عندما نقول إن الحكومة وباقي أجهزة الدولة لا تنظر بعين الرضا إلى الثقافة، غالبا ما يؤاخذ علينا البعض المغالاة في هذا الحكم. الآن، صار بين أيدينا- والجمع هنا يحيل على أهل الثقافة والفن- ما يؤكد هذا الحكم ويثبت حجيته القوية، ويدحض الموقف الراجف لأعداء الثقافة والفن، وهم كثر في هذا البلد السعيد. في الوقت الذي تحافظ فيه الحكومة على وتيرة عمل المصانع والمتاجر والمطاعم والأسواق وغيرها، تصر على أن تبقي أبواب الفضاءات الثقافية مغلقة، وأن تمنع الملتقيات الفكرية والمنتديات الأدبية والمهرجانات الفنية، وأن تحظر الأنشطة الثقافية كيفما كان شكلها ومكان انعقادها، علما أن هذه التظاهرات، بمختلف أشكالها، لا تستقبل جمهورا واسعا، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى المصانع والمتاجر أو الساحات العامة التي باتت تستقبل حشودا غفيرة من المغاربة. ورغم أن فئات مهتمة بمجال الثقافة استطاعت التأقلم مع الظرف القاهر الذي فرضه الوباء الفيروسي وإيجاد بدائل مقنعة نسبيا، بانخراطها في المنصات الرقمية ومواصلتها النشاط الثقافي عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، وتفاعلها مع قراء الكتاب وجمهور الأغنية والفيلم، إلا أن الفاعلين الميدانيين في قطاع الثقافة يواجهون مرحلة ضبابية خطيرة ويترقبون معجزة ما لإنقاذ مستقبل مهنهم وأعمالهم. وما توجُّه فئة من ناشري الصحف الأسبوع الماضي إلى وزير الثقافة عثمان الفردوس، لطلب الحصول على دعم إضافي، سوى دليل على هذا الإفلاس الذي توشك أن تقع فيه قطاعات ثقافية بكاملها. في الأسبوع ما قبل الماضي، قابلت صاحب كشك في مدينة البوغاز، أخبرني أن مبيعات الجرائد تراجعت بنحو 90 في المائة مقارنة مع فترة ما قبل مارس 2020. على النحو ذاته، يشتكي الكتبيون من الواقع المزري ذاته. كما يواجه موظفو القاعات السينمائية والمسارح والأروقة ومكتبات ونقاط البيع الخاصة- على قلتها- والمكتبات العمومية ودور الثقافة ودور الشباب وباقي الفضاءات الثقافية، عطالة شبه مفتوحة لا أفق للخروج منها لحد الآن. ليس الغرض هنا استجداء أي أحد لصالح هذا الطرف أو ذاك، وإنما القصد التنبيه إلى خطورة هذه المفارقة غير المفهومة في سياسة الحكومة وتدبيرها الأزمة الصحية. ففي الوقت الذي سمحت فيه بالعمل لمصنع يستقبل آلاف العمال في دورة إنتاجية واحدة مدتها ثماني ساعات، وإذ فتحت أبواب المساجد أمام المؤمنين، وشرعت في استقبال السياح من الخارج، تواصل الحكومة تجاهل رغبات المثقفين والمبدعين ومهني الثقافة، وإن كانت أنشطتهم لا تستقطب سوى العشرات من الناس، لا يصل عددهم مائة نفر في أحسن الأحوال. إذا استمر هذا التجاهل، فإن الثقافة ستصير مطالبة بمواجهة فيروس آخر غير كورونا، هو فيروس السياسة (وهو فيروس ينخر جسدها، على كل حال، منذ زمان طويل، وليس وليد اليوم).