بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الثقافة، قدمت فرقة اللمة العرض ما قبل الأول لمسرحية JOYEUX ANNIVERSAIRE على خشبة قاعة باحنيني يوم 26 شتنبر 2022 أمام جمهور غفير من المهتمين وعدد مهم من الوجوه البارزة من الممثلات و الممثلين والمخرجين في مجالي المسرح والسينما. العرض المسرحي *عيد ميلاد سعيد* إن صح التعبير من تأليف وإخراج فاطمة الزهراء لهويطر وتشخيص عادل أبا تراب وفريدة البوعزاوي. تعريب النص نبيل المنصوري وسينوغرافيا عبد الحي السغروشني والمحافظة العامة عبد الرحمان دو منصور. وإدارة الإنتاج والتواصل إيمان تكيطو تصوير لقطات العرض بعدسة حمزة امحيمدات. يحاول العرض المسرحي عيد ميلاد سعيد* رصد ظاهرة العيش البئيس من الوحدة والانفراد دون أسرة أو رفيق أوحتى منصت أنيس، حياة بدون رفقة تؤدي إلى الموت، تنبني المواقف الدرامية للعرض من خلال حوار بين رجل كبير في السن يعيش وحيدا في شقة وطبيبة تشتغل لدى مؤسسة صحية تتكفل بالمرضى الميؤوس من عيشهم لمنحهم حق طلب الموت الرحيم. النص كمضمون فكري تميز بملامسة قضية إجتماعية نادرا ما يتم التعرض لها، وتتعلق بأحاسيس نفسية لمجموعة من كبارالسن. يشعرون بالضياع في عالم غريب، ووحدة قاتلة. حياة لا أنيس فيها ولا جليس، الأحبة رحلوا والأبناء هجروا الآباء، ملامسة فنية جريئة في معالجة فكرة طلب الموت الرحيم وتنفيذه في مجتمع لا يقبل به ولا يجيزه قانونيا وأخلاقيا، وتلك هي المغامرة الإبداعية التي ركبتها مؤلفة النص وربحتها بفعل التجاوب الكبير مع الجمهور الذي حضر وتابع العرض دون ملل أوتبرم حتى في أقصى لحظات الصمت النص كتب باللغة الفرنسية وقام المبدع نبيل المنصوري بتعريب جل حوارات المشهد الثاني إلى الدارجة وكأنه تأليف خالص، مما منح ايقاع العرض بعدا تواصليا أعمق مع المتلقي سواء في لحظات بكاء البطل أوضحكه أوتقليد صوت ممرضة الملجأ وهي أيضا نفس المساحة التعبيرية التي منحت المبدع المجدد عادل أبا تراب بطل المسرحية مجالا أوسع لتشخيص الدور بشكل أعمق وأمتع حين يكتشف المسن / طالب الموت الرحيم أن الطبيبة مانحة الموت من بني جلدته ويطلب منها استكمال الحديث بالدارجة. حيث قبلت بدون تردد. أخدت المسرحية بعد ذلك نسقا تواصليا مع المتلقي في التجاوب والتفاعل بحكم قوة الانتقال اللغوي من الفرنسية كلغة بلد الهجرة والمعيش اليومي وقلق الحياة ومعاناة الوجود الإنساني في غربته ووحدته ومنفاه الاختياري إلى لغة الأم والوطن والحنين إلى الأصل وتأكيد التشبث بالهوية الثقافية. مهاجر مغربي فقد في بلاد الغربة كل شيء ولم يبق أمامه سوى الموت، موت رحيم بدون ألم، داخل بيته ومقعده الوثير رغم محاولة حاملة الموت، بكل الطرق ثني طالب الموت عن فكرته، ولكنه أصر وباقتناع أنه راض وراغب في ذلك الموت لكي يستريح إلى الأبد. فيما يخص لأداء التشخيصي للعرض، فإنه يركز على شخصيتين حاضرتين فوق الركح وشخصيات أخرى مفكر فيها أو حاضرة بشكل رمزي من خلال صور فوتوغرافية وأصوات على الهاتف وأخرى على المذياع وأمام باب الشقة الدور الرئيسي في المسرحية أداه باقتدار الممثل عادل أبا تراب من خلال اندماجه النفسي والجسماني في شخصية الرجل المسن اليائس من الحياة والذي ينتظر لحظة الموت بشوق كبير، تقمص وتشخيص دقيق لرجل مسن أحدب قليلا، يتحرك ببطء وبخطوات متقاربة، رأسه مدلى وعنقه مشدود إلى الأمام ، شخص تائه حائر ينتقل بدون معنى من غرفة /صالون صغير إلى المطبخ إلى زاوية قرب باب الخروج، ومع ذلك يولي عناية لأثاث بيته عند إسدال ستار عرض الصور أو إقفال النافذة أو طي الملابس ودسها في دولاب كارتوني كإشارة إلى الهشاشة أو القمامة أو الشحن إلى وجهة أخرى قد تكون رحلة نهائية. شخصية تعطي لكل حركة دلالتها الوجودية في نظرات شاردة وملامح وجه معبرة عن أحاسيس الرجل بلغت ذروتها في لحظة