تجددت الاحتجاجات في مدينة الفنيدق، شمال البلاد، الأسبوع الفائت، حين تظاهر العشرات من الأشخاص قبالة مقر السلطات المحلية عقب تقليص الأجور التي كانوا يحصلون عليها منذ احتجاجات عام 2020، في سياق عملية سريعة أشرفت عليها السلطات تتوخى تقليل تأثير الأزمة المتفاقمة منذ إغلاق معبر باب سبتة نهاية عام 2019. تحاول السلطات التخفف من عبء الأجور المتزايد لمئات من الأشخاص جرى توظيفهم وفق عقود عمل مؤقتة في مصلحة الإنعاش الوطني، أو في شركات حازت على عقود امتياز في الاستثمار شريطة توظيف المئات غالبيتهم كانوا من النساء. بدأت تلك الشركات عمليات تسريح جزئية للمستخدمين، تحت وطأة تزايد التكاليف غير المبررة، بينما الآمال مازال معلقة في مشروع منطقة صناعية ضواحي الفنيدق، لكنها هي الأخرى مازالت متأخرة في أعمال التشييد، دون أن تكون هناك رؤية واضحة عن طبيعة الاستثمارات أو فعاليتها. أنفقت السلطات حوالي 100 مليون درهم لتمويل حملة توظيف بعقود مؤقتة بين السكان المحليين منذ الاحتجاجات التي تحولت إلى اشتباكات في هذه المدينة التي تطل على ثغر سبتة على مبعدة كيلومترين فقط. إلا أن قدرة التجمل لدى السلطات المحلية سرعان ما انهارت في العام الثاني، حيث بدأ الصيف الماضي، تحويل المئات من المستفيدين من هذه العقود، على برنامج "أوراش". لكن منذ مطلع أكتوبر، حين انقضت صلاحية عقود الجمعيات العاملة في هذا البرنامج، وجد أولئك الشبان أنفسهم يواجهون البطالة مجددا. تحاول السلطات الآن، تقليل الخسائر. ومخافة أن يتحول إخلاء سبيل حوالي 4 آلاف شخص كانوا يتلقون أجورهم من مصلحة الإنعاش الوطني، إلى مشكلة اجتماعية، فقد تقرر تمديد هذه العقود لكن بخفض حجم الأجور إلى حوالي النصف. وبدلا عن 2800 درهم في الشهر، سينالون في الوقت الحالي أجورا لا تتعدى 1800 درهم، كما أن مدة العمل أيضا سيجري تقليصها. غطت بعض الانتهاكات على جاذبية هذا البرنامج في الفنيدق، إثر انتقادات حادة إلى تسجيلات وهمية لمستفيدين، سواء من عوائل أشخاص ذوي حظوة، أو من مقربين من عاملين في السلطة. دأبت السلطات المحلية على نفي هذه المزاعم باستمرار. في غضون ذلك، تجددت مأساة محاولات الشبان المحليين دخول ثغر سبتة سباحة. في الأسبوع الفائت، لقي شاب مصرعه خلال محاولة مماثلة. اسمه محمد الجوهري، وهو أب لطفلين. كان يعمل في قطاع التسويق عبر الإنترنت، لكن شركة كان يعمل فيها سرعان ما أفلست. ظل لعام كامل يواجه "ابوابا مقفلة"، ثم خطط لمغامرة أخيرة.. أفضت به إلى مقبرة في سبتة. جماعة "تُركت وحيدة".. بينما تحاول السلطات المحلية تدارك نفسها تفاديا لتجدد الاضطرابات، فإن فاعلين آخرين يسلطون الضوء على دور الجماعة في ترتيبات الأزمة. لكن، كيف يمكن للجماعة أن تنهض بمستقبل حوالي 100 ألف شخص وجدوا أنفسهم فجأة، دون مورد رزق؟ في 2020، في أوج الاحتجاجات بهذه البلدة، تسلمت السلطات المحلية زمام الأمور، بينما تُرك مجلسها الجماعي آنذاك في الظل. لاحقا، أقيل باشا الفنيدق الذي كان يعد مشكلة رئيسية في إدارة الأزمة هناك. وفي 2021، تشكل مجلس بلدي جديد يقوده حزب الأصالة والمعاصرة، كان أبرز شعارات برنامجه الانتخابي أن يساعد الأهالي المحليين على تخطي مشاكلهم. يقول محمد الياسيني، وهو عضو بجماعة الفنيدق (حزب الأصالة والمعاصرة)، إن الأهالي "يعلقون آمالا عريضة على الجماعة في سبيل الخروج من هذه الأزمة، بينما الإمكانات قليلة". تعاني هذه الجماعة من تدهور مواردها المالية مند إغلاق معبر باب سبتة، حيث أفضت الأزمة التي ترتبت عن ذلك، إلى ركود الأعمال التجارية، وهي الشريان الرئيسي للاقتصاد المحلي، وتبعا لذلك، تدنت موارد البلدية من الجبايات. رغم ذلك، فإن الجماعة وفق ما يؤكد الياسني، "تعمل على ضخ مواردها القليلة في تنمية البنيات