لا تسلم عملية البحث عن وضعية منظومة المغرب التعليمية وفق معايير الجودة الدولية، من خطر الإصابة بالصدمة كلما تجول المطلع بين الرتب التي يجد المغرب في ذيل قائمتها في هذا المجال، وحتى التقييمات الوطنية بما فيها الرسمية لا تقل صدمة في حديثها عن وضعية التعليم بالمغرب، وهي الوضعية التي يجدها الباحث في الموضوع مقرونة بتوصيفات "الكارثة" و"الفشل" و"التراجع" و"التقدم البطيء"... وإن كان من نقطة مشرقة، فلا بد أن تتلوها "لكن" للاستدراك. كثيرة هي التوصيفات التي لا تنبئ بصحة جيدة لمنظومة التعليم فقط، بل تدق ناقوس خطر انهيار بنية لم تقف على قدميها سليمة معافاة منذ ستة عقود من التجارب والإصلاحات وإعادة إصلاح الإصلاحات وتدويرها. وطبعا، لا تختلف التأويلات حول دلالة أن تلتصق تلك التوصيفات بقطاع كقطاع التعليم، كما لم يختلف مفكرون قدامى وجدد عماذا يعنيه مستوى التعليم للشعوب والحضارات وبناء الدول، فهو المرآة التي تمكن من رؤية الاعتلالات في عقل الفرد والمجتمع والدولة، قديما قال الفيلسوف اليوناني أفلاطون إن "الشخص الذي يهمل التعليم سيسير أعرج حتى نهاية حياته"، فما بالك حينما يكون الشخص شخصا معنويا وليس ذاتيا فقط، ومنذ ما قبل الميلاد، كان موضوع المعرفة والتعليم لصيقا بطريقة تدبير الحكم لدى فلاسفة وحكماء طبعوا التاريخ ووعوا بأهمية العلم في تدشين والرقي بالمدينة/الدولة، وبخطر الجهل على الفرد وعليها، "الجهل أصل كل الشرور"، هكذا قال أفلاطون منذ القدم، وقد تكون المعرفة والجهل وغايات التعليم قد طرأت عليها رؤى جديدة مع تغير الأزمنة، لكن جوهر العلاقة بين كساد التعليم وفساد المجتمع وتقهقر الدول ظلت علاقة قائمة يمكن استشفافها من خلاصات تقارير الهيئات الحديثة، التي تنظم العالم المعاصر وترصد نجاحاته وإخفاقاته بالأرقام والنسب. أتت كورونا على جسد منهك بإصلاحات لم تشفه، وربما فقط أضعفته أكثر بسبب توالي الاختبارات عليه، والحقن بالمخططات المصاغة على عجل، والتي لا تتأخر كثيرا في إظهار أعراض الفشل على عضو حيوي في صحة الدولة والمجتمع، وهو قطاع التعليم، وفي بيئة لازالت تحبو في مجال الرقمنة وتكييف التعليم مع مقتضيات العالم التقني الجديد، جاءت جائحة كورونا لتفرض تسريع الخطى للسير على طريق صار محتوما بفعل ضرورات الصحة العامة، ولم يعد مجرد خيار في بلدان عديدة من العالم وليس بالمغرب فقط، الذي أصبحت أرقام عدد الإصابات بالفيروس والصور المتسربة من المستشفيات المكتظة والضعيفة البنيات فيه، تثير المخاوف مما إذا كان المغرب على شفا انهيار منظومته الصحية غير الواقفة أصلا. وهكذا على حين غرة وجدت المنظومة التربوية نفسها أمام تحدٍ وإشكالات كبيرة عن كيفية ضمان الحق في التمدرس لجيل كتب عليه أن يعيش زمنا فارقا مع الوباء، وهو ما يعكسه الجدل والارتباك حول خيارات التعليم الحضوري وضمانه عن بعد، وهو المجال الذي لم يكن في صحة جيدة حينما كان المتلقي قريبا من هيئة التدريس وداخل مؤسسات وحجرات التعليم، فكيف سيغدو حاله مع واقع بنية الرقمنة فيه لازالت ضعيفة وفق ما ترصده تقارير دولية، كان المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري قد نبه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي إلى أن تحدي الثورة التكنولوجية نهاية ذلك القرن وبداية القرن الحالي، هو تحدٍ حاسم في تقدم التعليم وإنقاذ المجتمعات والدول من التجاوز، فهل أتت كورونا على ما تبقى من هيكل منظومة منهكة وغير مواكبة؟ وهل لازال للقرب والبعد نفس الدلالات في زمن الإنترنيت؟ هل دهس قطار التحولات بالمغرب وصية الجابري عن مستقبل التعليم؟ لو أن المفكر المغربي محمد عابد الجابري يعايش كيف تعرت نتوءات المنظومة التربوية بشكل كبير مع زمن الجائحة، لربما أعاد صياغة توصيته بشكل أشد صرامة، حينما تحدث في منتصف الثمانينيات في كتاب له عن وضعية التعليم بالدول المغاربية: تونسوالجزائر، وخصص الفصل الأول في الدراسة للمغرب، إذ قال الجابري: ".. فمصير العرب في القرن القادم يتوقف على الكيفية التي سيعدون بها أبناءهم تربويا وتعليميا خلال ما تبقى من القرن العشرين، والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وقد تنبهت كل دول العالم المتقدم وعدد من دول العالم النامية لهذه الحقيقة منذ بداية الثمانينيات. ففضلا عن الحقيقة المستقرة منذ عدة قرون حول ضرورة "التعليم" كطريق لأي نهضة حقيقية، فإن الجديد في السنوات الأخيرة هو تزايد الإدراك بأن المسألة ليست أي تعليم، وإنما الذي أصبح مطلوبا هو "تعليم" من نوع جديد؛ يهيء الفرد والمجتمع لحقائق وديناميات عصر جديد، هو عصر الثورة التكنولوجية الثالثة، عصر التغير المتسارع، عصر الانفتاح الإعلامي الثقافي الحضاري العالمي، عصر تغير الأهمية النسبية لقوى وعلاقات الإنتاج". مفسرا أن "التغير الاجتماعي المتسارع، الذي هو أحد خواص القرن القادم، والذي لم يبق عليه سوى عدة سنوات، يعني أن القيم والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية ستكون عرضة للتغير والتحول والتبدل عدة مرات، لا من جيل لآخر كما كان في عهدنا في الماضي، ولكن في حياة نفس الجيل. وهذا التغير المتسارع هو متاح للخاصية الأولى التي تحدثنا عنها أعلاه، أي الثورة التكنولوجية الثالثة، حتى بالنسبة لمن لا يشاركون في صناعة أو صياغة هذه الثورة. فالجميع سيتأثرون بها في أدنى الأراضي وأقصاها. ويتطلب هذا التغير الاجتماعي المتسارع من الفرد والمجتمع أن يكونا سريعي التكيف والتأقلم مع كل تحول وتبدل، وإلا دهمهما هذا التغير بقطاره المندفع. ومرة أخرى لا يمكن للفرد والمجتمع أن يتكيفا إذا لم يكونا مسلحين بنوع من التفكير والمعرفة يساعدهما على ذلك. ويقع هذا العبء أساسا على النظام التربوي"، يقول الجابري في كتابه "التعليم في المغرب العربي / دراسة تحليلية نقدية للسياسية التعليمية بالمغرب وتونسالجزائر". تنبأ الجابري بالتحولات التي ستعرفها المجتمعات بداية القرن الحالي، وشدد على أن العبء في مسايرتها أو المغامرة بأن يدهم المجتمع قطار التغير المندفع، يقع أساسا على النظام التربوي لتسليح الفرد والمجتمع بما يمكنه من مجابهة هذه التحولات، وها هو المغرب يجر في سنة 2020 توصيفات محبطة عن نظامه التربوي، فما الذي يجعل هذه المنظومة معتلة وعصية على الإصلاح، وهل دهست سرعة قطار التحولات منظومة المغرب التعليمية بعدما حل الزمن الذي تحدث عنه الجابري؟ بين الكم والكيف.. خلل ما في الميزان على مستوى الحصيلة الكمية، رصد التقرير الاستراتجي لمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، الذي يديره المفكر ووزير التعليم السابق، عبدالله ساعف، أنه على مستوى العرض التربوي، "انتقل مجموع المؤسسات التعليمية العمومية بالأسلاك الثلاثة من 10208 خلال موسم 2012-2013 إلى 10756 في موسم 2015-2016، أي بزيادة ناهزت 548 مؤسسة تعليمية جديدة، وبنسبة تصل إلى 5,36، فيما انتقل مجموع المؤسسات التعليمية الخصوصية خلال نفس الفترة من 3656 إلى 4627 مؤسسة، أي بزيادة ناهزت 991 مؤسسة تعليمية جديدة، أي بنسبة زيادة تبلغ 27,10 بالمائة"، ويرصد نفس التقرير الذي يدرس المرحلة مابين 2014 و2018 "تبلور مفهوم جديد" للعرض التربوي، خاصة بالوسط القروي يمنح إمكانية تجميعه الوحدات الفرعية المشتتة، ويتمثل في المدارس الجماعاتية التي انتقل عددها من 43 إلى 111 ما بين شتنبر 2012 وشتنبر 2015، وفي مقابل تزايد أعداد متعلمي السلك الإعدادي العمومي بنسبة 3,11 في المائة، وتزايد أعداد متمدرسي التعليم الخصوصي في مختلف الأسلاك بنسبة زيادة إجمالية تناهز 19,94 شاملة للأسلاك الثلاثة، يقف التقرير على تراجع أعداد التلاميذ الذين تستقبلهم المؤسسات العمومية الابتدائية بنسبة ناقص 0,79 في المائة والثانوية التأهيلية بنسبة -1,59 في المائة. أما على مستوى الأداء التربوي، فقد أشار التقرير إلى الصورة القاتمة على مستوى التصنيفات التي احتلها المغرب، حيث ظلت وضعية التعليم خلال الفترة المعنية بهذا التقرير "سلبية في عيون أغلب التقارير الدولية التي شهدتها المرحلة"، فالدراسة الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأممية سنة 2015 أثبتت أن المدرسة العمومية تعيش أزمة حقيقية تجعل منها واحدة من أسوأ المدارس في العالم، إذ من بين 76 دولة في العالم شملها تقرير المنظمة الدولية الراصد لجودة التعليم والتجهيزات المتوفرة داخل المدارس، احتل المغرب المرتبة 73، حيث صنفت المدرسة المغربية ضمن المدارس الأقل جودة في العالم، سواء على مستوى المناهج المدرسية باعتمادها بشكل كبير على الحفظ والتلقين، أو على صعيد التجهيزات المتوفرة داخل المدارس، في نفس الاتجاه كان تقرير منظمة الشفافية العالمية اعتبر فساد التعليم عائقا خطيرا يحول دون تحقيق الجودة، ويقطع الطريق على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما يضر بالامتيازات الأكاديمية للجامعات، وقد يؤدي حتى إلى انهيار سمعة نظام التعليم العالي في دولة بأسرها، حسب ما أوجزه التقرير الاستراتيجي، موردا أن من ضمن 76 دولة شملها تقرير سنة 2016 لمنظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية الدولية، احتل المغرب المرتبة 73، أي بفارق ثلاث رتب كي لا يتصدر القائمة من ذيلها، وليس من رأسها فيما يخص قائمة البلدان التي تتوفر على أحسن المدارس في العالم، الذي تصدرت فيه الدول الآسيوية الترتيب. إن ما تحدث عنه الجابري سنة 1985 بخصوص التحولات التكنولوجية والقطار الذي يداهم من لا يساير نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، تظهر الأرقام الحديثة أن المغرب ليس في مستوى الرهان الذي اعتبره الجابري محددا في الزمن الجديد، فحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي في