أمةٌ بوّأت الشاعر ما يستحقه من مقام، هو الذي ينسج القوافي من معادنها، فيشحذ الهمم، ويلامس القمم. حتى قال أبو الطيب المتنبي، سامحه الله: وكيف لا يُحسد امرؤٌ عَلمٌ.. له على كل هامةٍ قدمُ! وظل الشاعر لدينا مكينٌ منذ الجاهلية، واستمر على ذلك الحال، حتى في صدر الإسلام وعصور النهضة والانحطاط، إلى عصر الناس هذا، حيث مازال للشاعر بعضٌ من تقدير. أي أمة بكت شاعرها، كما فعلت أمة الضاد عندما رحل نزار قباني أو محمود درويش أو حتى شاعر العامية المصرية أحمد فؤاد نجم؟! الشعر هو ما تبقى من احتفالنا بالوجدان في زمن لا يعلو فيه صوت على صوت المادة. مناسبة هذا الكلام هي «هجاء» حكيم بنشماس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، لرئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، بشعر، ليس من بنات قريحته طبعا، بل استقاه من قصيدة للمتنبي في ذم كافور الإخشيدي. الأبيات التي اختارها «حكيم الپام» تقول: «لا شيء أقبح من فحل له ذكر.. تقوده أَمَة ليست لها رحم.. سادات كل أناس من نفوسهم.. وسادة المسلمين الأعبد القزم.. أغاية الدين أن تحفوا شواربكم.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم…». كنت أتمنى أن يتسع صدر بنكيران لهذا الكلام الموزون وإن كان بعضه في غير محلّه، أليس هو «الصدر الأعظم»؟! لكن الأمر لم يكن كذلك، فالسيد «الرئيس» ردّ على «المستشار المحترم» بقوة، وخاطبه بقوله «هؤلاء لا يضبطون حتى اللغة؛ إذ لا يميزون بين الأُمّة والأَمَة، فهذا الذي لا يميز بين الأمرين آش دّاه لشعر المتنبي؟!». بنكيران لم يرقه مقطع «لا شيء أقبح من فحل له ذكر.. تقوده أَمَة ليست لها رحم»، وهذا من حقه، لأن فيه إساءة بالغة، لأن المتنبي وصف كافور ب«أَمة ليست لها رحم»، وقصد أنه عبدٌ خصيّ، لا يحق له أن يقود فحلا له ذكر! وأنا أظن، والله أعلم، وهذا ظن ليس بعضه ولا كلّه إثم، أن بنشماس خانه استشهاده، وربما فهمُه، وإنما كان يقصد التشديد على المقطع الأخير، الذي كان يريد، من خلاله، أن يلمز إلى الإسلاميين، وهو المقطع الذي يقول فيه المتنبي، لله دره، «أغاية الدين أن تحفّوا شواربكم.. يا أُمة ضحكت من جهلها الأمم». كلام رائعٌ ينطبق على عصور الظلمات التي مرت منها الأُمّة؛ حيث كان كل من يُعبّر عن رأي مختلف يُشوى كالشاة، وينطبق أيضا على عصرنا؛ حيث كثر «طيورُ الظلام» المستعدون للطِّعان بأسنّة التكفير! لكن بنكيران وإخوانه في الحكومة، وهذه ميزة أذكرها لهم، لم يحفّوا شواربهم فقط، بل حفّوا حتى لحيهم، ربما ليسايروا العصر وشؤون الحكم التي يلتبس فيها الحق بالباطل، وأتمنى أن يكون ذلك مضمونا وليس شكلا فقط… وبالعودة إلى هذه المقارعة «الشعرية»، أتمنى من السياسيين أن يتركوا الشعر لأصحابه، حتى لا يتعرض لعسفهم، وهو شيء مؤكدٌ، في ظل غياب الشعراء عن العمل السياسي… وهنا أذكر لحظة استثنائية، عندما نظمت جمعيتان مغربيتان، في السنة الماضية، مسابقة في الزجل، وهو شعرٌ ولو كره الكارهون، لتقييم تجربة حكومة بنكيران. والمثير أنه من بين 58 شاعرا شاركوا في المسابقة، 4 شعراء فقط، كانوا مؤيدين للتجربة الحكومية الحالية. تُرى لو استشهد بنشماس بإحدى القصائد الفائزة في تلك المسابقة، من قبيل قصيدة «هذا الفقيه جاينا»، هل كان بنكيران سيغضب تلك الغضبة المُضرية؟