التحتية"، ويشرح: "قمنا بتجديد الإنارة العمومية على مستوى بعض الشوارع الرئيسية، وكذلك على طول الكورنيش" الممتد لنحو ثلاثة كيلومتر. عمدت الجماعة إلى تغيير مصابيح الإنارة التقليدية بأخرى أكثر حفاظا على الطاقة. تحاول الجماعة بواسطة هذه المشاريع، وفق مسؤوليها، تنفيذ ملامح مشروع جذب سياحي يغني عن الأنشطة التجارية المرتبطة بالتهريب المعاشي. إلا أن الجماعة لوحدها لا تستطيع تحمل تكاليف مشاريع البنيات التحتية، ولذلك، فهي في حاجة إلى مساعدة إضافية. مجلس عمالة المضيقالفنيدق الذي يقوده حزب الأصالة والمعاصرة كذلك، يشارك في تمويل مشاريع البنية التحتية في الفنيدق. مشروع تهيئة وادي في ناحية أغطاس كلف حوالي 9 ملايين درهم، بينما مشروع تجديد الإنارة العمومية فقد صرفت الجماعة حوالي 5 ملايين درهم بدعم من مجلس العمالة. خصصت هذه الجماعة لفتح طريق وسط البلدة حوالي 3 ملايين درهم. ومن شأن هذه الطريق أن تخفف عبئا كبيرا على الوافدين الذين طالما أصيبوا بالدوار، وهم يحاولون بلوغ الطريق المفتوحة نحو طنجة. لكن، مثل هذه المشاريع ليس لديها في الغالب تأثير فوري على الاقتصاد المحلي. يشعر الياسني وهو أيضا نائب لرئيس مجلس العمالة، بثقل المهمة الملقاة على عاتقه. فهو يحاول جاهدا أن يقنع الناس بأن الجهد المطلوب لإنعاش الاقتصاد المحلي "يحتاج إلى دعم حكومي مركزي كذلك".
بلدة "نسيتها الحكومة".. تشكو الجماعة من "تخل شامل للسلطات الحكومية" عن تعزيز مقدرات الاقتصاد المحلي لهذه البلدة بعد سنتين من الاحتجاجات. يحتج الياسني على غياب خارطة طريق حكومية خاصة بهذه البلدة، بينما تحاول السلطات المحلية إخماد الحرائق بواسطة موارد تتقلص عاما تلو الآخر. يقول: "ليس هناك أي مشروع حكومي في هذه البلدة.. طيلة سنتين، لم نر وزيرا هنا. لقد أتى وزير الشغل قبل شهور إلى هذه المنطقة، وأطلق برنامج "أوراش" ثم غادر بعد بضع دقائق". يحس الياسني بأن مصير الآلاف من الناس "لم يعد مهما للحكومة". قطاع البناء نفسه تضرر بشكل هائل. الأعمال توقفت في أغلب مشاريع البناء بسبب "مشاكل تتعلق بالمساطر". كان المدير السابق للوكالة الحضرية بتطوان هدفا لانتقادات بسبب موقفه المتصلب إزاء "المرونة المطلوبة" في مشاريع البناء في هذه البلدة. غيرت وزيرة السكنى وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري مدير هذه الوكالة، لكن خلفه لم يأت بأي تغييرات. يعتقد الياسني أن المشكلة موجودة في الرباط، وليس في تطوان"، ويلوم زميلته في الحزب "على عدم الاكتراث بشكاويه". يحاول محمد المرابط، برلماني المضيقالفنيدق، الضغط على وزراء لتنفيذ مشاريع مازالت متأخرة. تعهدت وزارة العدل ببناء محكمة في الفنيدق، لكن المشروع مازال حبيس إجراءات خاصة بالعقار. وباستثناء مشروع منطقة الأنشطة الاقتصادية، فإن المركز الجهوي للاستثمار "لم يعجل بأي مشروع ذي مردودية على الاقتصاد المحلي"، كما يقول الياسني، ثم يضيف مستدركا: "حتى منطقة الأنشطة الاقتصادية لم تخلق الدينامية التي كانت مرجوة..". قبل حوالي سنتين، تعهد والي الجهة، محمد امهيدية، بتنفيذ عملية تحويل اقتصادي شامل في الفنيدق. لكن منذ الانتخابات، العام الماضي، تغيرت نبرة المسؤولين على صعيد الجهة. بمقدور مجلس جهة طنجةتطوان دعم مشاريع كبيرة، لكنه لم يفعل. وفقا للياسيني، فإن "شيئا غريبا يحدث منذ الانتخابات"، مشيرا بذلك إلى "عدم رغبة رئيس الجهة في دعم أي مشاريع في الفنيدق، بحسب ما يسره برلماني يتحدر من البلدة إلى مقربيه". وتحت وطأة الأزمة المعيشية، لا يحبذ الياسني فكرة "الوقوف عاجزا" على ملاحقة أي فرصة لتعزيز الاقتصاد المحلي. لكنه بقدر ما يشعر بالتفاؤل، فهو أيضا يحس بأن "صدره يضيق يوما بعد يوم"، من فكرة أن "تٌترك الجماعة وحيدة في مواجهة غضب الناس" مجددا.