جانبه المتعلق بالمؤشر الرقمي، الذي رصد من خلاله معالم التطور في تقنيات المعلومات والاستعمال التكنولوجي خلال سنة 2015 في 139 بلدا، احتل المغرب المرتبة 79 عالميا، وهي مرتبة تقدم فيها ب21 مرتبة وتصدر بلدان شمال إفريقيا، لكنها في نظر التقرير تعكس أن المغرب لا يزال يعرف ثورة رقمية بطيئة. وفي التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي حول جودة التعليم لعام 2014، فقد احتل المغرب الرتبة 77 من بين 148، متقدما على الجزائر (100)، ومصر (118)، واليمن (145)، ومتخلفا عن تونس (83)، وقطر والإمارات، حيث تصنفت الدولتان الأخيران ضمن أعلى 20 دولة أكثر قدرة على المنافسة، وهي الوضعية التي لا تنفصل في جوهرها عن وضعية المدرس المادية والمعنوية، فالمدرس المغربي يتذيل قائمة الدول العربية من حيث الأجر، وفق تقرير لمركز أبحاث التعليم العالي التابع لجامعة شيكاغو الأمريكية سنة 2014، حيث إن راتبه بعيد جدا عن راتب المدرس القطري (7030) دولارا، والياباني (7780) دولارا. ومع مرور السنوات، لا يتغير لون القتامة كلما تحدث تقرير عن وضعية التعليم، ولا تكف تلك ال"لكن" عن الالتصاق بكل إنجاز وتقدم طفيف، ففي السنة الجارية، وفيما يخص جودة التعليم، سجل تقرير بشأن التنمية المستدامة لسنة 2020 صادر عن جامعة كومبردج، تحسنا في معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي، لكنه صنف المغرب ضمن اللائحة السوداء فيما يخص الانقطاع الدراسي. كما أن سنة 2019 لم تحقق إلا الجزء القليل من هدف محاربة الهدر المدرسي (300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا)، وهي سنة ارتفع فيها الهدر الجامعي، في نظر تقرير صادر بداية السنة الجارية عن المنظمة الديمقراطية للشغل، قالت فيه إن 43 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعة بدون شهادة، وإن 30 في المائة من سكان المغرب مازالوا يعانون من الأمية، إضافة إلى ارتفاع مهول في نسب تشغيل الأطفال وهم في سن التمدرس. داء العطب قديم "عرف قطاع التعليم في المغرب غداة الاستقلال، ارتفاعا ملحوظا في أعداد المتعلمين، لكنه بقي متواضعا من حيث الجودة. ومع مرور العقود التالية، ظلت هذه الوضعية مؤبدة بفعل عوامل كثيرة يصعب حصرها، بل تحولت هذه الحاله إلى مشكلة بنيوية استعصى حلها على كل الحكومات التي تعاقبت على تدبير قطاع التعليم في المغرب خلال 60 سنة بعد الاستقلال. وفي أيامنا هذه، يقر الجميع في المغرب، بدءا من أعلى قمة في هرم السلطة إلى المواطن البسيط، أن المدرسة المغربية عليلة، بل ثمة إيمان كبير أن علاجها أضحى مهمة مستحيلة بسبب الفشل الذريع لكل الإصلاحات التي طبقت خلال العقدين الماضيين"، يقول الباحث، رشيد أوزار، في ورقة بحثية تحت عنوان: "سياسات التعليم في المغرب: هل تصلح الدولة ما أفسدته الدولة؟"