حموشي يستقبل رئيس جهاز الشرطة التابع لهيئة الأمم المتحدة        أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه صلابة تشيلسي في اختبار كلاسيكي وسيتي يتحدى ليفركوزن    حادثة سير تودي بحياة مفتشة تعليم وترسل أخرى إلى مستعجلات العرائش    مهرجان "أزاما آرت" يعود في دورته الثالثة بأزمور تحت شعار الثقافة والفن    مسرح رياض السلطان يجمع النمساوية سيبا كايان والسوري عروة صالح في عرض يدمج الموسيقى الالكترونية بالروحانية الصوفية    ليلةُ الاستقلالِ والمَسيرةِ فى تونس... حين التقت الضفتان على نغمة واحدة    مشروع قانون المسطرة المدنية وإعادة تنظيم "ISIC" على طاولة مجلس الحكومة    لقجع يعبر عن استيائه من تحكيم مباراة المغرب والبرازيل ويؤكد الحاجة لتحسين الأداء التحكيمي    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    موجة برد وأمطار متفرقة بعدة مناطق    باتنا يرفض الإجابة بخصوص عدم المناداة عليه للمنتخب المغربي الرديف    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    امرأة تُقتل كل 10 دقائق... تقرير أممي يكشف أرقاما صادمة عن تصاعد جرائم قتل النساء عبر العالم        كوكاكولا يطلق مشروع حماة الأراضي الرطبة المتحدة لتعزيز الأمن المائي في المغرب    "الجبهة" تدعو لتظاهرات شعبية تخليدا لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني        جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية السورينام بمناسبة العيد الوطني لبلادها    بعد ساعات من طرحها للبيع.. نفاد تذاكر مباراة الجيش الملكي ضد الأهلي    لبؤات الأطلس يواجهن وديا بوركينافاسو وجنوب إفريقيا    في اليوم ال46 للهدنة... قتيل فلسطيني وقصف متواصل وخطة ترامب للسلام تتعثر    "بي دي إس": سفينة جديدة ترسو بميناء طنجة محملة بشحنة متجهة إلى إسرائيل    الأمم المتحدة تتهم إسرائيل بارتكاب "مجزرة مساكن" في غزة وتربط الهدم بجريمة الإبادة الجماعية    أفغانستان تتوعد بالرد على باكستان    الشريط الشاهد الناطق الحي، وانتصار مشروع للصحفي المهداوي على أصحاب ....UN PETIT MOT POUR A وأصحاب ... LES GROS MOTS    لقجع: الرياضة ليست مجرد لعب... بل مدرسة لبناء الإنسان وترسيخ قيم حقوق الإنسان    باحثون مغاربة يؤسسون أول منتدى وطني لعلوم التربية وانتخاب لحسن مادي رئيسا بالإجماع    ميزة جديدة لتحديد الموقع على منصة "إكس" تثير جدلا في العالم    عمدة نيويورك ممداني يُظهر عشقه لأرسنال ويستحضر الشماخ في حوار بودكاست    الاتحاد الوجدي يسقط "الماط" ويمنح جاره المولودية فرصة خطف الصدارة        أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    قافلة الدعم للمقاولات تحطّ بالمضيق... آليات جديدة لتعزيز الاستثمار وخلق فرص الشغل    مشروع القانون 16/22: تحديث وتنظيم مهنة العدول وحماية حقوق المتعاملين    "الصحراء المغربية" تحضر بقوة في أسئلة البرلمان الإسباني الموجهة لألباريس    كاتب جزائري يحذر من ضغوط أمريكية على الجزائر بعد تبني قرار مجلس الأمن حول الصحراء    كيوسك الثلاثاء | وزارة الصحة تلزم مديريها بنشر لوائح الأطباء المكلفين بالحراسة لضمان استمرارية الخدمات    مجلس المستشارين.. نادية فتاح: مشروع قانون المالية يؤكد أولوية البعد الاجتماعي والمجالي ويرسخ دينامية الإصلاح        روسيا تقترح تنظيم مونديال لغير المؤهلين لنسخة 2026..    