بعد قرابة شهرين ظلوا خلالها عالقين داخل المغرب، على غرار مواطنين من جنسيات أخرى، غادر أخيرا 26 إسرائيليا كانوا قد حلوا بالمغرب بصفتهم سائحين، صباح أمس الخميس، متوجهين إلى إسرائيل، مرورا عبر فرنسا. الدولة العبرية احتفت بشكل كبير بهذا الخروج العسير الذي تعثّر لأكثر من شهرين، ووصفته بالعملية الدبلوماسية السرية التي أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو شخصيا، إلى جانب مجلس الأمن القومي الإسرائيلي. ويتعلق الأمر، حسب الصحافة الإسرائيلية، بشبان كانوا يقومون برحلة سياحية بالمغرب، وأشخاص ممن تصفهم إسرائيل بالبدو العرب المنحدرين من القدس الشرقية، وآخرين يحملون الجنسية المزدوجة، المغربية الإسرائيلية. فيما تقول المصادر الإسرائيلية إن 10 أشخاص إسرائيليين آخرين كانوا بدورهم عالقين في المغرب، فارقوا الحياة بعد إصابتهم بفيروس كورونا. وبعد فشل المحاولات السابقة لنقل هؤلاء الأشخاص عبر طائرة إسرائيلية ثم أخرى إماراتية، جرى اللجوء إلى الخيار المتمثل في استعمال رحلة خاصة غير تابعة لأية شركة وطنية، جرى تمويلها بفضل تبرعات “محسنين” ساعدوا في هذه العملية. ويتعلق الأمر بطائرة خاصة تملكها عائلة أدلسون الثرية، الإسرائيلية الأمريكية، حيث يظهر شريط فيديو يوثق لحظة وصول الأشخاص ال26 صباح أمس الخميس إلى إسرائيل، الطائرة التي أقلتهم، وهي لا تحمل علامة أية شركة للنقل الجوي. هذه الطائرة أقلت المجموعة التي كانت عالقة في المغرب من فرنسا، حيث كانت طائرة تابعة للخطوط الفرنسية قد تولت نقلهم من المغرب إلى الديار الفرنسية، وهو ما يعني تشبّث المغرب برفضه أي دخول لطائرة إسرائيلية إلى أجوائه، وإن كانت طائرة خاصة. العضو في البرلمان الإسرائيلي نير بركات، الذي لعب دورا محوريا في عملية الترحيل هذه، كان في استقبال مواطنيه لحظة وصولهم، وقال إن العملية كانت معقدة جدا لكون السلطات المغربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ما تطلّب جهودا دبلوماسية خاصة لتمكين الأشخاص العالقين من تصاريح خاصة بمغادرة المملكة. الطابع السري لهذه الرحلة جعلها تغيب عن وسائل الرصد المتداولة عالميا في تعقب جميع الرحلات الجوية، وهو ما فسّره قبطان الطائرة الخاصة لعائلة أدلسون، بكون الشركة الخاصة التي يعمل لصالحها لا تتقاسم المعطيات الخاصة برحلاتها، وهو ما مكّن من جعل هذه الرحلة سرية للغاية. وتحدث المصدر نفسه إلى صحيفة “إسرائيل اليوم” المملوكة لمجموعة “أدلسون” نفسها، قائلا إنها المحاولة الرابعة لترحيل الأشخاص الإسرائيليين من المغرب، والتي كُتب لها النجاح. “لقد حاولنا المرور عبر مطار الدارالبيضاء ولم ننجح، ثم حاولنا عن طريق مطار الرباط ولم ننجح لأن السلطات المغربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وحتى لو سُمح لنا بالانطلاق من الدارالبيضاء، فقد كنا سنطالب بالهبوط في جزيرة “رودس” (اليونان) قبل أن نواصل الرحلة نحو إسرائيل”، يقول الطيار جويل غراندي، مؤكدا أن محاولات متكررة للمجيء إلى الدارالبيضاء باءت بالفشل، لعدم حصول الطائرة على التصريح المغربي. صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، قالت إن قصة محاولة إخراج