يعيش "نادي القضاة" على إيقاع زوبعة وحالة من الغضب في صفوفه، إثر توصل ثلاثة قضاة باستدعاء من قاضي مقرر عينه المجلس الأعلى للسلطة القضائية للاستماع إليهم والتحقيق معهم، بشأن تدوينات سبق أن كتبوها سنة 2018. القضاة المعنيون هم عبدالرزاق الجباري، الكاتب العام لنادي قضاة المغرب وعفيف البقالي، رئيس المكتب الجهوي بالعيون، وفتح الله الحمداني عضو النادي. فما هي ملابسات فتح مسطرة تأديبية في حق هؤلاء؟ وما مضمون هذه التدوينات؟ هذا، وحسب مصدر من نادي القضاة، فإن عبداللطيف الشنتوف، رئيس "نادي قضاة المغرب"، أكد لأعضاء النادي صحة خبر استدعاء القضاة الثلاثة، معبرا عن أسفه لذلك. وقال إن ذلك جرى بعد عام وشهرين تقريبا من تعيين المقرر في حق القضاة، وبعد عامين تقريبا من استماع المفتشية العامة إليهم.. منتقدا متابعتهم "بمناسبة ممارسة حقهم في التعبير وانتمائهم الجمعوي". وأشار إلى أنه جرت إحاطة المكتب التنفيذي للنادي علما بالخبر، وأنه سوف يقوم لاحقا بالاجتماع "واتخاذ الموقف المناسب دفاعا عن حرية تعبير القضاة وحرية الانتماء الجمعوي المكرسة دستورا وقانونا".. وتابع أنه تلقى اتصالات من عدد من القضاة أعضاء النادي عبروا من خلالها عن "دعمهم وتضامنهم مع كل الأساتذة المعنيين، واعتبارهم حرية التعبير والانتماء الجمعوي مسألة تهم جميع القضاة". مضمون التدوينات لكن ماذا جاء في التدوينات للقضاة الثلاثة؟ التدوينة الأولى للقاضي عبدالرزاق الجباري، وتتعلق بانتقاد جوانب بروتوكولية في حفل تخرج الفوج 41 من القضاة في ماي 2018، وجاء فيها: "قلت لصديقي القيدوم: ما رأيك في حفل أداء يمين الفوج 41؟ قال: جيد، لو لا بعض الهفوات البروتوكولية التي قد تسيء إلى السلطة القضائية، وتوحي كما لو أنها ضعيفة أمام سلط ومؤسسات أخرى. قلت: مثل ماذا؟ قال: مثل تقديم وزير العدل، وعضوين معينين بالمجلس، على مؤسسة الرئيس المنتدب في تسليم قرارات التعيين. قلت: ربما هي من باب العناية بالضيوف. قال: وهل عدم إيلاء المكانة اللائقة بالأعضاء المنتخبين كممثلين للقضاة بالمجلس، هي أيضا من باب العناية بالضيوف"؟ أما تدوينة القاضي فتح الله الحمداني، فتنتقد عدم نشر نتائج المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وجاء فيها: "بخصوص عدم نشر نتائج المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أقترح اجتماع أجهزة النادي لرفع الأمر بشكل عاجل إلى الملك بصفته رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وفقا للفصل 42 من الدستور، لأن استمرار إدارة المجلس في امتناعها عن نشر كافة نتائج مداولات المجلس بشكل غير قانوني، وبدون أدنى توضيح أو تفاعل مع ردود فعل القضاة، يعد واقعة غريبة وغير مفهومة وتنم عن استخفاف بالقانون والقضاة، ويتعين ألا تمر مرور الكرام، ومن شأن القبول بهذا الوضع أن يؤسس لممارسات غير قانونية في عمل الإدارة المذكورة، ويشجعها على ارتكاب المزيد من الخروقات، إلى أن تصير جل مقتضيات القانون التنظيمي والنظام الداخلي مجرد توصيات غير ملزمة في نظر المجلس وإدارته، وعندها تفقد السلطة القضائية العديد من المكتسبات التي جرى تكريسها، وهو ما لا يمكن القبول به تحت أي ظرف". أما تدوينة القاضي عفيف البقالي، فتضمنت انتقادا لما وصفه "مفارقات القضاء"، وجاء فيها "في القضاء فقط، فئة تقضي وأخرى يُقضى عليها وثالثة يُقضى بها.. طائفة تكتري شققا وأخرى تسكن الفيلات، الأولى مثقلة بالديون والثانية لها فائض من الأصول يغنيها طول العمر ويغني الأبناء والأحفاد"، ويضيف "هنا فقط، تجد من ينتظر آخر الشهر ويعد الأيام عدا، بينما في المقابل تجد من لا يبالي لأنه يملك ملايين عددا، ففي القضاء تجد الفرق الشاسع والمخيف بين الطبقات، وقد لا تعني لغة الأرقام والأقدمية والرتبة والدرجة شيئا، فالأرقام كثيرا ما تكون كاذبة، وفي القضاء أيضا، قد لا تحاسب على أصولك وثرائك، لكن بالمقابل قد تحاسب على الكلمة والقلم. ولا أدري أهي رسالة لغلق الأفواه وملء الجيوب، أم إنها همسة في أذن من لا يفهم. لكن في القضاء من الأفضل أن لا تفهم ولا تسمع لكي تعيش شريفا، فالشرف رأسمال القاضي". جميع هذه التدوينات نشرت في يونيو 2018، وأثارت حفيظة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فتم استدعاء القضاة الثلاثة والاستماع إليهم في شتنبر 2018 من طرف "المفتش العام للشؤون القضائية". وحسب مصدر من النادي، فإنه بعد هذا الاستماع مرت أكثر من 10 أشهر دون اتخاذ أي قرار إلى أن فوجئ القضاة الثلاثة بتعيين قاضي مقرر في حقهم في يونيو 2019، ومع ذلك لم يتم استدعاؤهم طيلة أكثر من سنة إلى أن جرى ذلك مؤخرا. ومن المقرر أن يستمع القاضي المقرر إلى القضاة الثلاثة وينجز محضرا يرفعه إلى المجلس الذي سيقرر حينها في القرار الذي سيتخذه، إما بالحفظ أو التأديب. وينتظر أن يعقد نادي القضاة اجتماعا قريبا لاتخاذ موقف من هذه المتابعة التي يعتبرها تمس حرية التعبير، في وقت يعتقد الكثير من قضاة النادي أن تحريك هذه المتابعات في هذا الوقت مرتبط بتحركات لجهة ما داخل المجلس في سياق التحضير للانتخابات المقبلة للمجلس، وذلك بهدف "إرباك النادي وتأديب بعض أعضائه لسد الطريق أمامهم من أجل الترشح".