إن الوظيفة التشريعية تنصرف للبرلمانات أساسا، بل وتعد من أهم وظائف هذه المؤسسات، تاريخيا وسياسيا، ولهذا، فإن دور البرلمان الأول أصبح هو وضع تلك القواعد، أي القوانين، واليوم تعتبر وظيفة التشريع أبرز ما يقوم به البرلمان، حتى إن التسمية المرادفة للبرلمان في مختلف الثقافات المعاصرة هي المؤسسة أو السلطة التشريعية. وبرغم أن المبادرة إلى اقتراح القوانين وصياغتها في هيئة مشروعات تأتي غالبا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفي دور البرلمان في مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها، وكذلك المبادرة إلى اقتراح قوانين جديدة. وباعتبار حق المبادرة إلى التشريع أول مرحلة من مراحل سن التشريع، وهي من تحدد موضوعه ومضمونه، فإن الدستور المغربي لم يختلف في تحديد الجهات المخولة لممارسة هذا الحق، فنجده يمنح هذا الحقل لرئيس الحكومة وأعضاء البرلمان بغرفتيه، طبقا لنص المادة 78 منه. وبعيدا عن الإشكال المتواتر «غالبا» بخصوص تفوق المبادرات التشريعية الحكومية على المبادرات التشريعية ذات المصدر البرلماني، فإنه من منطلقات: – تأخر الحكومة في عرض مشاريع القوانين التنظيمية وفق مخططها التشريعي؛ – والحاجة إلى تسريع عرض مشاريع القوانين التنظيمية قبل متم هذه الولاية طبقا للفصل 86 من الدستور؛ فإن الإشكال يهم التنازع حول أحقية المبادرة البرلمانية، بخصوص مقترحات القوانين التنظيمية. وهل للحكومة الحق في الدفع بعدم أحقية البرلمان في تقديم هذه المقترحات؟ يجد الحق الدستوري لأعضاء البرلمان، في تقديم مقترحات القوانين التنظيمية؛ أساسه من خلال المبررات التالية: فحيث إن التنصيص على «مقترحات القوانين التنظيمية» في الفصل 85 من الوثيقة الدستورية، دليل قاطع على إرادة المشرع في وجودها لا عدمها. وحيث إن القول بوجوب مرور مشاريع القوانين التنظيمية على المجلس الوزاري قصد التداول فيها، يعني أن كل المبادرات بخصوص القوانين التنظيمية لا معنى لها دون المرور على المجلس الوزاري، قول مردود. من زاويتين: هما أن الفصل 49 تحدث عن مشاريع القوانين التنظيمية، ولم يتحدث عن مقترحات القوانين التنظيمية؛ وأيضا وبإعمال قاعدة القياس، فمقترحات القوانين العادية لا تمر على المجلس الحكومي، رغم التنصيص الدستوري على كونه يتداول في مشاريع القوانين العادية. وحيث إن التجارب البرلمانية السابقة شهدت تقديم مقترحات قوانين تنظيمية، كمقترح فريق الوحدة والتعادلية في الولاية البرلمانية الثالثة، حول تعديل الفقرة الأولى من الفصل 11 من القانون التنظيمي للمالية رقم 34.79 (جريدة رسمية يوم 07-01-1981)، وبالتالي فلا يجب النكوص عن هذا المكتسب؛ وحيث إن القوانين التنظيمية التي لها مكانتها الدستورية كقوانين مكملة أو مفسرة للدستور، لا تعني انفراد الحكومة بحق المبادرة فيها، وترك المبادرة للبرلمان في مجال القانون العادي، إذ إن بعض القوانين العادية أهم للمجتمع والبلاد من بعض القوانين التنظيمية. وحيث إن الحكومة تأخرت في إعداد مشاريع القوانين التنظيمية، بما يتواءم الفصل 86 من الدستور، وكذا وفق مخططها التشريعي. فإن: – أولا: كل الدلائل قائمة على أحقية أعضاء البرلمان في التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية. – ثانيا:عدم التعامل التمييزي الصارم بين القوانين التنظيمية والقوانين العادية، بالشكل الذي يجعل الأخيرة أقل مرتبة من الناحية الموضوعية، إذ إن العديد من القوانين العادية ربما هي أهم بكثير من بعض القوانين التنظيمية. وإن كان المجتمع يمكنه أن يستمر بدون مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، (الذي سينظمه قانون تنظيمي) فإنه لا يمكن أن يستمر بدون قوانين لنظام الأسرة والحالة المدنية؛ والحقوق والحريات الأساسية، وتحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها… (وهي التي تنظمها قوانين عادية). وبالتالي، فالمشرع الدستوري، إذا كان استند إلى المعيار الشكلي في تمييزه بين مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية –عمدا أو سهوا- (أي أن الأولى ذات المصدر الحكومي تمر وجوبا على المجلس الوزاري، والأخرى ذات الأصل البرلماني لا تمر على المجلس الوزاري)، فإن ذلك لا يمنح الحق لاجتثاث حق دستوري واضح لأعضاء البرلمان في التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية، أو فرض مسطرة خاصة على الأخيرة غير منصوص عليها دستوريا، من سلطة تنفيذية مطالبة أخلاقيا بالدفع بما يسهل شروط وإجراءات ممارسة البرلمان لاختصاصه التشريعي، والتعاون معه، وتدعيم قدرات أعضائه من ناحية الخبرة القانونية. يجب اليوم استثمار التنصيص الدستوري على هذا الاختصاص للسلطة التشريعية، والإسراع بتنزيل جملة القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والعمل بمنطق تعاون وتنافس إيجابي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لا بهذا المنطق التصارعي الذي نلحظه، والذي –لا محالة- سيكون في غير صالح الحكومة التي توجب عليها الوثيقة الدستورية تدبيرا زمنيا أسرع لإخراج القوانين التنظيمية، لا يتعدى الولاية التشريعية الحالية.