجدات ». . هذا المقتطف من أول خطاب يوجهه الملك الجديد لنواب الأمة في 8 أكتوبر 1999 يعبر عن هاجس تطبيق الإصلاح الذي كانت تحمله المؤسسة الملكية، مفترضة أن تطويق عملية التفعيل بضمانات التشريع والتدرج والتقييم سيؤمن لها شروط النجاح. ورغم العمل التشريعي المهم الذي تلا هذا الخطاب الملكي فإن اعتبار الميثاق وثيقة للاستئناس من قبل بعض الوزراء، وعدم تحديد واضح لأولويات الإصلاح وترجمتها إلى مخطط استراتيجي وتنفيذي مفصل، وغياب ثقافة التقييم المؤسساتي؛ كلها عوامل أسهمت بشكل مؤثر في الزيغ عن سكة الإصلاح. غير أن ما أصاب الميثاق في مقتل هو « لعنة التوافق » التي لازمت تطبيقه بتجليات مرضية زادت من حدتها المزايدات السياسية التي وجدت ضالتها في بعض مواد الميثاق ذات الصلة بالقضايا الكبرى المذكورة آنفا. حدث ذلك رغم التحذير الملكي من تلك المزايدات في خطاب العرش لسنة 2000، والذي أكد فيه « إعلان العشرية القادمة عشرية خاصة بالتربية والتكوين وثاني أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية ». لقد كان منفذو الإصلاح يعلقون الإخفاقات التي واكبت التطبيق على ضعف الموارد المالية المخصصة لقطاع التعليم. هذه الاختلالات التي رصدتها اللجنة الملكية الخاصة في تقريرها سنة 2005، ورصدها المجلس الأعلى للتعليم بعد تنصيبه من طرف الملك سنة 2006 الذي اعتبره في الخطاب الذي ألقاه بهذه المناسبة » فضاء تعدديا للتشاور وتبادل الرأي، ومرصدا للتتبع الفعال وقوة اقتراحية حول قضايا التربية والتكوين. ». كما أن خطاب العرش لسنة 2007 أبدى استياءه من ضعف النتائج الكمية التي « لم تحقق التغيير النوعي، والتأثير الملموس، في التربية القويمة، والاستجابة لحاجيات الاقتصاد. » ووضع الأصبع على مكامن الداء حينما أمر بالانكباب فورا « على مواصلة تعزيز الحكامة الجيدة في هذا القطاع، وإيجاد حلول موضوعية للقضايا العالقة، وفي طليعتها إشكالية التمويل، وعقلنة تدبير الموارد، ولغات التدريس، وتحديث البرامج والمناهج، والتركيز على محو الأمية. مع إعادة الاعتبار للمدارس العمومية، وتشجيع التعليم الحر، في نطاق تكافؤ الفرص. ». وحتى تنتفي حجة القائلين بشح الموارد دعا الملك محمد السادس الحكومة في خطاب العرش لسنة 2008 إلى تفعيل المخطط الاستعجالي 2009-2012 وأكد على حرصه على ألا » يخلف المغرب موعده مع هذا الإصلاح المصيري. » ودعا « الجميع أن ينخرط فيه بقوة. » مذكرا بأن « ظروف النجاح متوفرة، من إرادة حازمة لجلالتنا وتعبئة جماعية لكل المؤسسات والسلطات والفاعلين والتنظيمات ». ورغم الأموال المهمة التي صرفت على المخطط الاستعجالي تأتي مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في تقريره التحليلي لتطبيق الميثاق، والمجلس الأعلى للحسابات في تقريره الخاص بالمخطط الاستعجالي، لتعلن عدم تحقيق الأهداف الأساسية المسطرة في الميثاق وخاصة جودة التعلمات التي سارت في خط تنازلي منذ دخول الإصلاح حيز التطبيق، بشهادة الدراسات الدولية الخاصة بالتحصيل الدراسي مثل تيمس وبيرلز وبيزا والبرنامج الوطني لتقييم التحصيل الدراسي. وفي سياق دستور جديد نص على مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي انخرط المغرب في إصلاح جديد جسدته الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 التي مثلت استمرارا لتوجهات الميثاق مع جرأة أكبر في حسم بعض القضايا الخلافية خاصة ما يتعلق بلغات التدريس، وذلك باعتبارها العربية لغة التدريس الأساس وفسحها المجال لتدريس بعض المضامين في بعض المواد الدراسية بلغات أجنبية. وتفاديا للتردد الذي طبع التعامل مع الميثاق من طرف السلطة التنفيذية فقد دعا الملك في نفس الخطاب إلى « صياغة هذا الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون – إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد، ويضع حدا للدوامة الفارغة لإصلاح الإصلاح، إلى ما لا نهاية. ». والآن بعد مرور خمس سنوات على اعتماد القانون-الإطار من طرف البرلمان، لا يبدو أن الدوامة الفارغة لإصلاح الإصلاح التي أشار إليها الخطاب الملكي قد أصبحت من الماضي، خاصة بعد تبني الحكومة لخارطة طريق تتضمن الكثير من الإيجابيات لكنها غير متوافقة تماما مع توجهات القانون الإطار ولا تخدم كثيرا أهدافه الاستراتيجية وأساسا ما يتعلق بالإنصاف وتكافؤ الفرص. وهو ما يعني أن قطار التغيير لم يجد بعد سكته الصحيحة فأحرى أن يبلغ السرعة المطلوبة لتدارك الزمن الضائع، وتمكين المغرب بالتالي من تحقيق نموذجه التنموي والحضاري الذي ما فتئ يبحث عنه. إن الكثير من المختصين يجزمون بأن المأسسة القانونية للإصلاح شرط ضروري للنجاح في تحقيق المبتغى الملكي والشعبي من منظومة التربية والتكوين، لكن تفعيلها يظل رهينا بأمور ثلاثة: أولا، ضمان القدرة على التطبيق الفعال لمنظور الإصلاح بالكثير من الحرفية وغير قليل من النزاهة وذلك من خلال سلطة تنفيذية تملك الأدوات الضرورية للتفعيل الناجع للسياسات العمومية وعلى رأسها إدارة قوية ونزيهة، ثانيا، التقييم المنتظم لمسار الإصلاح من خلال سلطة تشريعية تقوم بأدوارها الدستورية في مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية إلى جانب المؤسسات الدستورية المختصة في مجال الحكامة. ثالثا، فتح العلبة السوداء للمنظومة التربوية المتمثلة في الفصل الدراسي الذي ينبغي تجديد مقوماته الأساسية وخاصة المنهاج الدراسي وطرائق التدريس مع التركيز بالخصوص على الفاعل التربوي الذي ينبغي إشراكه في القرار وتثمين عمله، وتأهيله للقيام بأدواره التعليمية والتكوينية والتربوية بشكل يضمن جودة التعلمات لجميع المتعلمين والمتعلمات. إن مستقبل المغرب لا يمكنه أن يرقى إلى الطموح الكبير الذي تعكسه الخطب الملكية إلا بتحسين جودة منظومة التربية والتكوين بما يضمن إنتاجها للموارد البشرية القادرة على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لبلادنا والمتشبعة بالقيم النبيلة، التي يعتبرها الملك محمد السادس « الركيزة الأساسية لوحدة وتماسك المجتمع المغربي ». فهل يجعل المغرب من التعليم أولويته الأولى في العشرية القادمة بعد الحسم النهائي لملف وحدتنا الترابية الذي أصبح وشيكا؟