استقبال الموت. ينزع الرجل بتثاقل قميص وسروال بيجامته ليرتدي لباسا أنيقا كأنه ذاهب إلى حفل فاخر وفي لحظات احتضاره يمد يده مصافحا شاكرا حسن صنيع قاتلته وعلى وجهه ابتسامة عريضة ولسان حاله يقول شكرا لك سيدتي إنك منحتني هذه الراحة الأبدية. الشخصية الثانية المكملة للأولى هي الطبيبة العاملة بمؤسسة صحية لتلبية طلبات الموت الرحيم لكل مريض يائس من العيش. شخصية متزنة تعي بعمق دورها في تأدية الواجب ولكنها في نفس الوقت أدركت أن الرجل المسن لا يعاني من أي مرض جسماني ولا يستحق الموت الرحيم، ورغم صلابة شخصية الطبيبة التي ألفت تأدية هذه المهمة باحترافية إلا أن إنسانيتها فرضت عليها إقناع الرجل بالعدول عن فكرة طلب الموت، ولكنها فشلت في ذلك، وقررت أن تحتفل معه بعيد ميلاده قبل الاستجابة لطلبه، حيث قدمت له قطعة الحلوى المزينة بفاكهة التوت الأحمر وطلبت منه إطفاء شمعته/ الأخيرة. على نغمات أغنية *سالمة يا سلامة*، حيث بدأت تحكي عن أمها كيف كانت تحب أكل التوت الأحمر ،وكيف كانت نظراتها فارغة شاردة وهي على فراش الموت. أداء صادق وبسيط منح المشخصة فريدة البوعزاوي ثقة في إضفاء لمسة راقية احترافية على دورها وهي تمسك بالحقيبة الطبية وتقدم قارورات السم القاتل إلى المسن وتشرح له خصائص الموت، وبنفس الهدوء تقدم كأس الموت للرجل الذي تجرعه بالطريقة السقراطية ناشدا طريق الخلاص الأبدي … تجس الطبيبة نبض المسن. وتعلن موته للجهة المختصة، والملاحظ أن شخصية الطبيبة مانحة الموت لطالبيه أعطت للعرض توازنا في إيقاعاته الفكرية والركحية ببعد إنساني راق في أكثر من لحظة. فيما يخص التأثيث السينوغرافي للعرض، فإنك من اللحظة الأولى تجد نفسك مشدودا إلى غرفة غريبة بمساحة ضيقة وبشكل أضيق في العمق، ذات سقف مائل إلى الخلف يتضمن قطعا وظفت كشاشة لعرض صور الذكريات الجميلة ونافذة ذات ستار، ولعل اختيار الشكل الغرائبي للغرفة لإعطاء تفسير نفسي لساكنها وحدود حياته الماضية والآتية /موضوع النص المسرحي، غرفة مؤثثة بكرسيين أحدهما وثير خاص بالرجل المسن يقضي فوقه لحظاته الحميمية، والثاني كرسي صغير قدمه لزائرته للجلوس عليه جل لحظات الحوار معه حتى النهاية، إضاءة مسرحية خافتة ومصابيح بيتية توظف في لحظات مختلفة من التنامي الدرامي للعرض، وعلب كارتون كمؤشر على الرحيل بدون مرض عضال ومؤثرات صوتية وموسيقية معبرة بشكل دقيق وجميل، خصوصا في المشهد الأول حين غاب الكلام أمام حضور الحركة وحضر الصمت الرهيب، شخصيات بملابس عادية ولكنها مناسبة، وماكياج منح عادل أبا تراب سحنة الرجل المسن الرؤية الإخراحية للعرض رغم جرأة النص في ملامسة قضية عويصة إلا أن التفسير الذي قدمته مخرجة العرض فاطمة لهويطر لنصها لم يخرج عن أدبيات الإخراج الكلاسيكي سواء في المحافظة على عتبات التدرج في بناء الأحداث وإبراز الشخصيات في صورة البطل الوحيد والمحافظة على التنامي الدرامي، وصولا إلى العقدة حين اكتشفنا أن الرجل لا يستحق خدمات الموت الرحيم ثم البحث عن تنازل مشوق وغريب، مما ساهم في شد انتباه المتلقي وإرغامه على متابعة تفسير المخرجة المخالف لكل التوقعات، وهي طريقة إبداعية تفوقت فيها المخرجة فاطمة الزهراء لهويطر إلى حد كبير، حين اعتقدنا أن الطبيبة ستقنع الرجل بالعدول عن فكرة الموت، ولكن التفسير الذي أعطته المخرجة للنهاية كان عكس توقعاتنا ومات الرجل، وإمعانا في إدهاش المتلقي نتفاجأ بصوت الولد والبنت يعلنان قدومهما المفاجئ للاحتفال مع أبيهما بعيد ميلاده وهكذا تحكمت المخرجة بطريقة إخراج مشوق للأحداث مع تو جيه محنك لممثلين محترفين من درجة ممتازة، وتنسيق موفق لكافة عناصر إبداع هذه المسرحية من كتابة النص وتعريبه إلى التشخيص وأدواته إلى الفضاء وأسلوب تأثيثه الغرائبي… تجربة جميلة من مخرجة صاعدة ولكنها واعدة بعطاءات فياضة في أعمال قادمة.