صنّاع الأفلام القطريون والمقيمون في قطر يؤكدون على أهمية دعم مؤسسة الدوحة للأفلام والمجتمع الإبداعي في بناء صناعة سينمائية مستدامة    ستيفن سودربرغ في مهرجان الدوحة السينمائي: سرد القصص الجيدة قائم في تكويننا وصفة مشتركة بيننا        إيران تعلن تنفيذ الإعدام بحق مغتصب    آلام الأذن لدى الأطفال .. متى تستلزم استشارة الطبيب؟    دراسة: التدخين من وقت لآخر يسبب أضرارا خطيرة للقلب    دراسة علمية تشير لإمكانية إعادة البصر لمصابي كسل العين    وفاة الممثل الألماني وأيقونة هوليوود أودو كير عن 81 عاماً    تسوية قضائية تُعيد لحمزة الفيلالي حريته    مملكة القصب " بمهرجان الدوحة السينمائي في أول عرض له بشمال إفريقيا والشرق الأوسط        دراسة: استخدام الأصابع في الحساب يمهد للتفوق في الرياضيات    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تتشكّل فُهومُ القارئ لمقصود الكاتب؟
نشر في اليوم 24 يوم 31 - 03 - 2022

استهل هذا المقال بأمثلة تقريبية في شكل تساؤلات: هل يمكن لِمن بضاعته من المعرفة الأصولية والفقهية واللغوية (والدلالية) مزجاة أن يفهم القواعد الفقهية الكلية التي بثّها الإمام شهاب الدين القرافي في كتابه "الفروق" فهمًا دقيقًا؟!
وهل يتأتي لمن بضاعته من الفلسفة والمنطق واللغة مزجاة أن يفهم القول الفلسفي لكل من الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن أو الفيلسوف التونسي أبي يعرب المرزوقي أو الفيلسوف اللبناني علي حرب (أو غيرهم من أصحاب المشاريع الفلسفية) فهمًا دقيقًا؟
أكيد لا. إذ لا بد من امتلاك مجموعة من المداخل للدخول من خلالها إلى هذه العوالم المعرفية. أو على الأقل الحد الأدنى من تلكم المداخل.
ربما قد يفهم قارئ ما أشياء معينة لا صلة لها بمراد الكاتب.
صحيح أننا لا نستطيع إدراك المراد الحقيقي للكاتب ولكن على الأقل تحمينا تلك الأدواتُ المعرفية واللغوية والدلالية من آفة بناء فهوم قد تقف على طرفي نقيض من مقصد الكاتب.
ومن هنا ضرورة الوعي بمجموعة من المعالم والمحددات للتعامل مع الأفكار البشرية، والتي تسهم بدورها في بناء فهم معين لمراد الكاتب أو المؤلف.
أولا: إن الأساس هو أن نفهم ما يريد قوله صاحب النص حتى لا نُحمله أكثر مما يحتمل. ثم بعد ذلك تأتي الدراسة النقدية، واستخراج المسكوت عنه أو ما سكت عنه أو ما لا يريد هذا الفيلسوف أو هذا الباحث قوله، وكذا البحث في مدى اتساق نصه (اتساق النتائج مع المقدمات)…
إن كلّ حقل من الحقول المعرفية له أسسه ومداخله وأدواته ومصطلحاته ومنطقه… وهذا ما يضفي عليه معنى محدّدا يميزه عن غيره من الحقول. والكتابة في هذا الحقل لا يمكن أن تتم بمعزل عن هذه العناصر…، كما أن استحضار هذه العناصر ضروري لفهم ما يُكتبُ في هذا الحقل المعرفي.
