ألغيت زيارة العاهل الإسباني للثغرين المحتلين. لا، لم تلغَ... في ظل هذا الجدل، هل تعتقد أن الحكومة الإسبانية قادرة على التدخل في الزيارات الملكية؟ لا يتعلق الأمر بالاعتقاد أو الاحتمال، بل هو من صلب النظام الإسباني أن تُشرف الحكومة على كل نشاطات الملك وتحركاته الرسمية، ودستور 1978 ينص صراحة في الفصل 64.1 على أن رئيس الحكومة والوزراء المعنيين بأي نشاط ملكي يصادقون على كل التحركات والنشاطات الملكية بإشراف مباشر من الحكومة، كما ينص الفصل 64.2 على مسؤولية رئيس الحكومة والوزراء المعنيين والمتدخلين في هذه النشاطات والتحركات الملكية، في إطار ربط المحاسبة بالمسؤولية، باستثناء التحركات الخاصة للعائلة الملكية، وقد تميزت علاقة القصر الملكي بالحكومة دائما بالتنسيق والتفاهم واحترام نص الدستور وتقاليد العلاقة بين المؤسستين خلال ما يزيد على 40 سنة من الديمقراطية. وبالتالي، لسنا أمام أي تدخل للحكومة في نشاطات الملك، بقدر ما هو تنزيل لمقتضيات دستور 1978. والجريدة التي نشرت الخبر تشير إلى مصادر لم تسمها حتى بالموثوقة، ودون ذكر اسمها أو موقعها، ما ينزع عنها أي مصداقية. ما حقيقة المواجهة المفترضة التي يُتحدث عنها بين القصر والحكومة الاشتراكية الإسبانيين؟ بكل صراحة، لا أعتقد أن هناك أي مواجهة أو توتر بين القصر الإسباني وحكومة بيدرو سانشيز، والخبر الذي نقلته جريدة بيريوديستا ديخيتال القريبة من اليمين الإسباني يدخل في إطار ترويج إشاعات تهدف إلى تأزيم حكومة التحالف التي يقودها الاشتراكيون بمشاركة تحالف بوديموس، واتهامها بالتفريط في السيادة الوطنية والخضوع للضغوطات المغربية. ومعروف أن ألفونصو الروخو، مؤسس هذه الجريدة الإلكترونية، من صقور الإعلام اليميني المتطرف، ويملك إلى جانب هذه الجريدة الإلكترونية موقعا يحمل اسم سمنال ديخيتال (الأسبوع الرقمي)، وهو من المشاركين في أحد البرامج الإذاعية المثيرة للجدل والذي يديره الصحافي اليميني المتطرف فيديريكو خيمينيث لوصانطوص. كما أن الخبر لم تنقله أغلب الصحف والمواقع، بما فيها اليمينية المعتدلة. ربما المستجد الأخير والخطير في افتعال مثل هذه الأخبار، والذي تفاقم مع بروز حزب فوكس اليميني المتطرف على الساحة السياسية الإسبانية، هو عودة اليمين إلى استعمال المؤسسة الملكية في الصراع السياسي، وإقحامها في الجدل السياسي القائم، ومحاولته لعب دور المدافع عن الملكية، والتشكيك في ولاء اليسار لها بعد انفجار ملفات تتهم الملك الأب بالفساد، ودعم بوديموس، حليف الاشتراكيين في الحكومة، مقترح تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ملف عمولة من المملكة العربية السعودية لتفويت مشروع بناء قطار مكة-المدينة للملك الأب خوان كارلوس قبل تنحيه عن الملك. يمكن القول إن المغرب يؤثر في إسبانيا أكثر مما تؤثر الأخيرة في المغرب؟ لا شك أن المغرب يؤثر بشكل أو بآخر في السياسة الإسبانية لما تربطه بالجار الإسباني من مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية، بقدر ما تؤثر إسبانيا في المغرب، ومهما كان مستوى التفاوت في التأثير بين البلدين، فلن يرقى إلى مستوى فرض القرارات أو توجيه السياسات الداخلية للبلدين. والمعروف كذلك أن المدينتين كانتا دائما موضوع مواجهات وحسابات سياسية داخلية في إسبانيا، وغالبا ما كان اليمين يستعملهما ضد الحكومات الاشتراكية التي استطاعت أن تبني علاقة متوازنة مع المغرب.