قدم شكيب بنموسى، رئيس اللجنة الملكية المكلفة بإعداد النموذج التنموي، رفقة عدد من أعضاء اللجنة، يوم الثلاثاء 14 يوليوز، حصيلة عمل اللجنة وأبرز توجهات تقريرها في لقاء صحافي نظم عن بعد. ويأتي ذلك بعد الموافقة الملكية على تمديد أجل تقديم اللجنة لتقريرها أمام الملك إلى بداية يناير 2021. وكشف بنموسى أن اللجنة ستعمل على دمج "أثر وباء كورونا على المغرب" ضمن التصور الذي تشتغل عليه، ولهذا ستعود لعقد لقاءات مع الأحزاب السياسية، وستواصل عقد لقاءاتها مع الجهات، حيث ينتظر عقد لقاء في جهة بني ملال. وأكد بنموسى، أنه رغم أن الجائحة أوقفت اللقاءات المباشرة للجنة إلا أنها واصلت عملها باستعمال وسائل التواصل عن بعد. مشكلة القضاء وأهمية "الفلاحة الأسرية" أشار محمد الطوزي، عضو اللجنة، إلى الجانب السياسي في عمل اللجنة، معتبرا أنه لا بد من "إعادة الاعتبار للعمل السياسي وللسياسة ككل"، بضمان مشاركة جميع الفاعلين السياسيين. وأثار مشكلة العدالة، قائلا: "المغرب يعاني من عدالته"، فبالرغم من "القفزة" التي تحققت باستقلال القضاء، لكن "لازال هناك مشكل النجاعة والرشوة على المستوى العام". كما شدد على أهمية الحريات الفردية والعامة وتحصين الحريات في الإعلام، بما يساهم في توازن السلطات وخلق سلطة مضادة، إذ بدون ذلك لا يمكن أن يكون هناك مجتمع منفتح وديمقراطي. في هذا السياق، دعا الطوزي إلى إعادة تنظيم الدولة على مستوى المجال، وذلك بإعطاء دور مهم "للفلاحة الأسرية"، نظرا إلى مساهمتها في التوازنات "رغم مردوديتها الضعيفة"، فهي فلاحة مبنية على البور، ولكنها "مهمة في أماكن العيش"، وأشار إلى أن 47 ألف دوار موجود في المغرب، "تنظر الدولة إليهم كعائق، في حين أنهم يعكسون دينامية"، معتبرا أنه لولى التضامن في العالم القروي لوقعت مشاكل أكبر. ودعا إلى تفعيل الديمقراطية التشاركية لبناء مؤسسات عمومية وإيصال الخدمات العمومية وضمان التنمية المستدامة والحفاظ على الثروات على مستوى الأسرة والدوار، كإطار للتفكير. ومن جهة أخرى، اعتبر الطوزي أن عمل اللجنة له "منطق سياسي وليس تقنيا"، لأنه يقوم على الإنصات للناس وانتظاراتهم، وأن الأمر لا يتعلق بلجنة "تقنية للخبراء، وإنما هي لجنة للمواطنين"، مؤكدا أن "عمل اللجنة يظهر كأنه تقني، ولكنه سياسي في الجوهر"، مشيرا إلى أن اللجنة توصلت إلى قناعات من خلال لقاءاتها بالمواطنين، مفادها، وجود إشكال في "تصور الدولة لعلاقتها بالمواطن والمجال والتنمية المستدامة"، موضحا أن "البلوكاج" الذي يعرفه تطبيق الجهوية يكشف عن "تضارب التصورات حول دور الدولة"، واعتبر أن المغرب مقبل على إعادة النظر كليا في إصلاح الدولة. محاربة الرشوة وتخليق الحياة العامة خلال الشهور الماضية، عقدت اللجنة 180 جلسة إنصات في مختلف مناطق المغرب، ضمت 1200 شخص في مختلف مناطق المغرب. ولخص بنموسى انتظارات المواطنين، في العدالة الاجتماعية في مجالات التعليم والشغل والتغطية الصحية، ورفع "التهميش الترابي"، ورفضهم "منطق الإعانة". وفي مجال الحريات العامة والمشاركة السياسية، عبر المواطنون عن انتظاراتهم في مجال "تخليق الحياة العامة ومحاربة الريع، والرشوة، ورفض تضارب المصالح"، وانتقدوا المفارقة بين نص الدستور والممارسة، ودعوا إلى احترام الحريات العامة. وفي مجال التنمية الاجتماعية تركزت انتظارات المواطنين في جعل الاقتصاد في خدمة المجتمع، والمحافظة على الثروات الطبيعية وخاصة الماء، وربط الجامعة بالمقاولة. وأشار بنموسى إلى أن الناس واعون بأن "المغرب له إمكانيات هائلة، ولكنه يحتاج إلى جرأة ومبادرة حتى تتحول إلى فرص جديدة للتنمية". جيوب الرشوة خطيرة على الاقتصاد محمد فيكرات، عضو اللجنة، تحدث من جهته عن الجانب الاقتصادي في عمل اللجنة، وقدم تشخيصا مفاده أن مناخ الأعمال في المغرب لازالت فيه "نواقص واختلالات"، لا تشجع على المنافسة، كما أن هناك "جيوب الرشوة الخطيرة جدا التي لا تساعد على تطوير الاقتصاد". ومن جانب آخر، هناك ضعف في التقنين، وهو ما جعل الاقتصاد المغربي