عندما طعن طه حسين في متون الشعر الجاهلي عبر كتابه المثير للجدل آنذاك والآن أيضا، كاشفا عن خلل كبير في بناء موروثنا الثقافي، يتمثل في الأخذ بالرواية، كان أول من تصدى له الأزهر الشريف أو لنقل "فاتيكان المسلمين"، فكفره زملاؤه الأزهريون، وأطلقوا في حقه أحكام الإلحاد والزندقة، وعندما تساءل الناس مال الأزهر وامرؤ القيس وعنترة بن شداد، كان العميد الأزهري طه حسين، وحده يعرف الإجابة، إن الطعن في الرواية يصيبنا في مقتل، فيتداعى بعده الطعن في السنة النبوية بل وفي كل ما جاءنا تواترا.. نحن أمة تمجد الأذن، والرواية هي ما كان إلى عهد قريب بمنطق التاريخ عماد ثقافتنا وهوياتنا المتعددة. وعندما ترتفع أصوات مطالبة بتقعيد اللغة الدارجة، فمن الطبيعي أن يتصدى لها المحافظون والأصوليون، من الطبيعي أن يقلق أي مطلب كهذا سدنة المعبد، اللغة العربية لغة القرآن اللغة التي يتكلم بها الخالق، وسيتكلم بها الناس في الجنة، اللغة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، إن الخوف على اللغة العربية هو في عمقه خوف على الإسلام، خوف على القرآن، الذي نزله الله بلسان عربي مبين وتكلف بحفظه، ويتعدى ذلك إلى كل مناحي التفكير عندنا، التي تدور في فلك واحد، هو الإسلام، فهو من جعل رعاة الإبل الباحثين عن الماء والكلأ، خير أمة أخرجت للناس، وهو من مكن العرب من إيوان كسرى وديوان قيصر، الإسلام هو الذي اجتمعت حوله معارفنا وانتصاراتنا ومجدنا، الإسلام هو اللغة واللغة هي الإسلام أنه جدل لا يمكن الفصل فيه، هل تريدون أن تتحول الدارجة المغربية إلى لغة مشتقة من العربية مثلما حدث مع الفرنسية، وتبقى العربية لغة الكتاب المقدس لدينا (القرآن)، وينحصر دورها في التعبد، هل تريدون أن يبدع الناس بالدارجة، وينبذوا لغة قريش، وهي لغة البيت وآله؟؟ ذلك مستحيل ويتطلب وقتا؟؟ عن أي وقت تتحدثون أيها السادة؟؟ نحن منذ مئات السنين ننفق الوقت على الشعر والبلاغة والفصاحة وعيون الأدب، ما الذي غيرناه؟؟ خلال متابعتي لهذا النقاش القديم/الجديد سمعت رأيا يقول إن الدارجة لا ثراث لها، والحقيقة أنني أصنت للملحون، فأجد استعارات بليغة وأجد كنايات بديعة، وأنصت لمقاطع في طرب الآلة، فأجد شعرا بالدارجة يضاهي ما كتبه كبار الشعراء الذي أحصاهم ابن سلام الجمحي في طبقاته، وأنصت للمثل المغربي فأجده نافذا يقول ما لا تقوله أحيانا الفصحى.. قال بن خلدون في مقدمته، العرب لا يكون لهم الملك إلا بالنبوة، فوجب أن نقيس على ذلك لغتهم التي لا يكون لها الحضور إلا بالدين، اللغة العربية يحميها النص المقدس، ولا يحميها تفردها ولا قوتها ولا مفرداتها، فهي لغة مثل غيرها من اللغات وجب تثويرها، وتجاوزها، اللغة العربية لغة، لا صيغة للمستقبل في إعرابها ربما هذه هي المشكلة..