الإسرائيليين العالقين بالمغرب، بدأت حين جرى الاتصال بعضو البرلمان الإسرائيلي عن حزب الليكود، نير بركات، وطلب مساعدته في ترحيل مواطنيه العالقين في المغرب، بعدما أصدرت المملكة قرار إغلاق مجالها الجوي وتوقفت رحلات جميع شركات الطيران من وإلى مطارات المغرب، فيما لم تسمح الرباط باستقبال طائرة إسرائيلية خاصة لإجلاء الأشخاص العالقين، لعدم وجود ربط جوي بين المغرب وإسرئيل. وبعد إفشال المغرب لمحاولة إجلاء الإسرائيليين العالقين لديه على متن طائرة إماراتية جاءت لنقل مواطني هذا البلد الخليجي، لعدم التنسيق مسبقا مع المملكة بهذا الخصوص، تقول “جيروزاليم بوست” إن الخطة اتجهت نحو البحث عن رحلة خاصة تموّل عن طريق “محسنين”، وتنسيق دبلوماسي سري مع السلطات المغربية، بهدف السماح للأشخاص ال26 بالمغادرة. وتضيف الصحيفة الإسرائيلية أن عملا دبلوماسيا مكثفا جرى بشكل متكتم، بهدف الحصول على موافقة السلطات المغربية، وهو ما يشير إلى الحرص على عدم تكرار الخطأ السابق حين حاول الإسرائيليون والإماراتيون تنفيذ عملية الترحيل بعيدا عن أعين السلطات المغربية. ونقلت الصحافة الإسرائيلية عن الأشخاص المرحلين من المغرب، تصريحات فورية استقتها منهم بعد وصولهم إلى تل أبيب، عبّروا فيها عن افتخارهم بكون السلطات الإسرائيلية لم تتخل عنهم وعملت على ترحيلهم بجميع الوسائل المتاحة. ونقلت “جيروزاليم بوست” عن شخص يُدعى إيلان هاتويل، قوله إنه حرم من لقاء أطفاله وأسرته لأكثر من ثلاثة أشهر، موجها شكره إلى كل من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وعضو الكنيست الإسرائيلي نير بركات، والدكتورة مريام أدلسون، الإسرائيلية الأمريكية الشهيرة بأعمالها الخيرية، والتي تولت نفقات الرحلة الخاصة التي نقلت الأشخاص ال26 الذين كانوا عالقين في المغرب. من جانبها، القناة الإسرائيلية ال13، قالت إن الحكومة الإسرائيلية واجهت صعوبة كبيرة في ترحيل مواطنيها الذين كانوا عالقين في المغرب. وأوضحت القناة أن الدولة العبرية أقدمت منذ نهاية مارس على عملية واسعة لنقل جميع مواطنيها العالقين في الخارج، بعد إعلان وباء كورونا جائحة عالمية. وبعدما حازت إسرائيل على موافقة مبدئية مغربية على طلب الترحيل هذا، عادت الرباط، حسب القناة الإسرائيلية دائما، لترفض الترخيص بنقل المواطنين الإسرائيليين على متن طائرة إماراتية، لكونها لم تستشر بشكل مسبق وجرى الاتفاق حول الخطة بشكل مباشر بين الطرفين الإسرائيلي والإماراتي. وكانت الإذاعة التابعة للجيش الإسرائيلي، قد أعلنت فشل هذه المحاولة نهاية شهر أبريل الماضي، حيث كانت السلطات الإسرائيلية تسعى إلى تمكين هؤلاء الأشخاص العالقين من قضاة عيد الفصح رفقة أسرهم داخل إسرائيل. محاولة منتصف أبريل الماضي كانت قد فشلت بعد عرض الإمارات العربية المتحدة، حسب الرواية الإسرائيلية، نقل الأشخاص الإسرائيليين العالقين في المغرب على متن طائرتها التي كانت مخصصة حينها لنقل 74 مواطنا إماراتيا بقوا بجوارهم عالقين في المغرب، وذلك لكون المملكة لا تسمح لطائرات شركة “العال” الإسرائيلية بدخول أجوائها. وكان الأشخاص ال26 موزعين بين فنادق مدينتي مراكشوالدارالبيضاء، طيلة الشهرين الماضيين.