فنان عرف كيف يضحك من حوله وهو الممتلئ ألما بسبب اليتم. تعلم مبادئ المسرح داخل السجن وهو العاشق للموسيقى والغناء، إذ كان مولعا بكل من أحمد البيضاوي ومحمد عبد الوهاب. إنه قيدوم الفكاهيين المغاربة الفنان عبد الرحيم التونسي الشهير بلقب «عبد الرؤوف»، آخر ضحايا قتل الفايسبوك، الذي تبادل الفايسبوكيون في الأيام الأخيرة إشاعة وفاته، وهو ما نفاه بحس لا يخلو من فكاهة، في اتصال ل«اليوم24» التي حاولت التأكد من الخبر، وقال: «تلقيت اتصالات من جهات مختلفة بهذا الشأن، واندهشت مؤخرا لأن كثيرين يفاجؤون بلقائي معتقدين أنني قد توفيت، كان آخرهم أحد رجال الأمن الذي قال لي: اعتقدتك ميتا وأنت حي ترزق. فأجبته: «مشيت عند الموت لكن عزرائيل مقبلنيش ورجعني.. قال لي سير حتى تجيب معاك شي بوليسي»، مضيفا «إن من توفي نهاية الأسبوع الماضي كان أخي رحمه الله.. في هذا الزمن الفايسبوك ولى اللي ما عندو خبار يدير منو خبار.. بزاف كيتعداو على الناس ويقتلوهم غير باش يضحكو.. قتلوني مرة سابقة، في أبريل الماضي حين كنت أهم بإجراء عملية تكفل بها جلالة الملك مشكورا… حشوما هادشي». عبد الرؤوف الذي رأى النور سنة 1936، وعاش طفولة يتيمة، وتعرض لحادث شغل سنة 1965 ألزمه الفراش عاما كاملا، بعد كسر أصاب عموده الفقري، مازالت آثاره بادية إلى اليوم، حيث يشوب مشيه عرج خفيف. «عبد الرؤوف» انضم قبل سن الثامنة عشرة إلى صفوف المقاومة فسجن مرتين وعذب شهرا كاملا «شهر ديال العصا والعذاب مانسيتوش»، يقول ل«أخبار اليوم». الفنان لم يتلقن مبادئ المسرح في دار للشباب أو ما شابه كما في زمن جيله، وإنما داخل السجن على مدى 5 أشهر ويزيد، حيث التقى مجموعة هاوية للمسرح، ضمت شبابا عشرينيا هاويا للتمثيل. المجموعة، كانت بحاجة إلى شخص يتقمص دور شيخ بدوي «شيباني»، اقترحوا عليه الأمر، فقبل وقلد أمامهم أحد مشاهير الفكاهة الذي برع في هذا الدور، حينها، أحمد القدميري، «ضحكوا وأعجبهم أدائي، ومن ثم كانت بداية التمثيل مع شخصية «الشيباني» التي أديتها في تمثيليات عديدة كانت تجسيدا ليوميات المغاربة مع «المقدمين والشيوخ والرشوة والمستعمر» ضمن فرقة «نجمة المساء» التي أسسناها بعد مغادرتنا السجن لدى عودة الملك الراحل من المنفى»، يروي عبد الرؤوف الذي لا يندم على الفترة الثانية من سجنه ويضيف: «المقاومة قادتني إلى السجن، والسجن قادني إلى التمثيل، ففيه تلقيت مبادئ الفن». بعد أفول «نجمة المساء» التي أنارت دربه المسرحي ما بين 1955 و1956، لبس عبد الرحيم التونسي جلباب عبد الرؤوف الفضفاض الموسوم بحسه الفكاهي ومظهره الطفولي، وركب صهوة المسرح ليرسم أولى صوره الكوميدية في ذاكرة الجمهور المغربي أوائل سنوات الستينات فنجح… تألق سنوات السبعينات والثمانينات، وشد إليه انتباه الصغير والكبير من خلال أعمال كانت تجد في يوميات المواطن المغربي أرضا خصبة تمتح منها لإغناء مواضيعها. حادث قتل عبد الرؤوف على الفايسبوك، وهو ينبض عطاء ويخطط لمشاريع جديدة كتبها ليجسدها رفقة فرقته المسرحية المشكلة من أبنائه، قد لا يختلف عن حوادث «قتل» فنه الذي حرمته القنوات العمومية من فرصة الخطو أمام الجمهور الذي قد يتساءل هل سقط الفنان في مطب النمطية وصار عاجزا عن تجديد نفسه ليساير تطور تذوق المغربي للفكاهة؟ سؤال ما تُركت لعبد الرؤوف فرصة الإجابة عنه. اليوم، على ذكرى النجاح والشهرة وإضحاك الجميع يعيش عبد الرؤوف حاضره، بعد أن توالت سنوات رفض فيها الإعلام العمومي، وخاصة القناتين الأولى والثانية، منحه فرصة أن يطل من جديد على الجمهور، وهو المليء بالصور والحكايا الفكاهية، التي يقول إن آخرها كانت تلك التي جسدها قبل سنوات، والتي لم ترضه بسبب سوء المونتاج الذي لحق حلقات سلسلتها من القناة في غيابه. عبد الرؤوف أجاب عن سؤال سابق ل« اليوم24»، يتعلق بما يشاهده الفنانون المغاربة على التلفزيون في رمضان، بقوله: «أكتفي بمتابعة مسلسل الفقصة ديالي»، مضيفا: «تنكرت لي القناة الأولى التي اشتغلت إلى جانبها سنوات طويلة مجانا، والتي لا تكلف نفسها حتى عناء الرد إيجابا أو سلبا على مقترحات أعمالي، التي أقدمها كما اتفق، هذه القناة مثلها مثل القناة الثانية التي لا تقبل عرض عمل ما إلا بعد رشوة ما». عن عبد الرحيم التونسي، الذي يستمر وفيا لشخصية عبد الرؤوف، التي يختزل كنهها تاريخ الفن الفكاهي بالمغرب على مدى حوالي 50 سنة، يقول الفنان الساخر حسن الفذ، في حوار سابق مع الجريدة: «الفنان عبد الرؤوف هو أحد مدارس الكوميديا المغربية التي نهلت منها لأكون ما أنا عليه اليوم».