وبالتالي فإن القارئَ يفهم ما يكتبه الكاتبُ في إطار هذه العناصر التي تشكل "هوية" ذلك الحقل؛ قد تتعدد الفهوم لكن في إطار تلك العناصر، وقد نكون أمام نص متعدد الدلالات لكن في إطار جوهر ثابت؛ وإلا سنسقط في سيولة الدلالات الغير متناهية التي لا جوهر لها…
ثانيا: إنَّ السقف المعرفي والناصية اللغوية والمسَلمات الجاهزة والحالة النفسية من العناصر الأساسية التي تَتَحكّم في طبيعة فهم القارئ لمقصود الكاتب؛ فقد يتشكّل لدى القارئ فهمٌ بعيد عن مراد صاحب النص، كما قد يُردّد القارئ مقولات لفلاسفة وكُتاب كبار… لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه قد استوعب ما يريد هذا الفيلسوف أو الكاتب إيصاله للناس.
ربما استطاع القارئ أن يبني فهما خاصا له لكن هذا الفهم يظل أسيرا لمستوى سقفه المعرفي وناصيته اللغوية.
فقد يقرأ قارئ كتابا مُعيّنا فيرى فيه كتابا في "الأخلاق" أو "الإرشاد"، وقد يرى فيه غيره كتابا في "الثورة" أو "الإصلاح"…
ومن هنا وَجَبَ التريث أثناء ادعائنا بفهمنا واستيعابنا لمجموعة من الكتابات والمشاريع الفلسفية والفكرية…
فقد تبدع طفلة صغيرة ويسحرنا صوتها كما أداؤها أثناء غنائها لقصائد غنائية في الحب والغرام… وهذا لا يعني البتة أنها استوعبت معاني وأبعاد الحب والغرام!
ثالثا: علاقة بالنقطة السابقة، تعدّ "المُسَلَّماتِ الجاهزةَ" من بين العناصر التي قد تحدد نوعية فهم القارئ لنصوص شرعية أو فلسفية أو فكرية… فتلك المسَلّمات (ربما بشكل غير واع) تجعل القارئ يُهمش أفكارا ويُعلي أخرى… وهذا كلّه في سبيل تأكيد مسَلَّماته القَبْلية.
بل قد يتعدّى الأمر إلى الحكم على منتوج شرعي أو فكري أو فلسفي بكامله انطلاقا من تلك المسلمات الجاهزة أو القبْلية.
سمعتُ مرة أحد "الدعاة" الذين يظهرون بشكل مستمر على القنوات الفضائية "الدينية" وغيرها يقول: إنه من المستبعد جدا أن يكون كتاب "‫مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" من تأليف الإمام ابن قيم الجوزية!
لماذا؟ لأن هذا "الداعية" بَرمجَ عقله على موقف سلبي من التصوف (مسَلّمة جاهزة)، ولمّا وجد في هذا الكتاب نصوصا وكلمات وعبارات (قدس الله روحه مثلا) تحيل على مضامين علم التصوف والزهد وتزكية النفس، حَكَمَ باستحالة نسبة هذا المؤلَّف للإمام ابن قيم.
فهذا "الداعية" لم يبذل جهدا لقراءة فكرِ ابن قيم انطلاقا من منهج يستنبطه من مجمل مؤلفاته، ويكون منهجا قادرا على فهم تراثه في أبعاده ومكوناته ومواقفه المختلفة.
رابعا: إن أيَّ منتَج فكري بشري يحمل في بنيته الداخلية تناقضات وثغرات وعدم اتساق. ومهما حاول أي كاتب أو باحث أن يحرص على الدقة والصرامة والاتساق في نصوصه فلا بد أن يعتريها التناقض والاختلاف؛ بل قد يدعو صاحب النص إلى الفكرة ونقيضها.
وهنا يأتي دور الدراسات النقدية -بعد توفر شروطها وامتلاك أدواتها- في اكتشاف والكشف عن مكامن التناقض ومواطن الاختلاف وعدم الاتساق…
ولعل في قوله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 81]، دعوة كامنة إلى اكتشاف هذا الاختلاف الذي يجعل من "النصوص" والمتون" الصادرة عن غير الله تعالى نصوصا ومتونا ينقصها الاتساق.
وبتطوير الدراسات النقدية سيتطور الفكر البشري، وقد يقترب أكثر فأكثر من إنتاج نصوص ومتون تسترشد بمنطلقات ومقاصد متسامية فتلحق الرحمة بالعالمين.
والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.