«في البدء أمةٌ بوّأت الشاعر ما يستحقه من مقام، هو الذي ينسج القوافي من معادنها، فيشحذ الهمم، ويلامس القمم. حتى قال أبو الطيب المتنبي، سامحه الله: وكيف لا يُحسد امرؤٌ عَلمٌ.. له على كل هامةٍ قدمُ! وظل الشاعر لدينا مكينٌ منذ الجاهلية، واستمر على ذلك الحال، حتى في صدر الإسلام وعصور النهضة والانحطاط، إلى عصر الناس هذا، حيث مازال للشاعر بعضٌ من تقدير. أي أمة بكت شاعرها، كما فعلت أمة الضاد عندما رحل نزار قباني أو محمود درويش أو حتى شاعر العامية المصرية أحمد فؤاد نجم؟! الشعر هو ما تبقى من احتفالنا بالوجدان في زمن لا يعلو فيه صوت على صوت المادة. مناسبة هذا الكلام هي «هجاء» حكيم بنشماس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، لرئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، بشعر، ليس من بنات قريحته طبعا، بل استقاه من قصيدة للمتنبي في ذم كافور الإخشيدي. الأبيات التي اختارها «حكيم الپام» تقول: «لا شيء أقبح من فحل له ذكر.. تقوده أَمَة ليست لها رحم.. سادات كل أناس من نفوسهم.. وسادة المسلمين الأعبد القزم.. أغاية الدين أن تحفوا شواربكم.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم…». كنت أتمنى أن يتسع صدر بنكيران لهذا الكلام الموزون وإن كان بعضه في غير محلّه، أليس هو «الصدر الأعظم»؟! لكن الأمر لم يكن كذلك، فالسيد «الرئيس» ردّ على «المستشار المحترم» بقوة، وخاطبه بقوله «هؤلاء لا يضبطون حتى اللغة؛ إذ لا يميزون بين الأُمّة والأَمَة، فهذا الذي لا يميز بين الأمرين آش دّاه لشعر المتنبي؟!». بنكيران لم يرقه مقطع «لا شيء أقبح من فحل له ذكر.. تقوده أَمَة ليست لها رحم»، وهذا من حقه، لأن فيه إساءة بالغة، لأن المتنبي وصف كافور ب«أَمة ليست لها رحم»، وقصد أنه عبدٌ خصيّ، لا يحق له أن يقود فحلا له ذكر! وأنا أظن، والله أعلم، وهذا ظن ليس بعضه ولا كلّه إثم، أن بنشماس خانه استشهاده، وربما فهمُه، وإنما كان يقصد التشديد على المقطع الأخير، الذي كان يريد، من خلاله، أن يلمز إلى الإسلاميين، وهو المقطع الذي يقول فيه المتنبي، لله دره، «أغاية الدين أن تحفّوا شواربكم.. يا أُمة ضحكت من جهلها الأمم». كلام رائعٌ ينطبق على عصور الظلمات التي مرت منها الأُمّة؛ حيث كان كل من يُعبّر عن رأي مختلف يُشوى كالشاة، وينطبق أيضا على عصرنا؛ حيث كثر «طيورُ الظلام» المستعدون للطِّعان بأسنّة التكفير! لكن بنكيران وإخوانه في الحكومة، وهذه ميزة أذكرها لهم، لم يحفّوا شواربهم فقط، بل حفّوا حتى لحيهم، ربما ليسايروا العصر وشؤون الحكم التي يلتبس فيها الحق بالباطل، وأتمنى أن يكون ذلك مضمونا وليس شكلا فقط… وبالعودة إلى هذه المقارعة «الشعرية»، أتمنى من السياسيين أن يتركوا الشعر لأصحابه، حتى لا يتعرض لعسفهم، وهو شيء مؤكدٌ، في ظل غياب الشعراء عن العمل السياسي… وهنا أذكر لحظة استثنائية، عندما نظمت جمعيتان مغربيتان، في السنة الماضية، مسابقة في الزجل، وهو شعرٌ ولو كره الكارهون، لتقييم تجربة حكومة بنكيران. والمثير أنه من بين 58 شاعرا شاركوا في المسابقة، 4 شعراء فقط، كانوا مؤيدين للتجربة الحكومية الحالية. تُرى لو استشهد بنشماس بإحدى القصائد الفائزة في تلك المسابقة، من قبيل قصيدة «هذا الفقيه جاينا»، هل كان بنكيران سيغضب تلك الغضبة المُضرية؟