نشر "شمعون حاييم سكيرا"، الكاتب العام لفدرالية اليهود المغاربة بفرنسا، على حسابه الشخصي في الفيسبوك تدوينة وجه فيها تهمة (... ) كونه إسرائيليا لحزب الاستقلال وأن الحزب ذاته كان سببا في هجرته وهو لا يتجاوز 15 سنة. هذا الحديث يأتي في سياق ما تعرفه المنطقة من ترويج لبضاعة فاسدة تتعلق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وفضلا عن كون حديث شمعون لا يمكن فصله عن السياق الحالي الذي يطغى عليه تطبيع كل من الإمارات والبحرين وما يروج له من كون المغرب هو البلد التالي على قائمة المطبعين، فإنه حديث غير صحيح من الناحية التاريخية ومتهافت من الناحية السياسية وغير بريء من ناحية التوقيت، ذلك أن الحقيقة التاريخية تقول إن تهجير المغاربة اليهود سابق حتى على ميلاد الكيان الصهيوني، فالمغرب منذ نهاية الحرب العالمية الأولى كان من بين أكثر الدول استهدافا من قبل الدعاية الصهيونية، بل أسست منظمات في المغرب تدور في فلك الحركة الصهيونية وتروج للهجرة إلى أرض الميعاد مستثمرة المشاعر والعواطف الدينية مثل "أهفات تسيون" و"شيفات تسيون" و"حبيت تسيون". كما لا يخفى على أحد كيف واجه المغرب ضغوطات حكومة "فيشي" المتواطئة مع النازية، لهذا فالحديث عن اضطهاد اليهود في المغرب أمر متهافت ليس له ما يسنده تاريخيا، صحيح أنه في فترات طويلة لم يكن هناك تمييز بين الحركة الصهيونية والدين اليهودي، مع الأسف هذا الأمر لازال مستمرا عند البعض إلى اليوم، ويمكن رصد ذلك في بعض الشعارات التي ترفع في مسيرات التضامن مع القضية الفلسطينية، هذا الأمر كان شائعا لفترة طويلة ووجد له صدى في الإعلام الوطني في منتصف الخمسينات وإلى نهاية الستينيات من القرن الماضي، كما كان في مقابل ذلك الاحتفاء بانتقال مغاربة من الديانة اليهودية إلى الإسلام، وهذا الأمر كان عاديا وطبيعيا، بمنطق تلك الفترة، في مجتمع عاش مثل هذه الوقائع منذ سقوط الأندلس. لهذا، فمحاولة تصوير ذلك على أنه سياسة حزبية تسعى إلى تهجير اليهود المغاربة، خاصة من خلال كتابات دافيد عمار، كان مجرد طرح متهافت ويتناقض وموقف حزب الاستقلال وقيادته من القضية الفلسطينية إذ كان علال الفاسي أول من أخبر بموعد انطلاق الكفاح الفلسطيني المسلح، فكيف يستقيم أن يساهم حزب علال الفاسي الرافض للصهيونية، بشكل غير مباشر في تعزيز ديموغرافية الكيان الصهيوني؟ هذا منطق مقلوب وغير متماسك بتاتا، دون أن ننسى كيف اكتشف التهجير السري لليهود المغاربة من خلال الحادثة الشهيرة المؤسفة لسفينة "Pisces" سنة 1960، حيث راح ضحيتها عدد من المغاربة اليهود وهو ما فتح ساعتها كثيرا من الأسئلة حول موقف القيادات اليهودية السياسية والدينية ومن كان يوفر الغطاء لتلك الهجرة. إذ يمكن القول إن اليهود المغاربة كانوا ضحايا مرتين، المرة الأولى من خلال استهدافهم الممنهج بالدعاية الصهيونية، وفي المرة الثانية، من خلال الظروف القاسية التي طبعت عمليات التهجير التي كانت تشرف عليها الوكالة اليهودية في ظروف غير إنسانية مستهدفة فقراء اليهود الذين سيعانون داخل الكيان الصهيوني من عنصرية مقيتة، في إطار ثنائية "الأشكيناز" و"السفارديم"، وهي عنصرية لازالت مستمرة إلى اليوم، علما أن تلك العنصرية لم تكن موجودة في المغرب إطلاقا، لهذا فمحاولة اختزال الأمر وتوجيه التهمة لحزب الاستقلال هو أمر فيه كثير من التبسيط والاختزال ويمثل تعسفا على الحقيقة التاريخية ونوعا من التبرير المتأخر للفكرة الصهيونية. لقد زاوجت الأنوية الأولى للحركة الوطنية بين بناء الفكرة الوطنية القائمة على التحرر من الاستعمار، وبين الوعي بالقضايا العادلة على المستوى الدولي، والتي كانت على رأسها القضية الفلسطينية، حيث قاد الزعيم علال الفاسي، رحمه الله، سنة 1929 انتفاضة تاريخية في فاس ضد مشاريع العصابات الصهيونية على أرض فلسطين، والتي كانت تقوم على استهداف المقدسات الإسلامية، إذ قامت العصابات الصهيونية بهدم مسجد عمر، والذي كان موضوع عريضة تنديدية وقعها طيف واسع من سكان فاس بتحريض مباشر من الزعيم علال، جرى توجيهها للإقامة العامة. كما لعب الزعيم علال الفاسي دورا بارزا في القضية الفلسطينية، وكان واحدا ممن شهدوا وساندوا تأسيس حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، إذ قام الزعيم علال بوصفه الأمين العام لمكتب المغرب العربي بالقاهرة – حيث كان منفيا- بعمل مهم وسط الطلبة الفلسطينيين بالقاهرة، والذين كان من بينهم القائد الكبير الراحل أبو عمار ياسر عرفات، فقد كان قادة الكفاح الفلسطيني ينادون الزعيم علال بلقب "الوالد"، ونتيجة هذه الحظوة كان علال الفاسي أحد القلائل الذين كانوا على معرفة مسبقة بساعة انطلاق الرصاصة الأولى لتحرير فلسطين سنة 1965.. واستمرت مكانة علال عند القيادة الفلسطينية، بل شاءت الأقدار أن تكون آخر مهامه قبل أن يدركه الأجل المحتوم برومانيا سنة 1974، هو طلبه من الرئيس الروماني نيكولاي تشاوسيسكو فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية ببوخاريست، وهو المطلب الذي جرت الاستجابة له، وبعدها فارق الزعيم علال الحياة.