، يسرد فيها مسلسل الإصلاحات الكثيرة التي طبقت منذ سنة 1956، سنة استقلال المغرب بدءا من إحداث وزارة التربية الوطنية (1956)، وإحداث أول هيئة رسمية عهد لها بإصلاح التعليم (1957)، وتنصيب "الهيئة الملكية لإصلاح التعليم" (1958)، التي أصدرت "ميثاق التعليم" سنة 1959، ثم ندوة المعمورة حول إصلاح التعليم (1964)، وأيام التربية الوطنية المنعقدة بإفران (1980)، ومشروع "التكوين المهني" ولامركزية الجامعات (1995-1988). وفي بدايات الألفية الجديدة، تم تكوين هيئة وطنية من 34 شخصية مغربية عهد إليها بوضع "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" (1999)، وتم تطبيق هذا الميثاق سنة 2000. لكن_ وهناك دائما "لكن"_"فشله الكبير سرع بوضع البرنامج الاستعجالي الذي أُحدث لإنقاذ فشل "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" (2009). وبسبب إعلان الفشل النهائي ل"الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، تم، أخيرا، وضع مشروع جديد تحت عنوان كبير وطموح: "من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030′′، بدأ تنفيذه وإنزال مقتضياته منذ سنة 2015′′، يقول أوراز منتهيا إلى أن الأمر يتعلق بما يفوق 11 إصلاحا كبيرا، بالإضافة إلى إصلاحات أخرى إدارية ومالية نفذها المغرب خلال هذه الفترة الطويلة نسبيا. لكن "هذه الإصلاحات كلها لم تنجح في تطوير المدرسة المغربية، بل تردت وتدهورت مخرجاتها". ضعف التعليم الأولي، واستمرار ظاهرة الانقطاع عن الدراسة، وضعف الإبداع في المناهج المدرسية، وضعف التحصيل الدراسي وعدم التحكم في الكفايات اللغوية... جزء يسير من التعثرات والمشاكل التي سردها تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين في دجنبر 2014 في أول أعماله التقييمية، وهو تقرير حول "تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013: المكتسبات والمعيقات والتحديات"، حيث خلص إلى أن الموارد المالية التي تم تخصيصها للتعليم، والتي انتقلت من 24,8 مليار درهم سنة 2001 إلى 62 مليار درهم سنة 2011، ذهبت هباء منثورا ولم تتمكن الإصلاحات المتتالية من بلوغ الأهداف المسطرة، في حين أوصى التقرير بمواصلة تعزيز استقلالية الجامعات والأكاديميات كأحد المكتسبات التي تم تحقيها في نظره، وكذا مواصلة عمومية الدعم الاجتماعي، ولم يكن مآل البرنامج الاستعجالي الذي ناهزت مجموع الاعتمادات المرصودة للأكاديميات خلال عمر البرنامج، أي من سنة 2009 إلى 2012، 30 مليار درهم، (لم يكن مآله) أحسن حالا مما بلغه الميثاق الوطني للتربية والتكوين في فشله المعلن رسميا. إلا أنه ورغم الصورة السيئة التي ترسمها التقارير الرسمية عن وضعية المدرسة العمومية، يؤكد أوراز في دراسته أن بعض النجاحات قد تم تحقيقها بالفعل. لكن "مجيئها المتأخر جعل من قيمتها وكأنها منعدمة". ومن بين النجاحات المتأخرة التي حققتها المدرسة المغربية، يتحدث الباحث عن الوصول إلى نسبة تسجيل تفوق 100 في المائة في المستوى التعليمي الابتدائي، وهو النجاح الذي يقول إنه حققه بلد مثل تونس بفارق يفوق 35 سنة عن المغرب. مستدلا على أن الإحصائيات المغربية تظهر التراجع الكبير في هذه النسبة بين بداية الثمانينيات ومنتصف التسعينيات، ولم يستطع المغرب الرجوع إلى المعدل نفسه الذي حققه بداية الثمانينيات إلا بعد 20 سنة، أي سنة 2000. و"هذا يعد إهدارا كبيرا لزمن المدرسة المغربية. لكن يمكن تفسيره بالتجاهل الذي ووجهت به المدرسة المغربية بسبب الانتفاضات العنيفة التي شهدها البلد، بين ستينيات وثمانينيات القرن العشرين، التي كانت المدرسة جزءا من الدعوة إليها والتعبئة لها".