ضعيفا جدا مقارنة مع دول أخرى، يتنافس معها المغرب في السوق الداخلي والخارجي. أما القطاع الخاص، فليس له حضور في الاستثمار ويفضل التوجه إلى الأنشطة الريعية، ويعاني من ضعف في الابتكار والبحث والتنمية.. هذا التشخيص، يقول فيكرات، كان هو خلاصة لقاءات عقدتها اللجنة مع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والأكاديميين. وبخصوص توجهات تصور اللجنة للجانب الاقتصادي، فإنه يقوم على "العمل على خلق اقتصاد متنوع مستدام وقوي يخلق القيمة المضافة، وتقوية الوظيفة والمسؤولية التنظيمية للدولة لإعطاء ضمانة وطمأنة للمستثمر، كما يجب العمل على مزيد من تبسيط المساطر الإدارية، لأن المستثمر يعاني من سفر طويل بين مكاتب الوزارات والإدارات بسبب الترسانة القانونية التي تفرض ذلك. كما تقوم توجهات اللجنة على أساس الحد من ثقافة الريع في بعض الميادين، لأن "الريع لا يبني الاقتصاد". ولمعالجة هذه الإشكاليات الاقتصادية والنهوض بالمقاولة، تدرس اللجنة، حسب فيكرات، عدة رافعات، أولاها، "الاهتمام بالمهارات الناعمة soft skills، وبالعنصر البشري للمقاولة. ثانيها، الاهتمام بدور الدولة كمستثمر ومستهلك عبر الصفقات العمومية، وأن الصفقات "يمكن أن تستعمل كرافعة لتطوير النسيج المقاولاتي". برامج اجتماعية مشتتة أما العربي الجعيدي، عضو اللجنة، فتحدث عن النواقص في منظومة الدعم الاجتماعي، وغياب تصور مندمج وشامل للحماية الاجتماعية، وتشتت برامج الدعم الاجتماعي التي تصل إلى 100 برنامج، ليس بينها تنسيق وتكامل. وكل ذلك يحد من وقع هذه المبادرات على الساكنة، وأحيانا يقع عدم الإنصاف. ولمواجهة هذه النقائص، قال الجعيدي، لا بد من "توسيع التغطية الصحية للفئات غير المشمولة، ودعم الوقاية من المخاطر وتحسين جودة الخدمات"، وأيضا بإرساء نظام أكثر إنصافا، ومراجعة آلية الاستهداف وهو ما يجري عبر مشروع قانون السجل الاجتماعي الموحد. كما اعتبر أنه لا بد من ضمان استدامة هذه البرامج عبر التمويل والجودة والتأطير المؤسساتي. شراكة مع التعليم الخصوصي ودعم "القطاع الخاص غير الربحي" أما غيثة لحلو، عضو اللجنة، فتحدثت عن الرأسمال البشري في عمل اللجنة، وخاصة مشكلة التعليم في المغرب، الذي يعاني من مشاكل عدة، أبرزها ضعف جودة التعليم الأساسي، حيث إن 25 في المائة من التلاميذ الذين يقل عمرهم عن 10 سنوات، وبعد سنوات التعليم الابتدائي "لا يتقنون القراءة والحساب"، فضلا عن مشكل الهدر المدرسي، )40 في المائة لا يصلون إلى مستوى الثانوي(، إضافة إلى الفوارق بين التعليم الخاص والعام، وبين الوسطين الحضري والقروي. أما الجامعة، فتواجه مشاكل خاصة في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، حيث ضعف التكوين، والتوجيه، وحيث يغادر 40 في المائة من الطلبة دون الحصول على أي شهادة، وهذا يؤثر على الإنتاج العلمي. وتشير لحلو إلى عدة مقترحات تدرسها اللجنة، أولها أن جودة التعليم مرتبطة بالأساتذة وتكوينهم المستمر وتقييم أدائهم، ثم، ثانيا، بالبنيات التحتية وبضمان حكامة جيدة المؤسسات التعليمية. وبخصوص التعليم الخصوصي، تسجل لحلو أنه عرف قفزة مهمة في المغرب، ففي سنة 2008 كان التعليم الخصوصي يمثل 7 في المائة فقط، من نسبة التعليم، ولكنه في 2019 وصل إلى 14,5 في المائة، "ما يعني أننا أمام ظاهرة يجب دراستها والاهتمام بها". ومن جهة ثانية، تسجل لحلو أن التعليم العمومي يحظى بالجودة، أما المدارس الخاصة المغربية، فهي مختلفة من حيث الجودة. وفي هذا الصدد، أشارت إلى أنه يمكن التفكير في الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في مجال التعليم، وإمكانية دعم القطاع الخاص غير الربحي، الذي تدبره الجمعيات، مثل مدارس الفرصة الثانية والتي يجب تطويرها.. ومن جهته، تحدث عدنان العديوي، عضو اللجنة، عن محور الشباب والرقمنة، مشيرا إلى أن هناك عملا على مستوى اللجنة لوضع تصور لصالح الشباب، واقتراح حلول مستعجلة، وتقديم مقترحات حول كيفية تطوير المهارات الخلاقة والانفتاح والتحلي بالمسؤولية الاجتماعية.